27-يونيو-2018

توجد ثقافة سائدة متسامحة مع التعذيب مع المشتبه به في قضية إرهابية

"كنت حريصًا رغم الضربات المنهالة عليّ أن أتمسّك ببنطلوني ولكنّ الانتهاك حدث. اعتدى عليّ رجال الأمن وهم يضحكون بشكل هستيري فيما سألني أحدهم: شفتنا آش انّجمو نعملو؟ (هل رأيت ما يمكننا فعله؟).

كان يبدو على صوت هاشم (اسم مستعار) الخجل والحسرة وهو يصف لمراسلة "الترا تونس" عبر الهاتف كيف تمّ انتهاك عرضه. "تعرّضت للتعذيب طيلة ثلاثة أيام متتالية، حيث كان أعوان الأمن يتداولون على ضربي فرادى أو جماعة في غرفة الاستنطاق الصغيرة مع خلع ثيابي وتعمّد انتهاك كرامتي".

أحيل "هاشم"، عامل يومي أعزب مواليد 1987، و3  مظنون فيهم آخرين من معارفه في 2016 على الوحدة الوطنية للأبحاث في جرائم الإرهاب قصد مواصلة البحث في موضوع "الانضمام إلى تنظيم إرهابي" المحرّر في حقّهم من قبل الفرقة الجهوية للشرطة العدلية بتطاوين. ويظهر محضر البحث الخاصّ به أنّه أبدى اهتمامًا بالمسائل الدينية منذ 2008 بتأثير من العائلة، حيث باشر أداء فرائضه الدينية وصار يتردّد بصفة مستمرة على أحد الجوامع المحلية أين تعرّف على جماعة الدعوة والتبليغ وباشر النشاط ضمنها إلى حدود 2012. غير أنّه ينفي أن يكون قد سبق له النشاط ضمن أية مجموعات أو تنظيمات دينية أخرى سواء داخل التراب التونسي أو خارجه بأي وسيلة كانت وأن يكون قد اتّبع أيّ مناهج دينية.

هشام (اسم مستعار): اعتدى عليّ رجال الأمن وهم يضحكون بشكل هستيري فيما سألني أحدهم: شفتنا آش انّجمو نعملو؟ 

يؤكّد محدّثنا أنّه تعرّض للتعذيب في مقرّ فرقة الشرطة العدلية بتطاوين طيلة ثلاثة أيّام تمّ خلالها استخدام "أساليب أفلام الرّعب"، كما تواصلت الانتهاكات وإن بدرجة أقلّ بإحالته على فرقة مكافحة الإرهاب بالقرجاني أين تعرّض أيضًا إلى خلع ثيابه وأمره بالجلوس على ركبتيه.

لا تشير أيّ من الوثائق الرسمية التي تحصّل "الترا تونس" على نسخ منها إلى تعرّض "هاشم" إلى انتهاك العرض باستخدام العصا. ويقول المحامي وسام عثمان إنّ النيابة العمومية كثيًرا ما ترفض القيام بتتبّع المسؤولين عن هذا الانتهاك رغم أنّ القانون يفرض عليها ذلك، مضيفا "نحن كمحامي دفاع نطالب أحيانًا بإجراء فحص طبّي على موكّلنا غير أنّ الآجال التي تحدّد تكون طويلة بشكل يجعل آثار الانتهاك تنتفي بحلولها". ويؤكّد عثمان أنّ وضع العصا في مؤخّرة المتّهمين بضلوعهم في قضايا إرهابية تكرّر مع العديد إلاّ أنّ إثبات ذلك يبقى صعبًا.

اقرأ/ي أيضًا: تعذيب وعنف متواصل.. أرق تونس الثورة

في وقت سابق من العام الجاري، تمّ الحكم بعدم سماع الدعوى في قضية هاشم والمتّهمين الثلاثة الآخرين. وكان قد نُسب إلى هاشم، وهو من ذوي السوابق العدلية، جملة من الأفعال التي استوجبت اتّهامه من أجل التكفير والدعوة إليه والتحريض على الكراهية والتباغض بين الأجناس والأديان والمذاهب والدعوة إليهما وتعمّد الإشادة والتمجيد علنًا وبصفة صريحة بأي وسيلة كانت بجريمة إرهابية وبمرتكبيها وبتنظيم وفاق له علاقة بجرائم إرهابية وبأعضائه وبآرائه وأفكاره المرتبطة بهذه الجرائم الإرهابية والانضمام عمدا بأي عنوان كان داخل تراب الجمهورية وخارجه إلى تنظيم ووفاق إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية والمشاركة في ذلك طبق الفصول 1 و5 و13 و14 و31 و32 من القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المؤرّخ في 17 أوت 2015 المتعلّق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال و32 من المجلة الجزائية.

إحضار الزوجة من أجل الإكراه على الاعتراف!

