15-مايو-2021

فرقة موسيقية كورية تقدم فن الكيبوب بدأت منذ 2013 (RB/Bauer-Griffin/GC Images)

 

 

يمكن لأي كهل أو ثلاثيني أن يكسب ثقة عدد مهم وكبير من المراهقين إن أجاب بشكل صحيح عن السؤال التالي: "ما هي الـ بي تي آس، BTS؟"، فإن كانت إجابته للمراهق أنّها شهادة مؤهل التقني السامي، المعروفة بهذا الاختصار في تونس، والمتحصّل عليها من التكوين المهني، فقد خسر الرهان بلا شكّ. أمّا إذا أجاب أنّه من "الأرميز" لهذه الفرقة الكورية، فسيخلب بالتأكيد لبّ الفتى أو الفتاة ويحظى باحترامه.

بي تي آس BTS فرقة كورية مكونة من 7 شباب وهي واحدة من أكثر فرق الفن الموسيقي "الكيبوب" المحبوبة في العالم

وقد أصبحت هذه المجموعة المكونة من 7 شباب كوريين وهم (RM، جين، شوقا، جايهوب، جيمين، V، جونغوك) فرقة موسيقية لأول مرة في سنة 2013. وقد ارتفعت شعبيتها بسرعة صاروخية لتصبح واحدة من أكثر فرق الفن الموسيقي "الكيبوب" المحبوبة في العالم.

تعرفهم من رقصهم البارع وأصواتهم المختلفة وتسريحاتهم الفريدة وملابسهم الزاهية.. تعرفهم أو لا تكاد تفعل إن كنتَ من غير "الأرميز" كما سبق وقلنا. و"الأرمي" لا تعني الجيش كما قد يخيّل للبعض مجددًا، وإنما هي اختصار للعبارة الإنجليزية "Adorable Representative MC of Youth" أو الممثلين الرائعين للشباب. لفظة BTS نفسها تعني "Bulletproof Boy Scouts" أو "فتيان الكشافة المضادين للرصاص"، وهو شعار يقول المتابعون إنه يعبّر بشدة عن صنف الأغاني التي اختارت الفرقة أداءها.

فرقة BTS في أحد عروضها على المسرح (Getty/Theo Wargo)

تقول أمينة العياري (20 سنة) في تصريحها لـ"الترا تونس" عن سر تعلقها بهذه الفرقة: "أحب فيهم روح المآزرة وحبهم لبعضهم البعض، إلى جانب أغانيهم الجميلة جدًا. هم إيجابيون لأبعد الحدود، وحين أكون في مزاج سيء، تكون الفرقة قادرة على تغيير هذا المزاج إلى الأحسن. تعبوا كثيرًا في سبيل الوصول إلى العالمية ويشجعون دومًا على حب النفس والمجاهدة لتحقيق غاياتك. يمكن ألّا أوفيهم حقهم مهما تحدثت، ولن يفهمني في ذلك سوى الأرمي" وفق شهادتها.

ولعلّ ما ساعد فرقة "بي تي آس" على الانتشار هو تصنيفها كفرقة واعية وملتزمة اجتماعيًا، حيث عقدت منذ عام 2017، شراكة مع اليونيسف المنظمة التابعة للأمم المتحدة وتبرعت بأكثر من مليون دولار إضافة إلى ربع مبيعات المواد المخصصة للبيع، ونشرت رسالة رقمية "تعهدت فيها بمواصلة حملة ’أحبُّ ذاتي‘ والتي تنشر طموح المحبة والتآلف، خصوصًا في هذا الوقت الذي يسود فيه التباعد الاجتماعي". إذ من المتعارف على الفرقة أن الأغاني التي تطرحها دائمًا ما تتطرق لجملة من المواضيع الحارقة مثل التنمر وتمكين المرأة، والصحة والعنصرية إلخ..

 

 

تدلي مريم هرابي (17 سنة) بشهادتها في هذا الإطار، فتقول لـ"الترا تونس": "تعاونت الفرقة في عدة مناسبات مع منظمة يونيسيف وتبرعت بأموال طائلة لحملة End violence campaign لحماية الأطفال من العنف.. الفرقة التي أحبها، أغانيها تبدأ بشرب الحليب وليس الكحول، الرسائل التي تمرّرها لنا إيجابية وتعطينا كمية رهيبة من الطاقة. مدى حبهم لمعجبيهم لا يوصف، ورغبتهم في إظهار الأفضل لنا جعلت قواهم أحيانا تخور، هناك من يغمى عليه من كثرة تمرنه، هناك من يبكي بسبب خطأ في نوتة، شجارهم حول وضعية الرقص... أشعر أنهم يحبوننا كمتابعين، وهم على استعداد لفعل أيّ شيء من أجلنا".

