14-مايو-2020

رئيس الحكومة مكبّل تقريبًا بين توجهات مختلفة لمؤسستي باردو وقرطاج وأمام ائتلاف حكومي لا يحمل من الائتلاف إلا اسمه

 

كثر الحديث عن إسقاط حكومة الفخفاخ في تونس مؤخرًا رغم أنها انطلقت في أشغالها منذ حوالي 3 أشهر فقط. كانت الأنظار تتجه منذ بداية هذا الشهر لهيئة غير واضحة المكوّنات سمت نفسها "هيئة الإنقاذ الوطني"، حددت في وثيقة انتشرت على منصات التواصل عددًا من المطالب من بينها إسقاط الحكومة، وبقيت هذه المطالب مجرد نداءات محدودة الصدى إذ لم يلحظ لها أي أثر على أرض الواقع. لكن يبدو أن ما يهدد حكومة الفخفاخ فعلاً قد لا يكون طرفًا خارجيًا عنها.

كانت حركة النهضة قد دعت منذ جانفي/ يناير الماضي وإثر حجب الثقة عن حكومة الحبيب الجملي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لكن مقترحها حينها لم يحظ بدعم كاف من الأحزاب التي انخرطت في مشاورات تشكيل الحكومة ولم يدعمه خاصة إلياس الفخفاخ، الاسم الذي اختاره رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة الجديدة وترؤسها حينها. 

كان توجه الفخفاخ واضحًا منذ البداية ألا وهو تنصيب حزبي قلب تونس وائتلاف الكرامة في المعارضة. اختار الرجل معارضته مبكرًا وقضى الفترة المخصصة لمشاوراته في التفاوض مع أحزاب بعينها أبرزها النهضة، التيار الديمقراطي، حركة الشعب وحزب تحيا تونس. 

كان سيناريو إجراء تعديل على تركيبة حكومة الفخفاخ بعد حوالي 6 أشهر من انطلاق أشغالها قائمًا منذ البداية على أن يقضي التعديل بتوسيع الائتلاف عبر إشراك حزب قلب تونس

كان هذا التوجه أحد أسوأ السيناريوهات بالنسبة للنهضة وذهبت فيه اضطرارًا لا اختيارًا لأن عدم منحها الثقة في البرلمان لحكومة الفخفاخ يعني غالباً التوجه نحو إعادة الانتخابات التشريعية وهو السيناريو الذي لم يكن مرعبًا للنهضة فقط بل لمختلف الأحزاب وإن صرحت قياداتها بغير ذلك، نظرًا لضبابية المشهد السياسي حينها وصعوبة تقدير توجهات التصويت شعبيًا. وقد أنهكت الانتخابات الأخيرة معظم الأحزاب وهي الانتخابات التي تغيّر توقيتها وترتيبها في علاقة بالرئاسية وتأثرت بمتغيرات الأخيرة كثيرًا وببساطة بُعثرت فيها الأوراق كما لم يتوقع أحد مع بداية العام 2019.

هكذا إذاً اضطرارًا قبلت النهضة بحكومة الفخفاخ وشاركت فيها لكن المتابعين للمشهد السياسي عن كثب كانوا على اطلاع بسيناريو يُروج له البعض داخل النهضة وخارجها، حتى قبل بدء حكومة الفخفاخ أعمالها، وهو إجراء تعديل على تركيبتها بعد حوالي 6 أشهر منذ انطلاق أشغالها، وأن يقضي التحوير خاصة بتوسيع الائتلاف عبر إشراك حزب قلب تونس.

لقاءات جمعت منذ فترة شيخ النهضة راشد الغنوشي برئيس الحزب الوليد قلب تونس نبيل القروي، وقد كانت كتلة الحزب حينها الثانية من حيث الحجم في البرلمان بـ38 نائبًا بعد كتلة النهضة بـ54 نائبًا، وذلك لترتيب مرور قلب تونس بيسر إلى الحكم، ثم كان "فيروس كورونا" والذي جذب أنظار الجميع نحوه شعبًا وحكومة وأحزابًا وبدت الفترة الممتدة من أواخر فيفري/ شباط إلى نهاية أفريل/ نيسان أشبه بالهدنة سياسيًا وإن لم تخل من شد وجذب.