يبيّن محضر الاستنطاق لدى قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب أنّ هاشم قد أنكر ما نسب إليه من جرائم نصّ الإحالة وتمسّك بتصريحاته المسجّلة عليه سواء لدى الشرطة العدلية بتطاوين أو لدى الوحدة الوطنية للأبحاث في جرائم الإرهاب. وقد أنكر المتّهم أيضًا تصريحات إثنين من المظنون فيهم الثلاثة الّذين أوقفوا معه، حول دعوته لهم لمبايعة زعيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي أو أن يكون قد ترحّم على مقاتلي التنظيم الإرهابي المذكور الّذين قضوا بأحداث بنقردان أو أن يكون هو وبقية المظنون فيهم قد اعتزموا الالتحاق بهذا التنظيم بسوريا. وحقّق أنّ كلّ ما ذكر لا يمتّ للحقيقة بصلة "مرجّحًا أن يكون المظنون فيهم المذكورين قد تعرّضوا إلى الإكراه الماديّ والتهديد للإمضاء على مثل تلكم التصريحات".

عدنان (اسم مستعار) أكد لقاضي التحقيق أن أعوان فرقة الشرطة العدلية بتطاوين استقدموه رفقة زوجته المنقّبة وأخضعوه للعنف والتهديد بالاعتداء عليه وعلى عرض زوجته أمامه بعد أن تولّوا تجريده من ثيابه

"أثناء استنطاقي في مقرّ الشرطة العدلية بتطاوين، حمل إليّ أحدهم جهاز "آيفون" يظهر مقطع فيديو مسجّل عليه تجريد أحد معارفي الموقوفين من ثيابه فيما هو يعترف بأشياء لم تحدث". ما يذكره هاشم عن استخدام التعذيب للحصول على اعترافات، يظهر في محضري استنطاق معارفه لدى قاضي التحقيق والّذين شهدا ضدّه في بادئ الأمر.

تراجع عدنان وعلي (اسمان مستعاران) عن تصريحاتهما المسجّلة لدى أعوان فرقة الشرطة العدلية بتطاوين، حيث أكّد الأوّل أمام قاضي التحقيق أنّ "أعوان الفرقة المذكورة استقدموه إلى مقرّاته الأمنية رفقة زوجته المنقّبة وأخضعوه للعنف والتهديد بالاعتداء عليه وعلى عرض زوجته أمامه بعد أن تولّوا تجريده من ثيابه"، فيما أكّد الثاني أنّه نظرًا لخوفه من أن ينتهج أعوان باحث البداية نفس الطريقة معه ومع زوجته فقد آثار مسايرته والمصادقة على تصريحات عدنان.

 

 

ضغوط من أجل التنازل عن الحق في الاتصال بمحام

يؤكّد المحامي وسام عثمان أنّ المتّهمين في قضايا إرهابية لا يتمتّعون في معظمهم بالضمانات القانونية الجديدة التي يمنحها "القانون رقم 5 المتعلّق بتنقيح وإتمام مجلّة الإجراءات الجزائية" على غرار تلاوة الحقوق وإمكانية العرض على الفحص الطبي والتمكين من حضور محامي، بل ويتعرّضون في المقابل إلى اعتداءات مادية ومعنوية كالتحرش والاغتصاب.

اقرأ/ي أيضًا: الإفلات من العقاب في جرائم التعذيب.. الآفة المستمرة

ويشدّد عثمان على أنّ الموقوفين الّذين يتعرّضون إلى التعذيب أو هتك العرض لا يمكنهم التعرّف على الجناة بالاسم فيقدّمون صفاتهم الأمنية فقط في حين لا تقوم النيابة العمومية بالبحث في الأمر.

بموجب القانون رقم 5، يحق للمحتجزين الاتصال بمحام، لكن الكثيرين يتنازلون عن هذا الحق، وفقا لتقرير نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" بداية جوان/يونيو الجاري. حيث أظهر التقرير وجود كثير من الحالات التي خضع فيها محتجزون لضغوط من الشرطة للتوقيع على تنازل دون قراءته. في بعض الحالات، وقعوا على التنازل بعد أن ضربهم أعوان الشرطة، ولم يكتشفوا أنهم تنازلوا عن حقهم في الاتصال بمحام إلا في وقت لاحق.

تظهر محاضر الاستنطاق أمام قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب الخاصّة أنّ هاشم وإثنين آخرين من المتّهمين معه في نفس القضية قالوا إنّهم يرومون الجواب بنفسهم متنازلين بالتالي عن حقّهم في حضور المحامي.

المحامي وسام عثمان:  الموقوفون الذين يتعرّضون إلى التعذيب أو هتك العرض لا يمكنهم التعرّف على الجناة بالاسم فيقدّمون صفاتهم الأمنية فقط في حين لا تقوم النيابة العمومية بالبحث في الأمر

بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يُعتبر الحق في التمثيل القانوني الفعّال أحد ركائز معايير المحاكمة العادلة. في المقابل، يشير تقرير "هيومن رايتس ووتش" نفسه إلى أنّ "جميع المحامين الذين قابلتهم المنظمة قالوا إن البند القانوني الذي يسمح للنيابة العامة أو قاضي التحقيق بتأخير الاتصال بمحام لـ 48 ساعة بعد الاحتجاز في القضايا التي تنطوي على اتهامات تتعلق بالإرهاب يُطبّق بشكل آلي تقريبًا. وهو ما يجعل المشتبه فيهم في قضايا الإرهاب أكثر عرضة لخطر التعذيب والاعترافات القسرية وغيرها من الانتهاكات."