اقرأ/ي أيضًا: أبرز أنواع الرقص التي يقبل عليها التونسيون.. تعرف عليها

وتتعدّى مشاهدات ألبومات فرقة "بي تي آس" على اليوتيوب مئات الملايين وتجاوز بعضها المليار مشاهدة! فقد باع ألبوم "Map of the Soul" مثلًا أكثر من 4.11 مليون نسخة في الأيام التسعة الأولى من إصداره العام الماضي ليصبح الألبوم الأكثر مبيعًا في تاريخ البوب ​​الكوري، بل إنه دخل قائمة أكثر الألبومات المادية مبيعًا في الولايات المتحدة. كما احتلت الفرقة المركز 43 في قائمة فوربس لأقوى 100 مشهورًا عام 2019 كأحد أكثر المشاهير ربحًا عالميًا، وهناك حتى من يزعم أن قيمة الفرقة الموسيقية تبلغ أكثر من 4.65 مليار دولار لاقتصاد كوريا الجنوبية سنويًا، أي نحو 0.3% من الناتج الإجمالي المحلي للدولة!

 

 

وتتفق كلّ من آمنة بن سالم (16 سنة) وآية قيدارة (20 سنة) وآية أحمد، على أنهنّ تابعن هذه الفرقة منذ بداياتها تقريبًا، وسيواصلن متابعتها بالشغف نفسه، لأنها "مصدر للطاقة والإلهام مثل أي شيء آخر كالأفلام والكتب" وقد دفع حب الفرقة البعض إلى الإقبال على تعلم اللغة الكورية، ثمّ إن "موسيقاهم لم تفشل ولو لمرة واحدة وهو ما يعطيك إحساسًا بالفخر أنهم حطموا أرقامًا قياسية، ومن الممكن ألا ينتبه أي إنسان غير متابع إلى أن كل قطعة في الديكور وكل كلمة وكل مكان تصوير وكل لون مستخدم، يدخل ضمن المحور الذي يعالجونه في أغانيهم المختلفة" وفق آرائهنّ المتطابقة.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا تتخفّى بعض الفتيات وراء "هيئة الذكور"؟

وأجابت قيدارة حول الآراء القائلة إن هؤلاء الفتية قد لا يمثلون أفضل نموذج للاتباع في ملابسهم وتسريحات شعرهم بقولها: "أشكالهم التي يقال إنها أنثوية، هم لا يصطنعونها، ثقافة ذاك الشعب لا ترى حرجًا في أن يصبغ الشباب شعورهم مثلًا، وتلك الملابس التي يرتدونها تمتلئ بها حتى شوارعهم، ويجب أن نتقبل الأمر على أساس أنه بديهي ومشروع بحكم اختلاف الثقافات، لكننا لا نقبل الاختلاف.. ولدينا في تونس من الفنانين الرجال من صبغوا شعورهم، فلماذا هذا التمييز ضدّ الفرقة؟" وفق وصفها.

أعضاء فرقة بي تي آس: RM، جين، شوقا، جايهوب، جيمين، V، جونغوك (Imazins /JTBC PLUS)

تتفاعل أستاذة الموسيقى وعازفة الكمنجة أسماء الغضاب (25 سنة) مع سؤال "الترا تونس" فتقول: "فرقة بي تي آس BTS تشجع معجبيها على المشاركة في الأعمال الخيرية بشكل مباشر أو غير مباشر، عديد الفنانين يفعلون؟ صحيح، لكن الفرق أن BTS سخّرت كامل مسيرتها الفنية لذلك، وليس مجرد أغنية أو اثنتين، وهو ما خلق كل هذا التأثير في المعجبين. ولأنه لا عمر للموسيقى ولا حدود لها، فقد نجحت الفرقة في ملامسة قلوب كل الفئات العمرية، هناك أساسًا مشاهير وكتّاب عبّروا عن إعجابهم بهذه الفرقة مثل المصارع المحترف جون سينا والكاتب باولو كويلو صاحب رواية الخيميائي".

وتتابع الغضاب: "هذا الكلام الذي ذكرته يعرفه جل من يتابع هذه الفرقة خارج تونس، لكن يؤسفني أن أجد في تونس من يُعجب حد الهوس بهذه الفرقة وهو لا يعرف أصلًا معنى اسمها أو شعارها، ويقلّدهم في إطلالتهم وتسريحة شعرهم وأكلهم وهو لا يفهم حتى كلمات أغانيهم" وفق تصريحها.