قرر "شهر ماي/ آيار" أن يكون ساخنًا منذ بداياته، هكذا رأى الفاعلون في المشهد السياسي التونسي، خاصة مع تحسن لافت في الوضع الصحي في تونس، التي لم تعد تسجل منذ بداية الشهر تقريبًا إصابات جديدة بفيروس كورونا وارتفع في المقابل عدد المتعافين. 

لم يكن الخلاف بين المكونات الحزبية للائتلاف الحكومي مجهولاً للعموم لكن المنتظر كان إدارته داخل الائتلاف لا من خلال التصريحات الإعلامية المتوترة والاتهامات 

بسرعة لافتة، انطلقت مشاحنات حادة جدًا بين مكونات الائتلاف الحكومي الحالي وأساسًا بين أحزاب النهضة من جانب وحركة الشعب والتيار الديمقراطي من جانب ثان. لم يكن الخلاف بين هذه المكونات الحزبية مجهولاً للعموم لكن المنتظر كان إدارته داخل الائتلاف لا من خلال التصريحات الإعلامية المتوترة والاتهامات المتبادلة، خاصة في وضع صعب تعيشه البلاد إذ يُنتظر أن يكون لانتشار الجائحة انعكاسات حادة اقتصاديًا واجتماعيًا في تونس.

خلف كل هذا كانت عودة سيناريو حكومة الوحدة الوطنية إلى الواجهة، جديًا أو في إطار المناورة، وهو ما عبر عنه علانية عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة خليل البرعومي، يوم الاثنين الماضي، بالقول إن الحركة مصرّة اليوم وأكثر من أي وقت مضى على حكومة وحدة وطنية، مفسرًا أن ذلك يهدف لتوسيع الحكومة وإعطائها مزيدًا من الدفع للتصدي لتداعيات أزمة فيروس كورونا.

لا سر في هذا السيناريو إذ سبق أن حاول الغنوشي جذب الفخفاخ نحوه في مناسبات عدة، والحجة الأبرز مؤخرًا هي وجود صعوبة في تمرير بعض مشاريع القوانين داخل البرلمان وأن بعض القوانين تمّ تمريرها بصعوبة بفضل تصويت من نواب أحزاب المعارضة، بعد رفض نواب من أحزاب من الائتلاف الحاكم التصويت لصالحها، معتبرًا أنها مسألة غير منطقية ولا يجب أن تتواصل كما أنها مكبّلة للحكومة لإنجاز المطلوب منها في المرحلة القادمة.

حاول الغنوشي جذب الفخفاخ نحو توسيع الحكومة في مناسبات عدة، والحجة الأبرز هي وجود صعوبة في تمرير بعض مشاريع القوانين داخل البرلمان

يؤكد مقربون من حزب قلب تونس أن هذا الأخير يدعم هذا السيناريو، وإن أعلن الأربعاء الماضي في بلاغ أنه غير معني بالانضمام لـ"حكومة وحدة وطنيّة مزعومة، حكومة تناقضات ومحاصصة حزبيّة" كما أطلق عليها، لكن عناصر عدة تؤكد غير ذلك إذ تقريبًا يبقى هذا السيناريو الأفضل لقلب تونس والذي يمكنه من جديد من لعب دور في الساحة السياسية، رغم ما عرفته كتلة الحزب في البرلمان من انسحابات عديدة أثرت على تركيبتها وحجمها، الذي تراجع إلى المرتبة الثالثة بين الكتل النيابية بـ27 نائبًا. وكان رئيس الكتلة أسامة الخليفي قد أعلن الاثنين الماضي عن استعداد حزبه للمشاركة في حكومة إنقاذ أو حكومة وحدة وطنية، مؤكدًا أن التحالف الحكومي الحالي ضعيف ومركزًا على الأزمة الحاصلة داخله وتبادل الاتهامات بين مختلف أطرافه. 

