18-يوليو-2023
الصوجا

على الرغم من أهميتها فإن تونس ليست بلدًا منتجًا لنبتة الصوجا بل تعول كليًا على الاستيراد (صورة توضيحية/ Getty)

 

رغم تغرّبه عن تونس لمدة عشرين عامًا، فإن غربته لم تزده إلا حبًا وتعلقًا بوطنه الذي نشأ فيه وترعرع، جذوره تأبى الاقتلاع من أرض احتلت قلبه وعقله، فهي عميقة عمق ذكريات طفولته التي رسخت في كيانه ووجدانه والتي لا تغيب عن باله إطلاقًا. ولطالما أثار سؤال "هل أوفيت تونس حقها" حيرته وكان السؤال ذاته هو الدافع الأساسي لبحث سبل رد جميل وطنه الذي لم يحرمه خيراته.

يقول كريم الجبالي، وهو أربعيني أصيل محافظة القيروان، إنه عاش فترة طويلة في إيطاليا ورغم أنه ربان سفينة فقد امتهن الفلاحة وتخصص تحديدًا في الزراعات الكبرى كالقمح والشعير والذرة والصوجا، ومنذ ذلك الحين راوده سؤال حول أسباب عدم زراعة الصوجا في تونس رغم أنها زراعة صيفية ومتعددة الاستعمالات، فيمكن منها استخراج العلف والزيت والحليب والبروتينات وحتى بعض مستحضرات التجميل. 

كريم الجبالي تونسي يجوب الولايات لترويج فكرة زراعة الصوجا من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في وقت تعاني فيه تونس من مشكلة في إنتاج واستيراد الحبوب ويوزع البذور على الفلاحين بكميات محدودة من أجل تشجيعهم 

ويضيف الجبالي، في حديثه لـ"الترا تونس"، أنّ فكرة الترويج لزراعة الصوجا في بلده أصبحت بالنسبة إليه بمثابة التحدي، فتمكن من جلب كمية قليلة لا تتجاوز الـ 500 غرامٍ من بذور الصوجا عند قدومه من إيطاليا لأن استيرادها ممنوع وقام بزراعة البعض منها في حديقته فأنتجت. ومنذ نجاح تجربته شرع في التواصل مع الفلاحين من الشمال إلى الجنوب لتشجيعهم على خوض غمار تجربة زراعة الصوجا وتكفل بمسؤولية توزيع البذور على الفلاحين بكميات محدودة "50 غرامًا" حتى تمكن من التواصل مع 117 فلاحًا على أمل أن يواصل رحلاته ليعمم التجربة على 250 فلاحًا، وفقه.

 

 

ويشدد المتحدث على أن نقطة القوة في نبتة الصوجا تتمثل في غزارة إنتاجها أي أن زراعة كيلوغرام واحد يمكن من إنتاج ما بين 200 و500 كيلوغرام ولذلك يحرص على تثمين والتشجيع على زراعة الصوجا في تونس للمساهمة في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتخفيض أسعار الزيوت والأعلاف التي ما فتئت ترتفع يومًا بعد يوم.

كريم الجبالي لـ"الترا تونس": نقطة القوة في نبتة الصوجا تتمثل في غزارة إنتاجها أي أن زراعة كيلوغرام واحد يمكن من إنتاج ما بين 200 و500 كيلوغرام ولذلك أحرص على تثمين وتشجيع زراعة الصوجا في تونس للمساهمة في تحقيق الاكتفاء الذاتي

وعن حملته في التعريف بأهمية زراعة الصوجا، يقول كريم الجبالي: "أنا أعمل حاليًا في إيطاليا وأزور تونس كل ثلاثة أشهر لمدة 15 يومًا أقضي معظمها في التنقل بين المحافظات على حسابي الخاص لتوزيع الصوجا على الفلاحين بصفة مجانية. أضع علم تونس في سيارتي وأجوب ربوع البلاد فأجد ترحابًا من الفلاحين الذين آمنوا بالفكرة". 

 

 

وتابع قائلًا: "أنشأت كذلك مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك انخرط فيها فلاحون ومهندسون وخبراء اقتنعوا بفكرة زراعة الصوجا"، معقبًا: "الفلاحة بالنسبة لي غرام وسأواصل مشواري في التعريف بهذه النبتة وتثمين زراعتها".

 

صورة

 

  • نبتة الصوجا صيفية ولا تستهلك الكثير من الماء

بيّن كريم الجبالي أن نبتة الصوجا تتماشى مع المناخ في تونس لأنها نبتة صيفية ولا تستهلك الكثير من الماء عكس ما يتم الترويج له، ففي فترة حياتها التي تدوم 100 يوم لا تستحق الري إلا 9 مرات فقط وفي حال الإفراط في ريها تموت النبتة، كما أنها تستهلك ماء أقلّ من الطماطم والبطيخ "الدلاع" بستّ مرات، وفقه.

الجبالي لـ"الترا تونس": الصوجا تتماشى مع المناخ في تونس لأنها نبتة صيفية ولا تستهلك الكثير من الماء عكس ما يتم الترويج له ففي فترة حياتها التي تدوم 100 يوم لا تستحق الري إلا 9 مرات فقط وفي حال الإفراط في ريها تموت

كما لفت إلى أن موعد زرعها في البلدان المنتجة للصوجا كمصر وجنوب أمريكا وإيطاليا وفرنسا وأوكرانيا يكون بين شهري ماي/أيار وجوان/يونيو، لكن تم تجربة زراعتها في تونس في أشهر مارس/آذار وأفريل/نيسان وماي/أيار وجوان/يونيو ونجحت التجربة أي أن النبتة أنبتت ونمت وأثمرت في كل التجارب. وبين المتحدث أن التجارب متواصلة وسيتم زرعها في شهر جويلية/يوليو والأشهر التي تليه لمعرفة أي الأشهر الأكثر ملاءمة للنبتة والتي يكون فيها الإنتاج أغزر.      

