16-مايو-2019

يستمر ارتفاع استهلاك المخدرات في شهر رمضان مقابل تراجع استهلاك الخمور (Getty)

 

يتداول مستهلكو الخمر في تونس، منذ شهر شعبان، مصطلح "شعبنت" وهي لازمة تتكرّر مع  اقتراب موعد الصيام حيث ينقطع هؤلاء عن استهلاك المشروبات الكحوليّة مستندين لقول إنّ الكحول تظلّ في الجسم لمدّة أربعين يومًا وهذا ما يمكن أن يبطل صيامهم.

ومع انطلاق شهر رمضان، يجد البعض منهم نفسه بحاجة لتعويض إدمانه الخمور بأنواع أخرى من المخدّرات ومنها مادّة القنب الهندي "الزطلة" لذلك ينضمّون لعشّاق"الكيف" على امتداد هذا الشهر في انتظار عودة الحانات لنشاطها.

"ألترا تونس" يفتح ملفّ استهلاك الزطلة في شهر رمضان راصدًا واقع بعض المدمنين وسلوكيّاتهم خلال هذا الشهر المعظّم.

تناقض بين القناعات الدينيّة والممارسات اليوميّة

محمد، شاب ثلاثيني يستهلك مادّة الزطلة منذ 2006، يحدثنا عن تجربته مع هذه المادّة قائلًا: "يزداد استهلاكي للزطلة في شهر رمضان بسبب التعب الذي ينتابني خلال يومي لذلك فأنا لا أصوم دائمًا". ويبيّن محمّد أنّه إذا كان صائمًا فإنّه يدخّن سيجارة محشوّة وقت السحور ويمضي بقيّة يومه نائمًا ليستيقظ قبيل صلاة المغرب بساعات وفي بعض الأحيان يستفيق مع موعد الآذان مكتفيًا بشربة ماء أو بضع تمرات لينطلق مباشرة لتدخين سجائره.

محمد (مستهلك للزطلة): يزداد استهلاكي للزطلة في شهر رمضان بسبب التعب الذي ينتابني خلال يومي لذلك فأنا لا أصوم دائمًا

اقرأ/ي أيضًا: إدمان الحقن.. أخطر أنواع إدمان المخدرات

وعن معدّل استهلاكه، يقول محمّد إن المسألة مرتبطة بأسعار "الجونطة" التي تختلف حسب النوعيّة أو المكان الذي يشتري منه أو مدى توفّر هذه المادّة. ويؤكّد أنّ الطلب يكثر في شهر رمضان لذلك ترتفع الأسعار ووفق ذلك يتعامل أغلب الباعة مع "زبائنهم"، مضيفًا :"أنا عندي منين نسلك وإذا لم أجد ضالتي فإنّي أبحث في أماكن أخرى."

ويختم محدّثنا القول إن الزطلة تجعله يسترخي وتنسيه العالم ورغم معرفته بأنّها محرّمة فإنّه لا يستطيع الاستغناء عنها وأنّ اللّه هو الذي سيسامحه أو يعاقبه.

الغريب في سلوك الشاب التونسي أنّ هناك تناقضًا بين قناعاته الدينيّة وممارساته اليوميّة فمثلًا منتصر (28 سنة) مدمن للخمر يقرّ بأنّ الكحول حرام في المقابل يعتبر استهلاك الزطلة حلالًا لأّنه لم يرد أي نصّ شرعيّ يقضي بتحريمها على حدّ تعبيره.

منتصر (28 سنة): منذ دخول شهر رمضان أكون مضطرًا لاستهلاك الزطلة لأن تجار المشروبات الكحوليّة خلسة يتوبون في هذا الشهر 

دخلنا عالم منتصر، شابّ يشرب الخمر منذ سنّ السابعة عشرة أمضى أغلب سنوات حياته مفطرًا في شهر رمضان لكنه قرّر منذ ثلاث سنوات أن يلتزم بالصيام. ولتعويض مفعول الخمر، يقول منتصر لـ"ألترا تونس": "منذ دخول هذا الشهر أكون مضطرًا لاستهلاك الزطلة لأنني عادة ما أشتري حاجتي من المشروبات الكحوليّة من تجّار الخمر خلسة وهؤلاء يتوبون في شهر رمضان وينقطعون عن البيع ولا يمكن الحصول على الكحول إلّا في المناطق السياحيّة لكنّها باهضة الثمن لذلك تعتبر الزطلة مربحة بالنسبة لي فأدخّنها".

