17-ديسمبر-2018

استطاعت الجماعة الإرهابية تنفيذ العملية والعودة لقواعدها في الجبال (حاتم الصالحي/وكالة الأناضول)

مساء الرابع عشر من ديسمبر/كانون الأول 2018، نزلت مجموعة إرهابية قوامها 12 فردًا من الجبال المتاخمة لدوار الخرايفية، وهي منطقة تتبع معتمدية سبيبة من ولاية القصرين، وقسموا الأدوار بينهم إذ توجه 4 منهم نحو منزل بجبل المغيلة ليحتجزوا إحدى العائلات ويستولوا على سيارة من نوع "ديماكس"، ثم  توجهوا على متن السيارة المسروقة نحو فرع بنكي بمدينة سبيبة ليقتحمه 4 منهم، فيما تولى العنصر الخامس تأمين الحراسة بالمكان، وقد قاموا بترويع موظفي الفرع وهشموا كاميرات المراقبة واستولوا على مبلغ قدره 320 ألف دينار من العملات التونسية والأجنبية.

قامت مجموعة إرهابية بتصفية الشهيد خالد الغزلاني شقيق الشهيد سعيد الغزلاني بعد قيامها بسرقة مبلغ مالي من فرع بنكي في سبيبة في ولاية القصرين

لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل توجهت المجموعة إثر عملية السطو نحو منزل الشهيد سعيد الغزلاني بدوار الخرايفية من منطقة "الثماد" المحاذية لجبل المغيلة لتصفية أخيه خالد الغزلاني رميًا بالرصاص. تواصلت هذه العملية برمتها لمدة 40 دقيقة دون حضور أمني يذكر، قام الإرهابيون طيلة هذه المدة بتنفيذ عمليتين كانت أقساهما حين خسرت تونس رجلًا تحدى الإرهاب على الهواء مباشرة وأعلن وقوفه إلى جانب دولته التي فشلت في حمايته.

وليست هذه العملية الأولى التي تتمكن فيها المجموعات الإرهابية المتحصنة بجبال القصرين من السطو على بنك، ففي 1 أوت/أغسطس الماضي وحسب مصادر أمنية، تمكنت مجموعة إرهابية تتكون من 4 أشخاص مكشوفي الوجه من السطو على فرع بنكي يقع في مفترق حي النور وسط مدينة القصرين باستعمال كلاشنكوف. وقد قدر المبلغ المسروق حسب بيان للبنك بـ90 ألف دينار.

اقرأ/ي أيضًا: اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب تجمّد أموال 23 شخصًا.. تعرف عليهم

يصف عصام الدردوري، رئيس المنظمة التونسية للأمن والمواطن، العملية الأخيرة بالاستعراضية قائلًا لـ"الترا تونس": "هذه العملية الأخيرة هي عملية إستعراضية بامتياز هي بمثابة رد فعل على حجم الخسائر التي ألحقتها العمليات العسكرية ببنية التنظيمات الإرهابية، ودليل على أن مواردها بدأت تنضب. لكن في المقابل يمكن أن نقرأ من العملية أن الخلايا الإرهابية لازالت تمتلك عيون رصد، فأن تسطو على فرع فيه مبلغ بذلك الحجم دليل على أن هذه المجموعات تتحرك بناء على معطيات دقيقة مصدرها خلايا دعم وإسناد".

تدخل عمليتا السرقة اللتان قامت بهما الجماعات الإرهابية في إطار ما يعرف بالاحتطاب، وتحاول السردية الإرهابية دائماً النبش في نصوص التراث لإيجاد أسانيد وحجج تضفي بها المشروعية على ممارساتها من قتل وتعذيب واتجار بالبشر، وحتى السرقة التي يبررونها بمفهوم الاحتطاب.

وقد أفرد القيادي البارز في تنظيم القاعدة وأحد مؤسسي تنظيم النصرة في سوريا، أبو مصعب السوري (المعروف أيضًا بمصطفى ست مريم ناصر وعمر عبد الحكيم) في كتابه "دعوة المقاومة الإسلامية" فصلاً كاملاً حول مسألة الاحتطاب. ويقول في هذا السياق: "لو نظرنا في غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه لوجدنا قسماً كبيراً منها قد رصد لتحصيل الموارد. ويكفي أن درة تلك الغزوات وطليعتها بدر... كانت أساساً لترصد عن قريش ليستعيد المؤمنون عوضاً عما كان قد سلبه الكفار منهم".

