05-مارس-2018

يشتكي هواة الصيد في تونس من عدم منحهم تراخيص بنادق الصيد (صورة تقريبية/حسان عمار/أ.ف.ب)

مواطن قَتَل صديقه ببندقية صيد على وجه الخطأ خلال حفل زفاف بمعتمدية العيون في محافظة القصرين سنة 2016، ومواطن آخر عمره 55 سنة لقي حتفه إثر طلق ناري من بندقية صيد كان يمسك بها شاب وهو يرقص في حفل زفاف آخر بمحافظة القيروان، فيما تحوّل حفل زفاف ثالث في منطقة عين مازن بمحافظة الكاف إلى مأتم، بعدما أطلق أحد المدعوين الذي كان يرقص ببندقية صيد النار عن غير قصد ليقتل امرأة ويصيب 11 شخصًا بجروح. جميعها حوادث من بين العشرات التي وقعت خلال السنوات الأخيرة ببندقيات صيد على وجه الخطأ في عدّة مناطق بتونس.

كما عرفت السّنوات الأخيرة جرائم قتل عمد باستعمال بنادق الصّيد، على غرار الحادثة التي جدّت في تستور من محافظة باجة، حين عمد شاب إلى قتل صديقه بإطلاق النار عليه من بندقية صيد بعد خلاف حول فتاة. بل واُستعملت هذه البنادق أيضًا خلال نشوب خلافات بين بعض القبائل والعروش في الجنوب التونسي. لتتكرّر بذلك الحوادث التي استندت عليها وزارة الدّاخلية لتتشدّد في منح رخص امتلاك بنادق الصيد حتى وإن توفرت الشروط في طالبيها وفق ما يؤكد عديد هواة الصّيد.

أدى تكرار الحوادث باستعمال بنادق الصّيد في تونس لتشدّد وزارة الداخلية في منح رخص امتلاكها

اقرأ/ي أيضًا: تهريب الصقور.. تجارة سرية تهدد ثروات تونس

ماذا يقول القانون بدايةً حول استعمال الأسلحة؟

لا يمكن وفق القانون عدد 33 لسنة 1969 المتعلّق بضبط توريد الأسلحة والاتّجار فيها ومسكها وحملها، أن يرخّص بكسب السلاح أو مسكه للمحجور عليهم أو القصّر الذين لم يبلغ عمرهم عشرين سنة، أو للمحكوم عليهم من أجل جريمة تهم الحق العامّ. ويبين القانون أنّ هذا الحرمان يكون أبديًا بالنسبة للمحكوم عليهم من أجل جناية، و"يزول بعد مضي خمس سنوات من تاريخ انقضاء العقوبة بالنسبة للأشخاص المحكوم عليهم من أجل جنحة ما عدا الجنح غير القصدية".

كما يضيف القانون أنّه "لا يمكن لكلّ من تلقى علاجًا بمستشفى الأمراض العقلية كسب أو مسك السلاح أو الذخيرة إلا إذا أدلى بشهادة من طبيب اختصاصي في الأمراض العقلية تثبت سلامة عقله" فيما بيّن نصّ القانون أنّ "جلب الأسلحة والذخيرة دون رخصة أو من أي نقطة غير مراكز الحدود يعاقب عليها بالسجن لمدّة تتراوح بين الستة أشهر والثلاث سنوات وبخطية من 30 إلى 2000 دينار (من 13 إلى 835 دولار)، أو بإحدى هاتين العقوبتين". وتُعتبر وزارة الداخلية الجهة المخوّل لها قانونًا إسناد رخص بنادق الصيد.

وزارة الداخلية والهاجس الأمني

دائمًا ما تواجه وزارة الداخلية انتقادات كبيرة بسبب تشدّدها في منح رخص امتلاك بنادق الصيد، مخافة توظيفها في أعمال إجرامية أو إرهابية. لا سيما وأنّ الوزارة حجزت أكثر من مرّة بنادق صيد في ورش عشوائية يقوم أصحابها بإدخال تغييرات عليها. فيما أحبطت عشرات عمليات تهريب بنادق الصيد من وإلى ليبيا أو من وإلى الجزائر.

بلغت الانتقادات تجاه وزارة الداخلية البرلمان التونسي منذ سنة 2012 الذي دائمًا ما يوجّه نوابه أسئلة لوزراء الداخلية خلال جلسات مساءلة حول هذا الملف. وفي هذا الإطار، أشار وزير الداخلية السابق الهادي مجدوب، في جلسة برلمانية، إلى وجود 45 ألف رخصة حمل بندقية صيد، مؤكدًا أنّ العدد الحقيقي لبنادق الصيد في تونس أكبر بكثير، نظرًا لتزايد التجارة غير القانونية لهذا النوع من السلاح في تونس وليبيا والجزائر، خاصة بعد إحباط عمليات تهريب كمّيات كبيرة من بنادق الصيد من وإلى هذه الدول.