لكن بقدر رغبة المذكورين أعلاه في تحقيق هذا التوجه، أطراف أخرى ممثلة أساساً في حزب التيار الديمقراطي ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ ترفضه وهو ما يوضح محاولات رأب الصدع داخل الائتلاف الحكومي التي تقودها الأطراف الأخيرة. ومن ذلك اللقاء غير المعلن الذي جمع الاثنين الماضي رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بالقيادي بالتيار الديمقراطي ووزير أملاك الدولة غازي الشواشي. وقيل إن اللقاء كان بطلب من الشواشي وتناول أساسًا مسألة التضامن الحكومي وحكومة الوحدة الوطنية وتوسيع قاعدة الحكم وكان الهدف منه تجاوز الإشكاليات بين مكونات الائتلاف الحاكم وغياب التنسيق والانسجام.

محاولات لرأب الصدع داخل الائتلاف الحكومي تقودها أطراف داخل الائتلاف من بينها حزب التيار الديمقراطي 

نلاحظ أيضًا محاولة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ التقليل من حجم المشاكل داخل الائتلاف الحكومي، خلال حواره الثلاثاء الماضي مع قناة فرانس 24، الذي قال فيه إن توصيف حكومة الوحدة الوطنية ينطبق على حكومته بامتياز لأن كل العائلات الفكرية ممثلة فيها، وفق تقديره، مؤكدًا أن الائتلاف الحالي قادر على أن يكون أقوى.

في هذا السياق، يندرج أيضًا اللقاء الذي جمع بين الرؤساء الثلاثة قيس سعيّد وراشد الغنوشي وإلياس الفخفاخ ليلة أمس الأربعاء بقصر قرطاج حول مائدة الإفطار الذي تؤكد مصادر خاصة أنه جاء للملمة الخلافات والحد من رواجها إعلاميًا ومعالجتها داخل الائتلاف الحاكم.

من جانب آخر، هناك طرف مهم في المعادلة ولا تبدو رؤيته لمستقبل البلاد واضحة جدًا على الأقل آليات التحقيق إلا أن الثابت الوحيد هو معارضته المتواصلة لمؤسسة مجلس النواب وطريقة عملها وعلاقته المتوترة بحركة النهضة، يتعلق الأمر برئيس الجمهورية قيس سعيّد. وهنا يكون الفخفاخ أما وضعية لا يحسد عليها، هذا إضافة إلى كواليس القصبة ومن يدفعه نحو سيناريو مشابه لما قام به الشاهد سابقًا من تكوين حزب سياسي مدعوم بكتلة موسعة داخل البرلمان.

رئيس الحكومة مكبّل تقريبًا بين توجهات مختلفة لمؤسستي باردو وقرطاج وخلف كل مؤسسة أحزاب مختلفة ومكبّل أمام ائتلاف حكومي لا يحمل من الائتلاف إلا اسمه

رئيس الحكومة مكبّل تقريبًا بين توجهات مختلفة لمؤسستي باردو وقرطاج وخلف كل مؤسسة أحزاب مختلفة. الاقتصار على لملمة الخلافات وإرضاء الجميع ولو جزئيًا قد يكون مقبولاً خلال فترة الجائحة لكن مع تحسن الأوضاع صحيًا في تونس وضرورة مرورها لمعالجة وضعها الاقتصادي والاجتماعي يحتاج الفخفاخ لتحديد خيارات والاشتغال عليها والمرور إلى الملفات الحارقة وهنا لا تبدو الأمور هيّنة خاصة مع ائتلاف حكومي لا يحمل من الائتلاف إلا اسمه. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا وراء الدعوات لحل البرلمان وإسقاط الحكومة في تونس؟

تونس وضرورات سياسة اجتماعية من "خارج الصندوق"

الحجر الصحّي من منظور الانقسام الاجتماعي في تونس