أستاذة الموسيقى أسماء الغضاب لـ"الترا تونس": يؤسفني أن أجد في تونس من يُعجب حد الهوس بفرقة BTS وهو لا يعرف أصلًا معنى اسمها أو شعارها ولا يفهم حتى كلمات أغانيهم

 ويبدو أن هذه الفرقة الغنائية التي حققت شهرة ساحقة فكتبت عنها مختلف وسائل الإعلام وحققت ملايين المشاهدات، وحصت عشرات الجوائز، لم تمنع انقسام الآراء بشأنها، إذ يستغرب بعض المهتمّين حتى من داخل الإطار التربوي تقديس هذه الفرقة وما تقوم به، تقول يسر الدريدي وهي أستاذة (30 سنة) لـ"الترا تونس": "أنا أكبر من جمهور هذه الفرقة، ولاحظت هوس طلبتي بها رغم أني حين كنت في مثل سنهم أو أصغر، أغرمت بالثقافة الكورية وتعلمت اللغة، لكن لم يكن الكيبوب يستهويني فنيًا.. هذا الإعجاب ظاهرة جديرة بالدراسة فعلًا لأن شهادات البعض حول سبب إعجابهم بهذه الفرقة غير مقنعة، فقصص الكفاح والنجاح والأغاني الموجهة لمشاكل الشباب موجودة على قارعة الطريق وبموهبة أكبر ربما" وفق تعبيرها. 

وتابعت الدريدي: "وبحكم تكويني الموسيقي وفهمي للغة الكورية نسبيًا، قلت فلأجرب الاستماع، فما راعني سوى أني لم أجد أيّ حفلة غنوا فيها بأصواتهم الحقيقية بصفتهم استعراضيين، وحتى المقاطع الحقيقية التي لا تتعدى بعض الثواني تبرز ضحالة الإمكانيات الصوتية مقارنة بالأصوات الكورية على الساحة الآن. هذا الأمر أدهشني شخصيًا، إذ كيف أستمع لفرقة غناء لا أملك دليلًا محسوسًا على تمكّن أحد أعضائها من الغناء في الواقع؟ فحتّى الظواهر الثقافية الغنائية تاريخيًا (Led Zeppelin، ACDC، مايكل جاكسون، بريتني سبيرز إلخ..) كانوا استعراضيين وثوريين، لكنهم كانوا موهوبين مع ذلك، وأصواتهم بحجم النجاح الذي وصلوا إليه وبقدر هوس معجبيهم بهم" على حد تعبيرها.

الأستاذة يسر الدريدي لـ"الترا تونس": لم أجد أيّ حفلة غنوا فيها بأصواتهم الحقيقية.. وحتى المقاطع الحقيقية التي لا تتعدى بعض الثواني تبرز ضحالة الإمكانيات الصوتية مقارنة بالأصوات الكورية على الساحة الآن

واقترح جلّ من أدلوا بشهادتهم في هذا الموضوع محاولة التعريف ببعض كلمات الأغاني التي تتناولها فرقة "بي تي آس BTS"، وقد حاولنا ترجمة مقطع من أغنية "magic shop" التي تقول: (أعلم أنك متردد - لأنه حتى لو أخبرتني الحقيقة، سوف تعود كالندبة - لن أقول أشياء طفولية مثل "كن قويًا" - سأصغي إليك فقط، اسمع - ماذا أخبرتك؟ - لقد أخبرتك أنك ستتغلب عليها - أنت لم تصدق (حقًا) - هل سنكون قادرين على التغلب عليها؟ هذه المعجزة - هل فعلناها؟ - (لا) كنت دائمًا هنا - أنت أتيت إليّ - أنا أؤمن بمجرتك - أريد أن أستمع إلى لحنك - النجوم في درب التبانة - كيف سيظهرون في سمائك؟).

بهذه الكلمات، وبكلمات أخرى "محفزة وملهمة" وفق تصريحات عديدة لـ"الترا تونس"، يمكن بيسر استنتاج الرسائل التي تحاول هذه الفرقة تقديمها، حتى من خلال الاطلاع فقط على أسماء الألبومات والأغاني، فنجد ترجماتها تفيد: "امض امض"، "حرب الهرمونات"، "التفرّد"، "أحب نفسك"، "الحب المزيف"، "القدوة" إلى غير ذلك من العبارات التي تخاطب المراهق بشكل مباشر.

 

 

وفي محاولة للتعمق في فهم ظاهرة الإعجاب هذه بالفرقة الكورية تحدث الباحث في علم النفس صدقي الشيخ لـ"الترا تونس" وقال: "بعد الثورة طُرحت مشكلة الهوية في تونس بشكل جديّ، وبين "إسلامي" و"علماني" و"يميني" و"يساري" إلخ.. لم يجد الشاب التونسي نفسه. والموقف من هذا الصراع الهووي كان الهرب، وهو ما دفع بعضهم إلى التعبير عن انتمائه إلى جمعية رياضية أو إلى جماعة متطرفة على سبيل المثال، فالدافع الأساسي إذن كان أزمة هويّة" على حد تعبيره.