وعن الفرق بين مفعول المادّتين، يقول محدّثنا إن "الحشيش" لا يعوّض الكحول الذي يسري في الدم ولكنّه يستهلكه مضطرًا وهو غالبًا ما يجعله ينام لساعات طويلة لأنّه يهدّئ الأعصاب على حدّ قوله. ويشرح لنا الأمر قائلًا :"من تعوّد استهلاك الزطلة مع الكحول لا تؤثّر عليه بقدر ما تؤّثّر على من هم مثلي حيث أحسّ أنّي "مخرتل" أعيش في عالم آخر بعيدًا عن من هم حولي". "ربّي يتوب علينا" هكذا ختم منتصر حديثه واصفًا نفسه من "المسلمين العاصين".

تجارة الزطلة تزدهر في رمضان

تزدهر سوق الزطلة في شهر رمضان خاصّة مع غلق الحانات ومحلات بيع الخمور، ويعتبر الوصول لتجّار هذه المادّة صعبًا بل مستحيلًا في بعض الأحيان فهم يتخفّون ويتجنّبون الحديث عن الأمر مع الغرباء خوفًا من التورّط.

عصام (اسم مستعار)، "لحّام" (بائع "زطلة" بأحد الأحياء الشعبيّة)، أفاد "ألترا تونس" ببعض المعطيات، مؤكدًا أنّ الإقبال على هذه المادّة يزداد في شهر رمضان وخاصّة من قبل المراهقين. وتزداد أيضًا الكميّة المستهلكة فالذي كان متعوّدًا بـ"جونطة" يشتري اثنين أو "صبع" وهناك من يشتري كميّة أسبوع كامل وكلّ هذا مرتبط بما يملك "الزبون" من مال، وفقه.

عصام (اسم مستعار لبائع مخدرات): يزداد الإقبال على "الزطلة" في شهر رمضان ويقّل التضييق الأمني لوجود حركية كبيرة ليلًا

وعن استهلاك الإناث لهذه المادّة، يؤكّد عصام أنّ هناك الكثيرات ممن يستهلكن لكنهنّ لا يشترينها مباشرة بل يرسلن صديقًا أو جارًا بسبب البيئة الشعبية. ويضيف أنّ المسالة تختلف في المناطق الراقية التي يوجد فيها فتيات تستهلك وتبيع في نفس الوقت، ويؤكد محدثنا، في علاقة بطرق تزوّده بالقنب الهنديّ، أنّ المنتجات تصله عن طريق وسيط متحفظًا عن إعطائنا مزيدًا من التفاصيل.

اقرأ/ي أيضًا: "أنا أسكر.. إذًا أنا موجود": من الدوام إلى الحانة

أمّا عن التضييق الأمني، يؤكّد عصام أنّه يقلّ في شهر رمضان نظرًا لوجود حركيّة كبيرة ليلًا وهذا ما يبعد عنه الشبهات وفق قوله، لكن يختلف الأمر مع الباعة الذين وقع رصدهم من قبل الأمنيين فهم محطّ أنظار الجميع وفي هذه الحالة يضطرّون لتغيير "بياستهم" أو مكان بيعهم. ويضيف محدثنا قائلًا:" أغلب الذين أتعامل معهم أعرفهم معرفة شخصيّة وإذا جاءني غريب يجب أن يكون عن طريق وساطة أثق بها".

ويختم حديثه بأنّه إذا وقع القبض على أحد الباعة فهو يضطرّ للتعامل مع بعض الأمنيين ويرشوهم ليستطيع الخلاص من الأمر. ويضيف :"لست مضطرًا لتأمين مكانك فأنت "مطبوع" يستطيع الأمن القبض عليك في أيّ وقت إلّا أنّ البعض منهم يغضّ النظر عنك وأحيانا أخرى يفتكّ كلّ ما تملك من سلعة لـ"شيختو" ويتركك تمضي في حال سبيلك".

