12-نوفمبر-2018

ارتداء قلادة "السخاب" كانت تغني النساء عن التعطر (يسرى الشيخاوي/الترا تونس)

 قد تدفعك بعض الهدايا للنبش والتنقيب عن أصلها وطريقة خلقها، كأن يهديك صديق أصيل ولاية قفصة عقد "السخاب"، عقد يعبق برائحة المسك والعنبر، رائحة جداتنا في أيام خلت.

قبل أن ترى عيني الهدية، غمرت رائحة الطيب المنبعثة منها أنفي، رائحة ممتدّة من أقصى شمال البلاد إلى جنوبها، تعبق بتقاليد النساء في قلب الصحراء وعلى سفوح الجبال، رائحة لو اجتمعت كل معاجم العطور لما كانت قادرة على وصفها.

يتميز "السخاب" برائحته المتميزة من مزيج المسك والعنبر وهو منتشر بالخصوص في مناطق الجنوب التونسي

هي قلادة طويلة، تعبق برائحة الماضي بما يحمله من زخم، تشكّل من خرز على هيئة مثلثات منضودة في خيط بسيط، بعضها أسود وبعضها أحمر وبينهما عقيق.

القلادة المحمّلة بأريج الجنوب التونسي وأصالة نساء قفصة، كانت فاتحة للبحث عن طريقة صنع "السخاب التقليدي"، ولم يكن من الهين العثور على امرأة في العاصمة لا تزال تخلّد طريقة صنعه التقليدية، لتحدّثنا عنها. والسؤال والإلحاح في البحث عن سر رائحة "السخاب" التي لا تخبو ولا ينطفئ عبقها إلا بعد أشهر، قادنا إلى الخالة جمعة وهي امرأة أصيلة منطقة السند من ولاية قفصة، امرأة زينت الحياة وجهها بالتجاعيد.

اقرأ/ي أيضًا: البنية الساحلية والطريزة الذهبية: "إذا البنيّة دبات وحبات اسأل أمها آش خبّات"

الخالة جمعة لا تزال متشبثة بلباسها التقليدي، "الحولي" وهو نوع من القماش و"الحزام" تلفه المرأة حول وسطها و"الأخراص" وهي أقراط كبيرة الحجم و"المسايس" وهي أساور تزيّن اليد، وطبعًا عقد "السخاب".

وهي تحدّثنا عن "السخاب" كانت رائحته تضوع في المكان، مزيج من المسك والعنبر والأصالة، تقول الخالة جمعة إنّها كانت تصنع عقد "السخاب" لها ولكل نساء العائلة، إلا أن حرمها مرض ألم بعينيها من ذلك، وهي اليوم تشتريه من السوق.

تدني العقد من أنفها، وتستنشق رائحته لفترة من الزمن، ثم تردف قائلة: "رائحته طيبة، ولكن ذلك الذي أصنعه بيدي أطيب، وقد تعلّمت صنعه عن أمّي التي ورثته عن جدّتها، طريقة صنعه سهلة ولكن "النفس" يختلف من شخص إلى آخر".

[[{"fid":"102245","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":532,"width":400,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

يتميز "السخاب" برائحة المسك والعنبر (يسرى الشيخاوي/الترا تونس)

وعن سر الرائحة العطرة التي تنبعث من العقد لمدّة طويلة، تشير إلى أنّ المواد الطبيعية التي شكّل منها العقد تجعله قادرًا على الحفاظ على رائحته لمدة قد تتجاوز السنة وأنّه في حال خبت رائحته يمكن نقعه في زيت العنبر.

وهي تسترجع أيامًا خوالي جعل منها مرضها ذكريات، تقول الخالة جمعة إنّ رائحة "السخاب" لا تعادلها أية رائحة أخرى، إذ كانت تغني النساء عن التعطّر وتشي بحضورهن على بعد أمتار، فهو مصنوع من العنبر والمسك وماء الورد. مستعينة بأصابع يديها تواصل تعداد مكونات صنع العقد الفواح، وتشير أنه لتشكيل القلادة نحتاج أيضًا إلى المحلب والصندل وعود القرنقل وزيت العنبر والسمغ.

اقرأ/ي أيضًا: صناعة الأواني الخشبية: عادة قديمة وتجارة تزدهر في المواسم الكبرى

وفي حديثها لـ"الترا تونس" بشأن طريقة تشكيل الخرزات التي تكوّن العقد، تقول الخالة جمعة: "نطحن عود القرنفل والمسك والمحلب في مهراس ثمّ تتم غربلتهم بـ"غربال شعر" لكي يكون المسحوق شديد النعومة".

وهي تمسح بيدها على عينيها التين أعياهما المرض، تضيف "يخلط مسحوق المسك والمحلب وعود القرنفل مع مسحوق الصندل والعنبر وزيت العنبر والسمغ المنقوع في ماء الورد أو الماء، ثمّ يعجن الخليط ونتركه يجف بمدّة أسبوعين أو حتّى أزيد".

الخالة جمعة (صانعة السخاب):  تعلّمت صنع "السخاب" عن أمّي التي ورثته عن جدّتها وطريقة صنعه سهلة ولكن "النفس" يختلف من شخص إلى آخر

وبعد انقضاء فترة تجفيف العجينة، تشكّل المرأة كريات أو مثلثات مستعينة بزيت العنبر كي تصبح العجينة طيعة، ثم تثقب الخرزات المصنوعة من العنبر بإبرة او مسمار ثم تضمها إلى بعضها البعض باستعمال خيط رفيع وإبرة، وفق ما تنقله لنا الخالة جمعة.

ويمكن أن يضاف إلى قلادة السخاب مكونات أخرى على غرار العقيق أو المرجان أو الذهب والفضة، وهي قلادة النساء المفضلة في عمق تونس من صحراء وجبال، تفضلها النساء لخرزاتها العطرية التي تزيدهنّ أنوثة. وأمّا "السخاب" الخاص بالعروس يصنع من مكوّنات" العلاقة" التي يحضرها أهل العريس، كما حدّثتنا صانعة "السخاب".

كان الحديث مع الخالة جمعة كفيلًا بأن يكشف عن سر الرائحة الفواحة التي تنبعث من القلادة التي أهداني إياها صديقي، ودليلًا آخر على تشبثنا بتراثنا سواء الحلي أو اللباس التقليدي، وفرصة لمعرفة امرأة ترفض التقاط الصور بعد وفاة زوجها. فكما يعبق عقد "السخاب" برائحة الماضي تعبق كلمات الخالة جمعة برائحة الوفاء.

و"السخاب" الذي قالت صانعته ومرتديته إنّه كان عنصرًا أساسيا في زينة المرأة عمومًا والعروس خصوصًا دخل هو الآخر بيت التجديد، وصار بألوان وأشكال مختلفة تلبّي تطلّعات مواكبي الموضة.

[[{"fid":"102244","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":533,"width":300,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

قلادة من الذهب والسخاب

اقرأ/ي أيضًا:

عن حلم الصبا الذي يراودني في كل رأس سنة هجرية.. بهجة عروس السكر وثراء مثرد أبي

بائعو الورد: نبيع الورد ولكن لا نهديه إلى زوجاتنا!