وفي ذات السياق، أكّد الهادي مجدوب، في نفس الجلسة البرلمانية التي انعقدت في شهر شباط/فبراير 2017، وجود 50 ألف مطلب للحصول على رخصة حمل بندقية صيد، مضيفًا أنّه منذ سنة 2012 تمّ إحداث لجنة تضمّ ممثلين عن الإدارات العامّة المعنية صلب الوزارة لإبداء الرّأي في المطالب. وقد تولت اللّجنة حينها الموافقة على 464 ملف إسناد رخص بنادق صيد وفق تصريحه للنوّاب.

ولتقصّي الموضوع، اتّصل "ألترا تونس" بالناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية خليفة الشيباني الذي أفاد أنّ وزير الداخلية لطفي براهم أكد خلال جلسة برلمانية نهاية شهر كانون الثاني/يناير الماضي أنّه تمّ تكوين لجنة صلب الوزارة بالتعاون مع ممثلي وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري لدراسة المطالب. وأضاف أنّ الوزارة تلقت 43 ألف مطلبًا، ولكن سيتمّ إسناد الرخص "وفق معايير مضبوطة"، وفق تصريحه لنا.

اقرأ/ي أيضًا: مائدة يوغرطة.. تاريخ تونس القديم المرشح للائحة التراث العالمي

هواة الصّيد يتذمّرون!

أدّى هذا التشدّد لتذمّر هواة الصّيد، ويشير، في هذا الإطار، عبد الحميد فتوش عن التنسيقية الوطنية للدفاع عن هواة الصيد لـ"ألترا تونس" إلى أنّه تقدّم منذ أكثر من خمس سنوات بطلب إلى وزارة الداخلية للحصول على رخصة امتلاك بندقية صيد لكنّه لم يتلقّ أيّ ردّ بالرفض أو القبول رغم توفر الشروط لديه واستظهاره بكل الوثائق المطلوبة وفق تأكيده. وأضاف أنّه تفطّن إلى حصول آخرين على تلك الرخص رغم تقديم مطالبهم منذ أشهر فقط، وهو ما يطرح التساؤل عن المقاييس المعتمدة في دراسة المطالب وفق قوله.

كما أشار محدّثنا إلى أنّ التحجج بالظروف الأمنية التي تمرّ بها البلاد ومحاربة الإرهاب ليس إلا مجرّد حجج واهية، حيث قال إنّ: "بعض العناصر الأمنية والعسكرية المغرمة بالصّيد رفضت مطالبها أيضًا في الحصول على رخصة امتلاك بندقية صيد".

يتحدّث هواة الصّيد في تونس عن وجود محسوبية ورشوة في إسناد رخص امتلاك بنادق صيد

كما أكّد فتوش أنّ الوزارة في كلّ جلسة مساءلة عن الموضوع تفيد بإحداث لجنة ستنظر في الموضوع دون تسجيل أيّ تقدم في الأمر، مضيفًا أنّ: "المحسوبية والرشوة باتت تحكم إسناد رخص امتلاك بنادق صيد، خاصّة بعد حصول مقرّبين من شخصيات نافذة على تلك الرخص أيامًا فقط بعد إيداع ملفاتهم بالوزارة" وفق تأكيده.

ويبدو أنّ التشدّد في منح رخص بنادق الصيد أنعش السوق السوداء والاتّجار غير القانوني ببنادق الصيد وتهريبها إلى الدّول المجاورة، حيث لجأ مئات هواة الصيد البرّي إلى شراء بنادق صيد من السوق السوداء التي تصل فيها أسعار البنادق إلى 3 آلاف دولار، وفق ما يشير إليه الشاب كمال الذي تحدّث إليه "ألترا تونس". وأكّد محدّثنا أنّه يمارس هواية الصيد منذ ثلاث سنوات دون الحصول على رخصة امتلاك بندقية صيد، حيث سبق وأن قدّم منذ خمس سنوات مطلب حصول على رخصة، لكنّه لا يزال ينتظر كغيره من الآلاف ممن قدموا ملفات إلى الوزارة.

كما أشار إلى أنّ الوزارة توافق على توريث رخص امتلاك بنادق الصيد لمن ورث بندقية عن والده أو جدّه والحال أنّه قد يكون غير مهتم بالصيد. في المقابل، تحرم آلاف الشباب من ممارسة هوايتهم.

وقد دفع تأخّر الرّد على المطالب طيلة السنوات الأخيرة هواة الصيد البري إلى تنفيذ عشرات الوقفات الاحتجاجية أمام قصر الحكومة بالقصبة أو أمام البرلمان، للمطالبة بالتسريع في النظر في مطالبهم. وشهدت بعض تلك الوقفات الاحتجاجية مشاركة الفلاحين الذين باتوا يطالبون بدورهم برخص امتلاك بنادق الصيد لحماية ممتلكاتهم ومحاصيلهم من السرقات خاصّة في المناطق الريفية والحدودية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس.. وثائق جديدة حول استغلال المستعمر الفرنسي للثروات الباطنية

 الشرطة البيئية أخيرًا في تونس.. الأمر بالنظافة والنهي عن التلوث!