رمضان فرصة للإقلاع عن المخدّرات

تفسّر الإخصائيّة في الإدمان خولة البلدي لـ"ألترا تونس" هذا السلوك فتقول إنّ الإدمان هو عندما يصبح المنتج المستهلك جزءًا من التوازن النفسي للشخص ويبدأ في استعماله بشكل متكرر وعندما لا يكون موجودًا، يخلق له مشاكل جسديّة على حدّ تعبيرها.

وتقول محدّثتنا إنّ هناك نوعان من الإدمان: نفسيّ وبدنيّ. وعن الإدمان النفسيّ، تقول إنّ استعمال المخدّر بالنسبة للبعض يعدّ متعة حقيقية مرتبطة بلحظات الحياة السعيدة، وبالنسبة للبعض الآخر يساعد المخدّر في التغلب على الصعوبات في الحياة اليومية كالعمل أو الأسرة.

وتؤكّد خولة البلدي أن عمليّة الإدمان تتضمّن جوانب أساسيّة منها البحث عن المخدر والبحث عن مكان للاستعمال و حضور أصدقاء للمشاركة. ويعدّ هذا السلوك رابطًا أساسيًا بين المخدر والشخص المدمن و ذلك لما يضفيه من أهمية حول عملية الإدمان بجميع مراحلها من رحلة البحث للاستهلاك، لذلك فإنّ كلّ ما يدور حول الوصول إلى المنتج ولحظة الاستمتاع به هو مهم في الجانب النفسي على حدّ تعبيرها.

خولة البلدي (إخصائية في الإدمان): رمضان هو فرصة مثالية للإقلاع التدريجي والناجح عن المخدر ولكن توجد مخدرات تخلّف عوارض متعبة جدًا أثناء الإقلاع عنها وهو ما قد يحول دون ذلك

أمّا عن الإدمان البدني، تقول الإخصائيّة إنّ لكل مخدر مادة كيميائية مسؤولة على الإدمان من الجانب البدني والفيزيولوجي مثال النيكوتين الموجود في دخان التبغ الذي يعتبر المادة الكيميائية المسؤولة عن هذا الإدمان. وتؤكّد قائلة: "هذه المادة مسؤولة عن الآثار المتعبة عند التوقف عن استعمالها مثل تقلب المزاج، والتهيج، والعصبية، والقلق، والأرق، وصعوبة التركيز، وفقدان الذاكرة، والصداع، ومشاعر الجوع وغيرها الكثير".

وتضيف البلدي أنّ المدمن يواجه رغبة لا تقاوم تدفعه إلى أخذ المخدر حتى رغم عدم إرادته ويصبح الاستعمال ضروريًا لتجنب هذه العوارض، وهذا ما يحدث في شهر رمضان حيث يخشى المدمنون من قدومه لإدراكهم للجهد الكبير الذي سيضطرّون لتوفيره بحرمان أنفسهم من المادة المخدرة طوال اليوم على حدّ قولها.

وتؤكّد البلدي أنّ رمضان هو فرصة مثالية للإقلاع التدريجي والناجح عن المخدر ولكن هنالك مخدرات تخلّف عوارض متعبة جدًا أثناء الإقلاع عنها و هو ما يحول دون ذلك. وتضيف محدّثتنا قائلة:" المخدرات أنواع و لكل نوع عوارض متفاوتة القوة والخطورة لذلك هناك من يحاول تعويض مخدر بآخر أقوى قصد التخلّص من العوارض وإطالة وقت فاعلية المخدر". وتختم حديثها قائلة إنّ هذه الطرق ناتجة عن خوف من العوارض وعن تعب ناتج عن إيقاف الاستعمال وعن حالة القلق والحرمان النفسي والبدني من المخدر ولكن هذه الطرق غير نافعة بل لها مخاطر أخرى و يمكن للمدمن أن يجد نفسه في حالة إدمان لمنتج آخر وفق تأكيدها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جدل "تحرير" القنب الهندي يتجدّد في تونس

النبيذ التونسي.. رسالة "ماغون" إلى العالم