استنادًا إلى أرقام وزارة الداخلية، فإن 22 في المائة فقط من مجموع المشتبه فيهم الموقوفين بين جوان/يونيو 2016 وماي/آيار 2017 مارسوا حقهم في الاتصال بمحام. "هذا الرقم المنخفض قد يعود إلى عوامل متعددة، منها غياب الوعي العام بهذا الحق الجديد، عدم حرص الأجهزة الأمنية على إعلام الموقوفين به، وتقاعس بعض المحامين المسجلين في هيئة المحامين في مساعدة الموقوفين في ظل غياب خطّة لتغطية مصاريفهم"، وفق ذات التقرير.

التسامح تجاه التعذيب.. التطبيع مع التعذيب

يقول رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب فتحي جرّاي في تصريح لـ"الترا تونس" إنّ المتّهمين الواقعين تحت طائلة قانون مكافحة الإرهاب يكونون أكثر عرضة للتعذيب وسوء المعاملة مع وجود شبه تعتيم من قبل الجهات التي تحتفظ بهم أو مزاعم السلطة الأمنية بأنّ التجاوزات التي تحدث فردية.

"تصلنا إشعارات وملفّات تظهر أنواعًا مختلفة من التعذيب يوميًا ويمنعني واجب التحفّظ من الإدلاء حاليًا بمعطيات تهمّ حالات بعينها"، يوضّح جرّاي "ولئن كان دور الهيئة الوقاية بالأساس فإنّنا نحرص على التقصّي في شأن كلّ حالة تعذيب أو سوء معاملة نتبلّغ بها كانتهاك العرض"، موضّحًا أنّ "حقوق الإنسان لا تتجزّأ ويجب أن يسري مبدأ الكرامة على كلّ شخص".

 رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب فتحي جرّاي: هناك تسامح لدى فئات من التونسيين بما فيهم جانب من النخبة والحقوقيين تجاه التعذيب طالما تعلّق بشخص مشتبه به أو ثبت تورّطه في قضية إرهابية

أحيت تونس يوم الثلاثاء 26 جوان/يونيو الجاري اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب نظّمت الهيئة بمناسبته تظاهرة أمضت خلالها اتفاقيات إطاريّة للتعاون مع منظمات وطنيّة وجمعيّات مدنيّة ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والوقاية من التعذيب. كما عقدت الهيئة ندوة صحفية لعرض نتائج دراسة مسحية أنجزتها الهيئة حول "نظرة التونسيين إلى التعذيب: المعرفة والمقبولية".

وفي هذا الصّدد، يتأسّف فتحي جرّاي رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب لوجود" ثقافة سائدة" داخل المجتمع التونسي تتمثّل في "التسامح لدى فئات من التونسيين بما فيهم جانب من النخبة والحقوقيين تجاه التعذيب طالما تعلّق بشخص مشتبه به أو ثبت تورّطه في قضية إرهابية".

"بتّ أخشى نظرة الناس ودمّرت حياتي الاجتماعية بالكامل"، يقول هاشم لـ"الترا تونس" في ذات السّياق. فقد انقطع عن الدراسة بسبب الإيقافات ولم يعد يجد من يقبل تشغيله. أمّا "الوجع الأكبر" فيبقى ما عاشه من عنف وانتهاك جسدي وفق تعبيره.

وزارة الداخلية: بإمكانهم أن يقولوا ما يشاؤون

كان ردّ الناطق باسم وزارة الداخلية سفيان زعق على ما ورد في شهادة هاشم من انتهاك جسدي له أثناء الإيقاف بإدخال العصا في المؤخرة أنه "بإمكان الأشخاص أن يقولوا ما يشاؤون وأن يتقدّموا بشكاية إن أرادوا". وأضاف "كلّهم يتّحدثون عن مثل هذه الممارسات منذ زمن طويل، لكن لم أذكر أنني وطيلة 21 عامًا من العمل في قطاع الأمن رأيت شيئا من هذا القبيل".

واعتبر زعق أنّ حدوث مثل هذا الانتهاك أمر غير وارد في ظلّ الإجراءات القانونية التي تحمي الموقوفين وعلى رأسها حضور المحامي، وأنّ هذا النوع من التعذيب كان مستخدمًا في "حقبة مظلمة قديمة"، متسائلًا في استنكار "هل تعتقدين أنّ مثل هذا الأمر يمكن أن يحدث في تونس بعد الثورة؟".

 

اقرأ/ي أيضًا:

انتهاكات تونس.. المقاومة مستمرّة لكشف الحقيقة ومنع الإفلات من العقاب

كمال المطماطي.. الوفاة تحت التعذيب والجثة تبحث عن قبر