"أبناء مقاتلي داعش الإرهابي" هو وصم طبع على جبين عديد الأطفال التونسيين العالقين في بؤر التوتر.. أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم تحملوا نتائج خيارات آبائهم وحرموا من حق العودة إلى تونس. لم يحظوا بالنشأة في بلد آمن وسط أهلهم وذويهم كسائر أترابهم وذاقوا ويلات الحروب وتبعاتها.. جوع وتشرد ويتم وإرهاب. ولكنهم أيضًا ضحية تباطئ الدولة في إعادتهم لوطنهم. بطء أطال مكوثهم في السجون والمخيّمات بسوريا والعراق وليبيا ويمكن أن يكلفهم حياتهم ويعرضهم لمخاطر عديدة.
أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم تحملوا نتائج خيارات آبائهم.. لم يحظوا بالنشأة في بلد آمن وهم أيضًا ضحية تباطئ الدولة في إعادتهم لوطنهم
هذا التباطؤ تجد له السلطات ألف عذر وتتفادى الخوض في أسبابه وتبعاته لكن المهتمين بقضية الأطفال التونسيين العالقين في بؤر التوتر من الحقوقيين والعائلات التي تطالب باستردادهم يعتبرونه تقاعسًا في إيجاد حلول عملية لملف راح ضحيته أطفال أبرياء حملوا أوزار آبائهم الذين اختاروا الانضمام لتنظيم إرهابي فعلقوا في مناطق النزاع دون معطيات وإحصائيات دقيقة حول عددهم ومصيرهم.
عدم التسريع في إعادة هؤلاء الأطفال ليس العائق الوحيد أمام عودتهم واندماجهم في المجتمع فالرفض المجتمعي والوصم شبح يلاحقهم ويؤرقهم حتى قبل مجيئهم كما أن المخاوف من إمكانية حملهم لأفكار إرهابية تتغذى وتنمو لدى المجتمع التونسي كلما تقدم هؤلاء الأطفال في السن وهو ما يستوجب تفعيلًا سريعًا لمقتضيات الفصل 31 من الدستور التونسي الجديد الذي يحجر تغريب أي مواطن تونسي أو منعه من العودة للوطن وكذلك الفصل 52 الذي يوجب على الدولة توفير جميع أنواع الحماية لكل الأطفال دون تمييز وفق المصالح الفضلى للطفل.
عدم التسريع في إعادة هؤلاء الأطفال ليس العائق الوحيد أمام عودتهم واندماجهم في المجتمع فالرفض المجتمعي والوصم شبح يلاحقهم ويؤرقهم حتى قبل مجيئهم
- قصة الخالة تحية السبوعي ورحلة استرجاع أحفادها
تستميت عائلات الأطفال التونسيين العالقين في مناطق النزاع في المطالبة باسترجاعهم من ليبيا وسوريا والعراق لتخليصهم من ويلات الحرب التي خلفت لديهم أضراراً نفسية وجسدية جسيمة.
وقد نفذت العائلات العديد من الوقفات الاحتجاجية لتسليط الضوء على ملف أبنائهم الموزعين بين الخيام والسجون ويرزخون تحت بطش الإرهاب وقد أفادت وزيرة الأسرة آمال بالحاج موسى أن الوزارة تلقت أكثر من 120 طلبًا لإعادة الأطفال من مناطق النزاع أغلبها مقدمة من الأجداد.
وزيرة الأسرة آمال بالحاج موسى: الوزارة تلقت أكثر من 120 طلبًا لإعادة الأطفال من مناطق النزاع أغلبها مقدمة من الأجداد
تحية السبوعي، هي جدة لخمس أطفال فقدت منهم طفلين في مناطق النزاع وظل البقية عالقين في شمال سوريا، أحدهم حالته حرجة تستوجب تدخلاً جراحيًا عاجلًا، وفقها.