 

 

واعتبر كريم أن "الحديث عن زراعة الصوجا في تونس من المحظورات ويمنع الخوض فيه"، على حد قوله، مشيرًا إلى أنه توجه لوزارة الفلاحة التونسية للتعريف بفكرته ففوجئ ببروتوكول بمثابة قطع للأجنحة، مصرحًا: "لقد أعلمتهم باصطحابي لبعض من بذور الصوجا لزراعتها فأعلموني بأن إدخال أي بذور لتونس ممنوع بالقانون وإذا فكرت في تجربة بذور وجب التعامل مع مخبر وتوفير 10 كيلوغرامات من البذور يتولى المعهد الوطني للعلوم الفلاحية استلامها من المطار وتجربتها على أن أتلقى الإجابة بعد ثلاث سنوات".

الجبالي لـ"الترا تونس": هناك حلول بسيطة لإنقاذ قطاع الأعلاف لكن التعقيدات التي تضعها الدولة تعرقل العملية.. وقد تم الاستماع لي في مركز الحرس فيما يتعلق بنشاطي في التشجيع على زراعة الصوجا

وتساءل محدث "الترا تونس" قائلًا: "هل أن مشكلة أعلاف الأبقار التي تم تهريب عدد كبير منها للقطر الجزائري تنتظر ثلاث سنوات؟"، مستطردًا: "هناك حلول بسيطة لإنقاذ قطاع الأعلاف لكن التعقيدات التي تضعها الدولة تعرقل العملية وبالتالي أرى أنه من الضروري تعديل هذه القوانين".

وانتقد الجبالي سياسة الدولة في التعامل مع القطاع الفلاحي معربًا عن استغرابه من السماح بزراعة البطيخ "الدلاع" وتصديره لإيطاليا ودول أخرى في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من شح في المياه، مبينًا أن السياسة الإيطالية مختلفة جدًا ففي كل سنة تحدد الدولة نوعية البذور التي سيتم زرعها حسب حاجة مخزونها الاستراتيجي لتتمكن من تحقيق اكتفائها الذاتي، كما توفر للفلاح البذور وكل ما يستحقه في عملية الزرع ثم تقتطع معاليم ذلك إثر الحصاد وفي حال حدوث جائحة تعوض الفلاح عن خسارته، وذلك من باب التشجيع على الاستثمار في الفلاحة وحماية أمنها الغذائي. وختم المتحدث بتأكيد أنه تم الاستماع إليه في مركز الحرس فيما يتعلق بنشاطه في التشجيع على زراعة الصوجا، على حد روايته.

 

 

  • عجز علفي 

على الرغم من أهميتها في العديد من المجالات، فإن تونس ليست بلدًا منتجًا لنبتة الصوجا بل تعول كليًا على الاستيراد وقد تطورت الكميات المستوردة بعشرات المرات في الفترة الممتدة بين سنتي 2002 و2019 من 17 ألف طن إلى حوالي 669 ألف طن وفقًا لإحصائيات المعهد الوطني للإحصاء، والعدد مرجح للارتفاع في ظل غياب إحصائيات دقيقة عن الكميات المستوردة في السنوات الأخيرة. وتتكبد تونس فواتير باهضة الثمن إزاء عمليات الاستيراد خاصة في ظل ارتفاع أسعار الأعلاف في العالم وتدهور قيمة الدينار التونسي  مقابل العملة الصعبة.

على الرغم من أهميتها فإن تونس ليست بلدًا منتجًا لنبتة الصوجا بل تعول كليًا على الاستيراد وقد تطورت الكميات المستوردة بعشرات المرات في الفترة الممتدة بين سنتي 2002 و2019 من 17 ألف طن إلى حوالي 669 ألف طن

ومنذ سنة 1996 تخلى ديوان الحبوب عن دوره في استيراد وتوزيع فيتورة الصوجا "الصوجا بعد استخراج الزيت منها" وتمت صياغة كراس شروط خاص بتوريد حبوب الذرة وفيتورة الصوجا ففُتح المجال بذلك أمام الشركات الخاصة للتحكم في أسعار العلف الذي يمثل 60 بالمائة من كلفة إنتاج الدواجن والذي يكبد مربي الأبقار عناء سداد ما مقداره 13 دينارًا ككلفة علف البقرة الواحدة يوميًا،  ما ساهم في ارتفاع تكلفة تربية الحيوانات وبالتالي ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء على حد السواء. 

 وفي رده على تشكيات الفلاحين من غلاء أسعار الأعلاف وفقدانها في كثير من الأحيان، عزّى الرئيس التونسي قيس سعيّد ارتفاع سعر اللحوم والدواجن إلى احتكار جهة واحدة لتوريد مادة الصوجا من الخارج وهذا ما مكنها من التحكم في الأسعار. كما شدد على أن يكون التوريد حرًا أو أن يتولى ديوان الحبوب بمفرده التكفل بعملية التوريد والتوزيع، حسب تقديره.    

جدير بالذكر أن مادة الزيت المدعم تشهد بدورها أزمة غير مسبوقة فرغم الميزانية الكبيرة التي ترصد للدعم إلا أن هذه المادة مفقودة من الأسواق ويضطر المواطن التونسي إلى اقتناء الزيت النباتي الذي يتجاوز سعر اللتر الواحد منه 5 دينارات فيما لا يتجاوز سعر الزيت المدعم الدينار الواحد.