أحمد نظيف (مختص في الجماعات الإسلامية): الاحتطاب في الحالة التونسية يكشف عن مشاكل مالية تمر بها الجماعات المسلحة

اقرأ/ي أيضًا: خطط مكافحة الإرهاب في تونس.. الجدل متواصل

يفيدنا أحمد نظيف، وهو مختص في الجماعات الإسلامية، أن الاحتطاب في الحالة التونسية يكشف عن مشاكل مالية تمر بها الجماعات المسلحة، ويشير إلى أن هذه الجماعات كانت تعتمد منذ 2012 على مصادر أموال وتسليح خارجية (خاصة من ليبيا)، لكن ومع مرور الوقت تم قطع أغلب خطوط التواصل بينها وبين مصادرها الخارجية، ما يعني وجود انكفاء على النفس داخل المنطقة الجبلية.

ويضيف في حديثه لـ"الترا تونس": "لكن الثغرة تبقى في إمكانية وجود خلايا الإسناد في المدينة. ويوحي شكل العملية الأخيرة بقوة هذه الجماعات وضعف الدولة، فهي العملية الثانية التي تتم في وضح النهار وبطريقة استعراضية على الشاكلة الموصولية".

وتُعتبر عملية السطو على البنك المركزي العراقي في مدينة الموصل أكبر عملية احتطاب في التاريخ، إذ قدّر البنك في تقرير بعنوان "تقرير توثيقي عن فروع المصارف التي سيطر عليها داعش" أن إجمالي المبالغ التي استولى عليها التنظيم الإرهابي تقدر بنحو 856 مليار دينار وقرابة 101 مليون دولار. وقد تمكن التنظيم الإرهابي من نقل جميع هذه الأموال واستعمالها بعد ذلك في عمليات شراء السلاح والتجنيد. وكانت عملية السطو تلك محفوفة بعديد التفاصيل أهمها الانهيار السريع للجيش العراقي.

أحمد نظيف (مختص في الجماعات الإسلامية): الجهاز الأمني في تونس يعاني من غياب أهم عامل لنجاح عمل أي فريق أمني وهو "وحدة القيادة والسيطرة"

ويظل السؤال في تونس، كيف تمكن الإرهابيون من التجول لـ 40 دقيقة وسط مدينة سبيبة؟ يعتقد أحمد نظيف أن الحاصل يؤكد أن الجهاز الأمني في تونس يعاني من غياب أهم عامل لنجاح عمل أي فريق أمني وهو وحدة القيادة والسيطرة، وأن الأجهزة الأمنية أصبحت نهباً لمراكز قوى متنوعة.

ويضيف لـ"الترا تونس" قائلًا: "الاختراقات في الوزارة وفي الجهاز تتم طولاً وعرضاً وعمقاً، وهي غير مسبوقة مع وجود أقلية مهنية في الأجهزة لكنها لا تملك قوة. فالوزارة مفرقة الولاء بين أجنحة السلطة، وقد كرس صراع أجنحة السلطة منذ أكثر من سنة هذه التفرقة. تونس بلد تأسس على قوة وزارة الداخلية كمركز للسلطة منذ الستينات، وأي عبث بالوزارة والأجهزة أو إضعاف نفوذ لها أو حتى إصلاحها بشكل عشوائي سيكون كارثياً".

تفصيل آخر تكشفه العملية الأخيرة وهو انتقال الجماعات الإرهابية من استهداف أعوان الأمن والجيش إلى استهداف عائلاتهم، ويؤكد الدردوري، في هذا الجانب، أن هذا التحدي الصارخ للدولة يجب أن يواجه بالصرامة: "لا بد من تحديد المسؤوليات بشكل صارم. عملية استعراض تدوم 40 دقيقة ولم يتم تسجيل حتى تبادل إطلاق نار. هو أمر يستدعي اتخاذ الإجراءات التأديبية، ومراجعة الانتشار الأمني مع تغيير الخطة وحتى مراجعة التعيينات".

لكن بعيدًا عن الاحتطاب الذي قامت به المجموعات الإرهابية، تعتبر حادثة استشهاد خالد الغزلاني أهم بكثير خاصة بعد أن أكد مرارًا وتكرارًا أنه مستهدف. هو أب لثماني أطفال أحدهم ضرير يقتل في بيته وأمام أعينه عائلته، فهل ستتحمل الدولة مسؤوليتها في عدم حماية الرجل؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

المقاتلون التونسيون مع النظام السوري.. إرهاب آخر!

في شارع بورقيبة.. تحدي الإرهاب بالرقص