تقول في حديثها لـ"الترا تونس" إن "ابنها راح ضحية عملية استقطاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قبل إرهابيين فقرر في أكتوبر/تشرين الأول 2012 التوجه نحو ليبيا بدعوة العمل ثم انتقل إلى تركيا فسوريا والتحق بداعش الإرهابي.. تزوج من سورية وأنجب ثلاثة أطفال ثم تزوج بتونسية وأنجب طفلين وبعد فترة من الزمن أكد لوالدته في مكالمة هاتفية أنه كشف أمر التنظيم وقد تم سجنه ثم تصفيته وزوجته التونسية التي كانت حاملًا في الشهر السابع لكنه عندما استشعر الخطر، قام بتهريب زوجته السورية وأطفاله الخمس نحو ملجأ في شمال سوريا على الحدود التركية أين فارق أبناء الزوجة التونسية الحياة بسبب الإهمال وغياب الرعاية"، وفق روايتها.
وتضيف الجدة أن "أكبر الأطفال سنًا يبلغ 9 أعوام كان قد تعرض لحادث في سن 7 أشهر عند سقوط قذيفة تسببت في سقوط لوحة على رأسه خلفت له شبه إعاقة يعاني من تبعاتها إلى الآن وحالته تزداد تعقيدًا في ظل غياب تدخل جراحي سريع"، مشيرة إلى أنها طرقت جميع الأبواب لإرجاع أحفادها إلى تونس لكن دون جدوى ودون نتيجة تذكر مما تسبب لها في حالة يأس.
تحية السبوعي، جدة لأطفال عالقين في سوريا لـ"الترا تونس": اتصلت بفرع الصليب الأحمر الدولي في تونس وتطوّع لإرجاع أحفادي في طائرة خاصة لكن بتفويض من الدولة وهو ما رفضته وزارة الخارجية
وقد أفادت الجدة تحية أن وزارة الخارجية التونسية طلبت منها إرسال الأطفال إلى القنصلية العامة في اسطنبول وبعد القيام بالتحليل الجيني يتم إعادتهم وذلك لأن تونس ترفض التفاوض مع جهات غير قانونية لكنها وجدت صعوبة في ذلك خاصة وأن مثل هذه العمليات فيها الكثير من التحيّل وبالتالي اتصلت بفرع الصليب الأحمر الدولي في تونس وتطوّع لإرجاع أحفادها في طائرة خاصة لكن بتفويض من الدولة وهو ما رفضته وزارة الخارجية فظل الحال على ما هو عليه.
وبيّنت تحية السبوعي أنها في تواصل مع والدة أحفادها عبر تطبيقة "واتساب" لتعلمها بوضعية الأطفال التي تصفها بالمزرية في ظل غياب تقديم أي مساعدات لهم وعدم تسجيلهم في المخيمات ليبقوا بذلك عرضة للجوع والبرد والمرض، وفقها.
وأشارت المتحدثة إلى أنها حاولت إرسال حوالة مالية تقدر بـ 200 يورو لمساعدة أحفادها فتفاجأت باستدعاء من قبل فرقة مكافحة الإرهاب بدعوى تمويل الإرهاب ورغم تقديمها لشرح مفصل لوضعية أحفادها فإن غياب الدليل على إثبات نسبهم يمنعها قانونًا من القيام بأي تحويلات مالية لفائدتهم فامتنعت عن ذلك.
تحية السبوعي، جدة لأطفال عالقين في سوريا لـ"الترا تونس": "أطفال مقاتلي داعش الإرهابي لا ذنب لهم فيما حدث ومكوثهم في مناطق النزاع يمكن أن يحوّلهم إلى إرهابيين في المستقبل"
وختمت تحية السبوعي تصريحها لـ"الترا تونس" بالتأكيد أن "أطفال مقاتلي داعش الإرهابي لا ذنب لهم فيما حدث ومكوثهم في مناطق النزاع يمكن أن يحوّلهم إلى إرهابيين في المستقبل"، راجية أن لا تقدم والدتهم على عملية "حرقة" لكي لا تفقد فلذات أكبادها في البحر كما هو حال العديد من اللاجئين الذين حاولوا اجتياز الحدود خلسة، كما ذكرت بأنه تم استدعاؤها سنة 2018 لتمضي على التزام بتكفلها بأحفادها عند إرجاعهم لتونس لكن لا تطورات تذكر في هذا الملف منذ ذلك الحين.