وتابع الشيخ: "هؤلاء الشباب وأعمارهم بين 9 سنوات و25 سنة تقريبًا، خيّروا التعلّق بشيء يشبههم، وعند بحثهم وجدوا أنّ هذه الفرقة عميقة في طرحها للمواضيع، وأهدافهم تتماشى مع ما يطلبونه، فهي فرقة تهدف إلى كسر الصورة النمطية للمراهقين وإعطائهم المكانة التي يستحقونها، خاصة إذا علمنا أن كوريا الجنوبية دولة محافظة ولديها من العادات الأخلاقية ما يجعلها تكون أصعب من تونس حتى في بعض الأمور، وبالتالي سعت هذه الفرقة إلى تحرير المراهقين من العادات والتقاليد، وما ساعد على انتشارها في تونس، تراجع الرقابة الأبوية ورقابة الدولة والانفتاح المطلق الذي رافق ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة اليوتيوب".

الباحث في علم النفس صدقي الشيخ لـ"الترا تونس": للمراهقين طلبات لم يجدوها في تونس، إذ لم يجدوا فرقة موسيقية تونسية تمثّلهم وتعبّر عن احتياجاتهم

وأشار الشيخ إلى أنّ للمراهقين طلبات لم يجدوها في تونس، إذ لم يجدوا فرقة موسيقية تونسية تمثّلهم وتعبّر عن احتياجاتهم، كأن يسمعهم طرف ما ويفهمهم ويوفر لهم فرصة للتحرر، ولهذا توجهوا إلى فرق أخرى عالمية. "ولأن المراهق يسعى إلى الاندماج في مجموعة، ولا يريد أن يبقى وحيدًا، فقد توسّع هذا الإعجاب مع تقليد بعضهم البعض، بشكل جعل هذا التقليد يكون أعمى في بعض الأحيان. لكن من المنصف القول إنّ المواضيع التي تتناولها الفرقة هي مواضيع يطلبها المراهق فعليًا مثل الحاجة إلى الحرية وحب الذات وكسر القيود.. وهو ما خفّض الضغط على المراهق التونسي" وفق وصفه.

فرقة بي تي آس تؤدي أحد عروضها بالولايات المتحدة (Getty/ Kevin Winter)

وقد عبّر الأخصائي النفساني بأحد مراكز الرعاية الاجتماعية للأطفال نضال الرشيدي من جانبه عن رأيه في هذا الموضوع، فصرّح لـ"الترا تونس" بقوله: "هذا الإعجاب والذي يصل إلى الهوس أحيانًا وفق رأي البعض، أمر طبيعي جدًا وعادي، إذ لكلّ جيل نوعه المفضّل من الأغاني التي سيطرت عليه، ففي التسعينات نجد تأثر ذلك الجيل بثقافة الهيب هوب، ثم جاءت موجة الميتال والهارد روك، ثم عرفنا بعدها الراب.. لكن ربما ما ساهم في زيادة انتشار فرقة "بي تي آس BTS" ومن ورائها فن الكيبوب عمومًا هو سهولة الوصول إليها من قبل مراهق اليوم. وفي هذه السن، تنتاب المراهق نزعة إلى البحث عن قدوة، والقيام بعملية التقمص وتقليد هذه الشخصيات في سلوكاتهم، وقد وفّرت هذه الفرقة مثلًا الثقافة الجديدة التي تتماشى مع ما يطلبه هذا المراهق".

وبهذا نجد أن هذه الفرقة قد أحسنت اللعب حقًا، فبين خفة ورشاقة في الرقص يهتزّ لها الجسد، وإيقاعات حيويّة متسارعة تطرب لها الأذن، وملابس وإكسسوارات وديكور تبعث البهجة في البصر، تكون فرقة "بي تي آس BTS" قد حبكت كل خيوط الإعجاب الممكنة. وإذا ما أضيف إلى كل ذلك عزفها على أوتار المواضيع التي يطلبها المراهق فعلًا، نجد أنّ إغراءها أصعب من أن يقاومها شاب ما، في ظلّ غياب تنافس حقيقي يوفّر أكثر من خيار، ووسط بيئة محلية ترزح تحت وطأة العجز عن تقديم بدائل، أو عدم تثمين هذه البدائل إن وجدت.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المس بالمقدّسات عند المراهق.. خلل تربوي أم هويّة بصدد التشكّل؟

الـ"بيرسنغ".. ثقب ودم وتعبيرات مختلفة