شارك الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي مؤخرًا في تظاهرة ضخمة من أجل السّلام والإخاء بين الأديان انتظمت بكوريا الجنوبية، حيث رُفعت صورته في مدرج ملعب بسيول، وقدّم أول كلمة ضمن سبع شخصيات دولية مدعوّة، وهو حدث لقي احتفاء بين أنصاره في تونس في ظل تجاهل تام من الإعلام التونسي، وهو ما يعكس مجدّدًا العلاقة المتوتّرة بينهما.
تعود جذور العلاقة المتوترة بين المنصف المرزوقي وغالبية وسائل الإعلام التونسية لفترة رئاسته للبلاد حينما اصطفت غالبيتها ضده
لماذا التجاهل الإعلامي؟
تعود جذور العلاقة المتوتّرة بين المنصف المرزوقي وغالبية وسائل الإعلام التونسية لفترة رئاسته للبلاد، حينما اصطفّت غالبيتها، وبالتحديد الخاصّة منها، في صفّ مهاجمته إلى درجة تواتر استعمال عبارات مسيئة بحقّه. وقد تحدّث المرزوقي مؤخرًا في شهادته لبرنامج "شاهد على العصر" عن ذلك قائلاً "كان لدينا إعلام في منتهى الشراسة والوقاحة، استهدفني أنا شخصيًا واستهدف حركة النهضة وكذلك أصدقائنا في تركيا وقطر، كان هذا إفطارهم وغداؤهم وعشاؤهم.. كانت حربًا ضروسًا ضدنا". وتعود ملكية أغلب وسائل الإعلام المنتشرة في تونس إلى شخصيات ومؤسسات مرتبطة بالنظام القديم.
وقد تكثّف التوتّر خاصة حينما أصدر خلال فترة رئاسته سنة 2013 "الكتاب الأسود"، والذي كشف انطلاقًا من أرشيف الرئاسة منظومة الدعاية في نظام المخلوع بن علي، حيث فضح الكتاب عشرات الصحفيين الذين حصلوا على أموال مقابل تبييض النظام ومهاجمة المعارضة زمن الاستبداد.
اقرأ/ي أيضًا: صحفيون مصريون.. "اشتراهم" بن علي لتمجيد نظامه!
كما كشفت الانتخابات الرئاسية في خريف 2014 عن مدى تجنّد غالبية وسائل الإعلام لفائدة الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي، الذي يوصف بأنه سليل النظام السابق، مقابل مهاجمة المرزوقي، ومن ذلك إشراف قناة "نسمة" الخاصّة على الحملة الدعائية التلفزية للسبسي، وتنظيم قناة "الحوار التونسي" الخاصّة، الأعلى مشاهدة في تونس، لحلقة خلال الحملة الانتخابية مخصصّة لاتهام المرزوقي بالفساد باستعمال فواتير سرّبها نورالدين بن تيشة المستشار الحالي لرئيس الجمهورية، كما أكد مدير حملة المرزوقي حينها.
كشفت الانتخابات الرئاسية في خريف 2014 عن مدى تجنّد غالبية وسائل الإعلام لفائدة الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي، الذي يوصف بأنه سليل النظام السابق
وقد قدّم المرزوقي بعد خروجه من الرئاسة سنة 2015 شكاية ضد هذا المستشار الذي يملك موقعًا الكترونيًا ولكن لسبب آخر وهو فبركة تصريحات له، وقد قام القضاء بتحجير السفر على المستشار الرئاسي وصحفيين في قناة "الحوار التونسي" على خلفية هذه الفبركة التي تتعلق بتصريحات للمرزوقي حول الوضع في سوريا ولكن تم تقديمها على أساس أنها ذات علاقة بتونس.
ولعلّ آخر حوادث المرزوقي مع الإعلام التونسي حينما استضافته قناة الوطنية الحكومية، لبرنامج حواري، في شباط/ فبراير الفارط ووُجهت إليه أسئلة اعتبرها متحاملة وغير مهنية.
مقاطعة صريحة للمرزوقي؟
ولم يكن غريبًا أن تتجاهل مؤخرًا وسائل الإعلام التونسية مشاركة المرزوقي بصفته رئيسًا سابقًا في تظاهرة دولية بكوريا الجنوبية، خاصة بعد دعوة صريحة لمقاطعته مؤخرًا. إذ أعلنت قبل أيام نقابة الإعلام في الاتحاد العام التونسي للشغل مقاطعتها للمرزوقي وحزبه "حراك تونس الإرادة"، وذلك "لتجاهله لوسائل الاعلام التونسي ورفضه التعامل معها"، وذلك على إثر رفضه تقديم تصريحات في حفل افتتاح مؤتمر حزب التكتل، شريكه السابق في الائتلاف الحكومي.
وقد اتهمت النقابة المرزوقي بـ"ارتهانه لوسائل الإعلام الأجنبية التي يفضل الظهور فيها بأجر مدفوع مسبقًا"، وذلك في إشارة لظهور المرزوقي على قناة "الجزيرة" وقنوات أجنبية في الخارج. وقد تناقلت وسائل إعلام تونسية زمن رئاسة المرزوقي أنه يتلقى أموالًا مقابل مقالته على موقع الجزيرة نت، وهو ما نفاه حينها مستشاروه وأكدوا أنه يكتب في الموقع منذ زمن بن علي بدون مقابل مالي.
ويظل الفيسبوك هو المهرب!
أمام تجاهل الإعلام التقليدي، تمثل مواقع التواصل مجالاً للرئيس السابق المنصف المرزوقي لنشر أرائه والترويج لأنشطته، وهو يمتلك أكبر صفحة لسياسي على فيسبوك في تونس حيث يبلغ عدد متابعيه حاليًا قرابة 940 ألف متابع. كما نشرت خبر مشاركته في تظاهرة السلام في كوريا صفحات مؤيدة له وناشطون، غالبًا ما تترافق مع تعليقات محتجّة على تجاهل الإعلام التقليدي الذي يوصف بـ"إعلام العار" أو "إعلام التجمّع" في إشارة للحزب الحاكم قبل الثورة.
وانتقد الناشط لمجد العبيدي تركيز الإعلام على حوار تلفزي للرئيس السبسي مع التجاهل التام لخبر مشاركة المرزوقي في تظاهرة كوريا، قائلًا "لا يزال إعلام المجاري يقتات على الإثارة و"البوز" لأنه يدور في فلك المال الفاسد ويخدم أجندات سياسية".
كما انتقد من جهته الصحفي التونسي ماهر جعيدان تجاهل الإعلام التقليدي للحدث، مشيرًا "من واجبنا كإعلاميين أن لا نعتم على الخبر".
وحول ما يواجهه من الإعلام التونسي، دائمًا ما يستذكر المنصف المرزوقي ما تعرّض إليه كذلك الرئيس المصري المعزول محمد مرسي من هجومات إعلامية وتشويه إبان فترة رئاسته، وهو ما يؤكد مجدّدًا على دور الإعلام المحسوب على النظام القديم وشبكاته في ضرب الثورة وتشويه الخصوم السياسيين، وذلك في ظلّ سيطرة المال السياسي الفاسد على تمويل المؤسسات الإعلامية، وكذلك في ظل ضعف الهيئات الرقابية.
اقرأ/ي أيضًا: