21-سبتمبر-2019

"جميلات الأطلس" تعود لموطنها الأصلي (المصدر: الجمعية التونسية للحياة البريّة)

 

بعد انقراضها لأكثر من 110 عامًا، تعود العشرات من "غزال الأطلس" (الغزال الجبلي) للعيش في موطنها الأصلي بجبل السّرج من ولاية سليانة في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019، بعد نجاح تجربة إعادة توطين انطلقت قبل ثلاثة سنوات في محمية المنطقة، مكّنت من وصول عدد الغزلان إلى حوالي ثمانين غزالًا بحسب مصدر من الإدارة العامة للغابات بالجهة لـ"ألترا تونس".

وفي حديثنا مع نائب رئيس الجمعية التونسية للحفاظ على الحياة البرية عبد القادر الجبالي، أوضح أن إعادة التوطين هي مبادرة فرديّة بدأت في السينغال سنة 2012 واحتضنتها الجمعيّة التونسيّة للحفاظ على الحياة البريّة، ثم نضُجَتْ بالتشاور مع الإدارة العامّة للغابات التونسيّة ومركز تجارب المناطق القاحلة بـ"ألمريّة" في أسبانيا لتصبح مبادرة رسميّة بين البلدين سنة 2015 بتوقيع اتّفاقيّة إطاري بين الجانبين لتصبح سارية المفعول بعد قدوم الغزلان في أكتوبر/تشرين الأول 2016.

 غزال الأطلس هو غزال نادر متوسط الحجم وذو لون بني فاتح، يعيش في مجموعات صغيرة تضم 5 إلى 6 غزلان وأحيانًا يعيش وحيداً في المرتفعات

واستضافت تونس، في هذا الجانب، 43 غزالًا اُستقدمت مجانًا في إطار برنامج الصداقة مع أسبانيا، في محمية جبل السّرج بالمنطقة، وتطّور التنسيق بين مكونات الفريق العامل على تكاثر هذا النوع وإعادته إلى موطنه الأصلي.

وغزال الأطلس هو غزال نادر متوسط الحجم وذو لون بني فاتح، يعيش في مجموعات صغيرة تضم 5 إلى 6 غزلان وأحيانًا يعيش وحيداً في المرتفعات.

ويتحدث الباحث في علم البيئة وإدارة التنوع البيولوجي عبد الجبالي الجبالي لـ"ألترا تونس" أن هذا الغزال مُصنّف من الأنواع المهدّدة بالانقراض طبقًا للقائمة الحمراء للإتّحاد العالمي لصون الطبيعة، وذلك على امتداد منطقة انتشاره التي تشمل تونس والجزائر والمغرب، وهو يُعتبر بذلك من الأنواع القِبْسِيّة أي التي لا توجد في العالم سوى في منطقة محدّدة فقط.

الغزال مُصنّف من الأنواع المهدّدة بالانقراض (المصدر: الجمعية التونسية للحياة البريّة)

 

اقرأ/ي أيضًا: تهريب الصقور.. تجارة سرية تهدد ثروات تونس

وقد انقرض غزال الأطلس من جبل السرج وبرقو في بدايات القرن العشرين بسبب الصيد المفرط إضافة إلى الحرائق والتغيرات التي شهدتها بيئته، وهي نفسها التي أدت إلى انقراض الأسد الأطلسي والنمر والحيرم الأطلسي وغيرها من المنطقة، وذلك وفق ما أفادنا به الباحث في علم البيئة.

ويُقدّر قطيع غزال الأطلس في شمال إفريقيا بين ألفين وأربعة آلاف أغلبها بالمغرب الأقصى في المناطق النائيّة، أمّا في الجزائر، وطبقًا لنفس المصدر، فلا تتجاوز رؤوس غزلان الأطلس بعض المئات، بينما قُدّر القطيع في 2015 في تونس بأقلّ من مائة رأس متواجدة أساسًا بمنطقة الشعانبي وما جاورها.

وينفي محدثنا الجبالي معرفة ما بقي منها بعد الأعمال العسكريّة التي تشهدها المحميّة، مشيرًا إلى أن الضرورة أصبحت ملحّة وعاجلة لإنقاذ هذا النوع بإعادة توطينه في مناطق أخرى.

وفي السياق ذاته، كان مركز التعاون من أجل المتوسط التابع للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، وبتعاون مع المغرب والجزائر وتونس، أعلن استراتيجية 2018-2026 من أجل الحفاظ على الحيوانات المهددة بالانقراض ومنها خصوصًا غزال الأطلس.

"جميلات الأطلس" والعودة إلى الجبال

وبعد ثلاثة سنوات على بداية مشروع إعادة التوطين والتوصل إلى ولادة العشرات من الغزلان، تأتي حاليًا مرحلة الإطلاق في البرية التي وصفها نائب رئيس جمعية المحافظة على الحياة البرية عبد القادر الجبالي في حديثه لـ"ألترا تونس" بالخطوة الأساسيّة في عمليّة إعادة توطين "جميلات الأطلس" إلى موطنها الأصلي.

 عبد القادر الجبالي (نائب رئيس جمعية المحافظة على الحياة البرية): النجاح لا يقاس بالتكاثر فقط وإنّما بضمان قطيع قابل للحياة على جزء أو كافة منطقة توزيع النوع التاريخيّة

وقال أيضًا إنها نقطة إيجابيّة في طريق تثبيت المشروع والانتقال إلى مرحلة أخرى مهمّة جدًا في حياة هذا الحيوان. وأكّد أن النجاح لا يًقاس بالتكاثر فقط وإنّما بضمان قطيع قابل للحياة على جزء أو كافة منطقة توزيع النوع التاريخيّة، وأن الهدف هو الانتشار على مستوى الظهريّة وهو ما يتماشى مع الإستراتيجية المتوسطية، وفق قوله.

 إطلاق "غزال الأطلس" هي خطوة أولى لإعادة جزء من التنوّع البيولوجي (المصدر: الجمعية التونسية للحياة البريّة)

 

وعلى الميدان، يقول محدثنا إن المحافظة على الحياة البرية تتابع مشروع إعادة التوطين بفاعليّة متواصلة، وفق تعبيره، وذلك عبر المساهمة في كتابة التقارير الدوريّة والزيارات الميدانيّة للمتابعة ونشر المعلومات حولها وهو ما أدّى إلى التعريف بهذا المشروع.

واعتبر أن عملية إطلاق "غزال الأطلس" هي خطوة أولى لإعادة جزء من التنوّع البيولوجي للمنطقة وبالتالي إعادة إحدى حلقات السلسلة الغذائيّة التي انخرمت في منظومتها.

ويضيف أن هذه العملية "ستعطي للمنطقة صورة ذات قيمة مضافة اعتباريّة كبيرة ونوعًا من الوجاهة في ميدان الحفاظ على التراث الطبيعي مقارنة بالمناطق الأخرى والمشاريع المماثلة التي لم تصل إلى هذه المرحلة من الحفظ" مبينًا أنه يمكن، من ناحية أخرى، استغلال هذه الصورة في المستقبل في نوع من السياحة البيئيّة المتوازنة.

اقرأ/ي أيضًا: البلفيدير في تونس.. تاريخ مهمل

حماية التنوع البيولوجي.. مسؤولية جماعية دائمة

لكن دعا الجبالي، في المقابل في حديثه لـ"ألترا تونس"، إلى عدم التسرّع في قطف ثمرة لم تنضج خاصة وأن المشروع مازال في بداياته ولم يتمّ انقاذ الغزال نهائيّا بعد. وفي ذات الإطار، قال إن "صون التنوّع البيولوجي هي مسؤوليّة الجميع لأنّ الحياة البريّة تراث طبيعيّ مشترك لكلّ التونسيين والجميع معنيّ حسب اختصاصه وحدود مسؤوليته".

صون التنوّع البيولوجي هي مسؤوليّة الجميع لأنّ الحياة البريّة تراث طبيعيّ مشترك لكلّ التونسيين والجميع معنيّ حسب اختصاصه وحدود مسؤوليته

وبيّن أن الإدارة العامّة للغابات وظّفت عديد الحرّاس الجوّالة في المحميّة للمراقبة والحراسة، كما ركّزت الجمعيّة التونسيّة للحفاظ على الحياة البريّة على الجانب التوعوي بنشر المعلومات حول تقدم المشروع والتحسيس بأهميته، بالرغم من محدوديته المحكومة بالتمويل المحدود جدًا وفق تأكيد محدثنا.

إطلاق "غزال الأطلس" في البرية يمثل حافزًا قويًا لدفع السياحة البيئية (المصدر: الجمعية التونسية للحياة البريّة)

 

وأكد توجه الجمعيّة التونسية للحفاظ على الحياة البرية على استنساخ مبادرات أخرى مماثلة، لكن بعد التأكد من مآلات هذا المشروع بعد إطلاق الغزال في البريّة وتفاعل المواطنين لا سيما من تهديدات الصيد الجائر. وكشف أن نجاح المشروع سيكون حافزًا لنقل التجربة في مناطق اخرى مثل "جبل برقو" وهو الهدف الاستراتيجي للمشروع بحسب الجبالي.

من جهته، قال المعتمد الأول بولاية سليانة عماد القاطري إن التجربة ناجحة على جميع الأصعدة انطلاقًا من تأقلم الغزال وتكاثره بالمنطقة. وأشار في تصريح لـ"الترا تونس" إلى الديناميكية الإيجابية التي سيخلقها المشروع في المنطقة من خلق مواطن شغل وتنشيط للسياحة البيئية، وقد حدثنا عن دراسات متقدمة لإعادة توطين أنواع أخرى خاصة منها "الأروية المغربية".

وفي السياق ذاته، رحّب الدليل السياحي ربيع زروق بتجربة إطلاق "غزال الأطلس" في البرية وقال إنه حافز قوي في دفع السياحة البيئية وإضفاء خصوصية على الجهة، واستقطاب نوعية جديدة من السياح وخاصة منهم أولائك المهتمين بالبحث العلمي.

عماد القاطري (المعتمد الأول بولاية سليانة) لـ"ألترا تونس": سيساهم المشروع في المنطقة في خلق مواطن شغل وتنشيط السياحة البيئية

وأضاف، في حديثه معنا، أن تكاثر هذا الغزال الذي وجد نفسه في مكانه الطبيعي سيمّكن من ظهور غطاء نباتي وبالتالي تنوعًا حيوانيًا خاصّة بالنسبة لأنواع أخرى من الطيور.

وتتميّز منطقة جبال سليانة بغطاء نباتي فريد في تضاريس صخرية يبلغ ارتفاعها 1357 م، ووفرة للعيون الجبلية لتبقى عاملًا مساعدًا على انتشار وتكاثر هذا النوع من الغزال وأنواع أخرى في حال نجحت المجموعة الوطنية في التصدي للتهديدات الطبيعية كالحرائق أو التهديدا البشرية أي الصيد الجائر.

هي مسؤولية وطنية نابعة من زرع الوعي بأن البيئة الملائمة للعيش هي البيئة المتنوعة مكوناتها والمتوازنة وليست تلك التي يسمح البشر بتطويعها والتعدي عليها من أجل مصلحته الفردية والخاصة دون وعي بانعكاسات اختلالها على الاستدامة وحقوق الأجيال القادمة في الحياة.   

ونشير، بالنهاية، إلى أنه لم يتسنى لـ"الترا تونس" الحصول على تصريحات أو معلومات حول هذا المشروع من الإدارة العامة للغابات رغم تقديم طلب كتابي لم يُرد عليه بالرفض أو بالقبول.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عصافير نادرة في المزاد.. إطلالة على سوق الطيور بسوسة

تربية الأسماك في تونس: قطاع واعد ومخاوف صحية وبيئية