- "ترك الأطفال في مناطق النزاع هو مشاركة في صنع إرهابيين"
أكدت وزيرة الأسرة والطفولة آمال بالحاج موسى خلال الإعلان عن البرنامج الوطني لإدماج الأطفال العائدين من بؤر التوتر أنه تم التمكن من إرجاع 51 طفلاً من مناطق النزاع من بينهم 16 طفلة و35 طفلًا أعمارهم بين 5 و17 سنة.
وزيرة الأسرة والطفولة التونسية: تم التمكن من إرجاع 51 طفلاً من مناطق النزاع من بينهم 16 طفلة و35 طفلًا أعمارهم بين 5 و17 سنة
كما لفتت إلى أن 41 طفلاً منهم تم ترسيمهم بالمرحلة الابتدائية و3 أطفال ببرنامج الروضة العمومية كما ألحق 7 أطفال ببرنامج التأهيل التربوي والتكوين المهني. وكشفت بالحاج موسى أن هؤلاء الأطفال أدمجوا ضمن عائلاتهم الموسعة مع الحرص على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي بأقسام الطب النفسي للأطفال.
وعلى الرغم من أن عدد الأطفال الذين تم إعادتهم من مناطق النزاع مهم إلا أن المنظمات الحقوقية تتحدث عن أعداد مضاعفة لا تزال عالقة في بؤر التوتر في وضعيات صعبة تنتهك جميع معاهدات حقوق الطفل.
وقد أفاد محمد إقبال بن رجب، رئيس جمعية التونسيين العالقين بالخارج، أن "الدولة التونسية ساهمت فقط في إعادة 51 طفلًا من ليبيا تحت إشراف الصليب الأحمر الدولي وبضغط من الجانب الليبي فيما بقيت مجموعة أخرى تتكون من 22 طفلًا و11 امرأة عالقين في مراكز الترحيل الليبية بعد أن تم تسريحهم من سجن معيتقة لكن من سوريا لم يتم إعادة أي طفل ولا وجود لأي مساع من أجل ذلك"، وفقه.
رئيس جمعية التونسيين العالقين بالخارج لـ"الترا تونس": "الدولة التونسية ساهمت فقط في إعادة 51 طفلًا من ليبيا تحت إشراف الصليب الأحمر الدولي وبضغط من الجانب الليبي وعدد العالقين لا يزال كبيراً"
وبيّن بن رجب في حديثه لـ"الترا تونس" أن حوالي 170 طفلًا يتواجدون في الأراضي السورية ولا وجود لأي معلومات محيّنة حول أوضاعهم إن كانوا قد قتلوا أو اعتقلوا في السجون، لافتًا إلى أن العديد من هؤلاء الأطفال في عمر 14 سنة وقد تم الزج بهم في السجون السورية مع الكهول، كما أشار إلى أن الجمعية تواصلت مع الأكراد في شمال شرق سوريا حول وضعية هؤلاء الأطفال لكنهم طلبوا تفويضًا من قبل الدولة أو تعيين دبلوماسي وهو ما ترفضه تونس لأنه في التواصل مع هذه الجهات اعتراف بالميليشيات، وفق توصيفه.
