عقود منذ الإعلان عنه ولا يزال معتمدًا للآن، واليوم قررت منظمات تونسية الاحتفال بماضيه والتعريف به أكثر. هو الأعرق عربيًا أيضًا ومن هناك اكتسب صيتًا لا بأس به، لكن كثر حول العالم، لا يزالون يخلطون بينه وبين العلم التركي، وهو ما يثير عادة استياء التونسيين. يتعلق حديثنا بالعلم التونسي، الذي أقره الباي الحسيني حسين باي الثاني في 20 تشرين الأول/ أكتوبر سنة 1827 وبدأ اعتماده رسميًا سنة 1831.
في عام 1827، قرر حسين باي الثاني، اعتماد علم جديد يميز تونس ليستخدمه الأسطول التونسي البحري، وهو يعتبر أعرق الأعلام العربية
- أصول العلم التونسي
في عام 1827، وبعد انهزام العثمانيين، من خلال تدمير شعبة البحرية التونسية، خلال معركة نافارين، قرر حسين باي الثاني، وهو ثامن الحكام في عهد الحسينيين، اعتماد علم جديد يميز تونس عن باقي الولايات العثمانية ليستخدمه الأسطول التونسي البحري.
جاء العلم مشابهًا للعلم العثماني وهيمن عليه اللون الأحمر، وهو ما كان مهيمنًا حينها في أعلام عدد من الدول الإسلامية على الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط. واختلف العلمان فألوان الهلال والنجمة معكوسة مع دائرة بيضاء في العلم التونسي ومع اختلاف موقع الشعارين. في العلم التركي الشعاران موضوعان بجانب بعضهما في حين، تحيط النجمة بالهلال في قرص أبيض وسط العلم التونسي.
والعلم التونسي أحمر تتوسطه دائرة بيضاء بها نجم ذو خمسة أشعة يحيط به هلال أحمر، وهما رمزان إسلاميان. والهلال والنجمة رمزان يحضران في الهندسة المعمارية التونسية القديمة والفن والمجوهرات في تونس.
- العلم التونسي صامد رغم المتغيرات
خلال الاحتلال الفرنسي لتونس، لم تحدث تغييرات في العلم التونسي، رغم ذكر بعض المصادر، إدراج علم فرنسا بشكل مصغر في الزاوية العليا اليسرى من العلم التونسي، لكن ذلك لم يكن رسميًا وحوله اختلاف.
وحتى خلال مقترح الاتحاد بين تونس وليبيا، بين سنتي 1973 و1974، لم يتم تغيير العلم التونسي رغم ما تضمنه بيان الاتحاد، الذي عقب لقاء بين بورقيبة والقذافي، وقرأه وزير الخارجية التونسي حينها محمد المصمودي: "شكل البلدان جمهورية واحدة، الجمهورية العربية الإسلامية مع دستور واحد، علم واحد، رئيس واحد، جيش واحد ونفس الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية وسيتم إجراء استفتاء في 18 كانون الثاني/ يناير 1974.." وقد تم توضيح شكل العلم "النجمة والهلال التونسيان في منتصف الأبيض، ثم الأحمر والأسود".
لكن الاعتراض الواسع داخل النظام التونسي حينها وخارجه، أدى إلى تراجع بورقيبة عن الاتحاد ولم يعرف بذلك العلم التونسي تغييرًا، وهو الذي أكد دستور 1959، دستور الجمهورية الأولى في تونس، وظيفته "كعلم وطني للجمهورية التونسية". وفي 30 حزيران/ يونيو 1999، تم تحديد أبعاده وميزاته بوضوح في قانون خاص.
بعد ثورة 14 كانون الثاني/ يناير 2011، وعلى عكس دول عربية أخرى، اجتاحها الزخم الثوري وأدى إلى الرغبة في تغيير علمها كحال سوريا أو ليبيا، تمسك التونسيون بعلم 1827. وفي دستور الجمهورية الثانية، المعروف بدستور 27 يناير 2014، تاريخ المصادقة عليه من المجلس الوطني التأسيسي، يعرف ذات العلم بـ"علم الجمهورية التونسية أحمر، يتوسطه قرص أبيض به نجم أحمر ذو خمسة أشعة يحيط به هلال أحمر حسبما يضبطه القانون".
ساهم تمسك التونسيين بذات العلم في أن يصمد قرابة مئتي سنة، وفي أن يكون الأعرق عربيًا، ويحظى هذا العلم ولا يزال بإجماع شعبي، إذ لم يرتبط يوماً بحاكم دون غيره بل كان رمزًا شعبيًا حضر في مختلف احتجاجات التونسيين واحتفالاتهم.
ساهم تمسك التونسيين بعلمهم في أن يصمد للآن ويحظى بإجماع شعبي، إذ لم يرتبط يوماً بحاكم دون غيره بل كان رمزًا شعبيًا
- ما معاني العلم التونسي؟
تختلف الإجابات عن هذا السؤال، ولا إجماع قائم خاصة حول معاني اللونين المعتمدين الأحمر والأبيض. في بعض الروايات، يشار للون الأحمر كرمز لدماء شهداء البلاد وهو لون يربطه البعض بالمقاومة بينما يرى آخرون أنه تقليد للعلم العثماني لا أكثر، ويشار للون الأبيض كرمز للسلام، فيما يروج البعض إلى أن الدائرة البيضاء في وسط العلم تعكس الشمس حسب لودفيك موتشا مثلاً. بينما يتفق الجميع تقريبًا حول اعتبار الهلال والنجمة رموزًا إسلامية.
يدرج العلم التونسي منذ سنوات فوق جميع المباني العمومية والعسكرية في البلاد وأعلى مقرات المنظمات الإقليمية والدولية ومراكز البعثات الدبلوماسية التونسية. وتحية العلم التونسي إجبارية في جميع المدارس التونسية (الخاصة والعمومية) منذ أيلول/ سبتمبر 1989. وفي أيام الأعياد الرسمية، يكون موكب العلم إجباريًا أيضًا في المباني العمومية، ويتعلق الأمر أساسًا بعيد الثورة والشباب (14 يناير)، عيد الاستقلال (20 مارس)، عيد الشهداء (9 أبريل)، عيد الجمهورية (25 يوليو) وعيد الجلاء (15 أكتوبر).
بعد ثورة يناير 2011، ارتبط العلم التونسي بحادثة أثارت استهجاناً واسعًا في تونس وبلغت أصداؤها دولًا أخرى، لانتشارها إعلاميًا بشكل واسع، حيث قام شاب ينتمي إلى تيار ديني متشدد بإنزال العلم التونسي من فوق كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة (جامعة عمومية) في 7 آذار/ مارس 2012، محاولًا رفع العلم الأسود، الذي صار يميز ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية. وقد تصدت له طالبة بتلك الجامعة تدعى خولة الراشدي، وأكسبها ذلك شهرة واسعة في تونس.
ويتذكر التونسيون تلك الحادثة وعادة ما يحتفون بعلمهم في ذكراها، ويذكر أن المادة 129 من قانون العقوبات التونسي تعاقب "إهانة العلم التونسي، عن طريق الكلمات أو الكتابات أو الإيماءات أو خلاف ذلك، بالسجن سنة واحدة".
مصادر
كتاب العلم التونسي: التاريخ، الدلالة ، الاستعمال لمحجوب السميراني ـ دار الجنوب بتونس
Webster’s Concise Encyclopedia of Flags & Coats of Arms ـ Ludvík Mucha ـ Edited by William G. Crampton