وأوضح المتحدث أن الجمعية تطالب فقط ببعض التسهيلات لتقوم بدورها في إعادة الأطفال العالقين في بؤر التوتر لعائلاتهم بمجهودها الخاص وتمويلاتها الخاصة وعيًا منها بخطورتهم في المستقبل إذا لم يتم التسريع في إخراجهم من مناطق القتال. وذكر بوجود أطفال تونسيين وأمهاتهم من العالقين في تركيا اضطروا لتقديم أنفسهم على أنهم سوريون لأن الأمهات تخشين العودة لتونس خوفًا من العقوبات المشددة التي تنتظرهم.
رئيس جمعية التونسيين العالقين بالخارج لـ"الترا تونس": نطالب فقط ببعض التسهيلات لنقوم بدورنا في إعادة الأطفال العالقين في بؤر التوتر لعائلاتهم بمجهودنا الخاص
وقال محمد إقبال بن رجب إن "العائلات المقربة للأطفال العالقين في بؤر التوتر يطالبون باسترجاعهم كذلك الأمهات في سوريا يتصلن بالجمعية بغية إعادة أطفالهن لذويهم في تونس ليتمكنوا من الالتحاق بمقاعد الدراسة أما الأطفال اليتامى فالتونسيون في المخيمات السورية يبلغون عن وضعيتهم لإعادتهم لبلدهم"، مشددًا على أن ترك الأطفال في مناطق النزاع دون دراسة واندماج في المجتمع هو عبارة عن مشاركة في عملية صنع للإرهابيين، وفق تقديره.
وعن غياب الإحصائيات بشأن العدد الدقيق للأطفال التونسيين في بؤر التوتر وأعمارهم وأوضاعهم، بيّن المتحدث أن ضعف إمكانيات الجمعية حال دون القيام بجرد جديد لافتًا إلى أن الدولة لا تعترف بهذا الملف وأن المرة الأولى التي طرح فيها على طاولة النقاش كان سنة 2018 بعد أن قدمت الأمم المتحدة نشرية حول الأطفال التونسيين العالقين في الخارج. كما أكد أن الجمعية تواصلت مع رئاسة الجمهورية ومع كل الجهات المتداخلة في الموضوع لكنها لم تجد أي صدى وتوجهت للإعلام لتبليغ صوتها وصوت الأطفال وعائلاتهم.
رئيس جمعية التونسيين العالقين بالخارج لـ"الترا تونس": الجمعية تواصلت مع رئاسة الجمهورية ومع كل الجهات المتداخلة في الموضوع لكنها لم تجد أي صدى وتوجهت للإعلام لتبليغ صوتها وصوت الأطفال وعائلاتهم
في المقابل ثمن المتحدث مجهودات المندوبية العامة للطفولة فرغم محدودية صلاحياتها وإمكانياتها بدأت أواخر سنة 2021 في العمل على البرنامج الوطني لإدماج الأطفال العائدين من بؤر التوتر، لافتًا إلى أن ما يحتاجه هؤلاء الأطفال من الدولة هو فقط التسهيلات الإدارية لاستخراج وثائقهم للالتحاق بمقاعد الدراسة لكن عائلاتهم المصغرة مستعدة بالتكفل بهم.
وأقر بن رجب بصعوبة التعاطي مع الملف، مرجحًا أن السبب الرئيس لتلافي الدولة الخوض فيه هو الأعداد الكبيرة التي يمكن أن تملأ بها السجون ورفض التعامل مع الميليشيات لكن هذا لا يعني تجاهل الموضوع، على حد تعبيره.
جدير بالذكر أن وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن لم تقدم أي معطيات حول مناطق النزاع التي استعيد منها الأطفال وحول طريقة تسلمهم كما أنها لم تخض في الوضعية العائلية للأطفال وهل تم تسلمهم بمفردهم أو بمعية أمهاتهم علمًا وأن المنظمات الحقوقية المهتمة بعودة أبناء مقاتلي داعش الإرهابي تستبعد استعادة الأطفال من المخيمات السورية التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية لأنه تنظيم انفصالي ترفض تونس التفاوض معه.