27-ديسمبر-2017

نتيجة انتخابات دائرة ألمانيا، مثلت زلزالًا سياسيًا في تونس (الأناضول)

أحدثت نتيجة الانتخابات البرلمانية الجزئية في تونس بدائرة ألمانيا، بفوز المستقلّ ياسين العياري على حساب مرشّح الائتلاف الحاكم، زلزالًا في المشهد السياسي، ما زالت ارتداداته مستمرّة بعد زهاء أسبوع من إعلان النتيجة، بين إعلان حركة نداء تونس التي تقود الائتلاف الحاكم نيتها مراجعة تحالفها مع حركة النهضة، ودلالات فوز مرشّح من "الشباب الثوري" غير المتحزّب.

تدني المشاركة في الانتخابات التونسية بدائرة ألمانيا، تكشف فقدان الناخبين لثقتهم بالطبقة السياسية، ما يهدد الديمقراطية الناشئة

فيما قد تكشف في الأثناء نسبة المشاركة المتدنية التي بالكاد تجاوزت عتبة 5% عن فقدان الناخبين الثقة في الطبقة السياسية، في ظل خشية انتكاسة مشابهة في الانتخابات البلدية في آيار/مايو القادم، قد تهدد سلامة الديمقراطية الناشئة في البلاد.

في البداية.. لماذا انتخابات جزئية في ألمانيا؟

حينما أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد، تعديلًا على تشكيلته الوزارية في بداية شهر أيلول/سبتمبر المنقضي، بدا مفاجئًا تعيين البرلماني عن نداء تونس، حاتم الفرجاني، كاتبًا للدولة مكلفًا بالدبلوماسية الاقتصادية، وهو ما يعنيه من شغور المقعد الممثّل لدائرة ألمانيا، وهي الدائرة الانتخابية الممثّلة بمقعد وحيد بما يستلزم شغوره تنظيم انتخابات جزئية. وتزايد التساؤل خاصّة مع تزامن التعديل الوزاري حينها مع أزمة هيئة الانتخابات في ظلّ فشل الائتلاف الحاكم على الاتفاق على تسمية رئيسها.

اقرأ/ي أيضًا:  مقعد ألمانيا.. ملهاة جديدة في تونس

غير أنّه لم تمرّ إلا بضعة أيام حتى تبيّن بأن شغور مقعد دائرة ألمانيا ليس إلا عملية مدبّرة من حركة نداء تونس بهدف تصعيد مديرها التنفيذي ونجل رئيس الجمهورية حافظ قائد السبسي، وذلك من بوّابة ألمانيا، وإن كان السّبسي الابن لا يمتّ بصلة للناخبين المقيمين في ألمانيا، وبشواغلهم. وأعلنت وقتها حركة النهضة، الشريكة في الائتلاف الحكومي، عدم تقديم مرشّح باسمها، فيما بدا تزكية مبكّرة لمرشّح النداء. وتوجّه وقتها فعلًا السّبسي الابن وحاشيته إلى ألمانيا لجسّ النبض، ولكن يبدو أنه أخذ بالنصائح التي طالبته بعدم الترشّح، خاصة مع تصاعد التحذير من سيناريو التوريث.

في النهاية، قدّم حزب نداء تونس مرشّحًا غير معروف، وأعلنت حركة النهضة دعمها له، وكان ثمة اعتقاد بأن مرشّح أكبر حزبين في البلاد، واللذين تحصلا معًا على أكثر من 75% في ألمانيا في انتخابات 2014، هو في طريق مفتوح للفوز بالمقعد. ولكن بالنهاية، كانت النتيجة بمثابة الزلزال المباغت، حيث يفوز مدوّن مستقل يتبنّى خطابًا "ثوريًا"، يصفه نداء تونس بأنه "فوضوي". لتصبح دائرة ألمانيا، بمقعدها الوحيد، سببًا في خلط الأوراق، فارضةً على كل طرف سياسي مراجعة حساباته. 

النهضة والنداء.. خلط للأوراق من جديد؟

ظهر نداء تونس هو الخاسر الأوّل من الانتخابات الجزئية التي اختار الحزب بنفسه الذّهاب فيها، غير أن خسارة حركة النهضة لا تقلّ درجة، حيث صُوّبت إليها السّهام من كل جهة، فقد اتهم النداء شريكه بخيانته بعدم تصويت القواعد النهضوية النشطة في ألمانيا لمرشّحه،     وبات التوافق الذي يجمع الحزبين منذ نحو ثلاث سنوات على المحكّ، حيث أعلن النداء صراحة نيّته مراجعة علاقته مع حركة النهضة.

من جهته، لم يتردّد حزب مشروع تونس، وهو أكبر أحزاب الموالاة في البرلمان، باتهام النهضية بأنّ ياسين العياري هو مرشحها الحقيقي، رغم أن الأخير يتبنى خطابًا لاذعًا ضد الحركة التي تستند إلى مرجعية الإسلامية. ولم تمرّ بضع أيام بعد الانتخابات حتى  أعلنت حركة آفاق تونس انسحابها من الحكومة، احتجاجًا على قانون المالية، وكان قد انطلق رئيسها ياسين إبراهيم منذ فترة في شنّ حملة ضد النهضة بالدعوة للاصطفاف لهزيمتها في الانتخابات القادمة "لجلبها للمدنية"، وهي تصريحات اعتبرتها النهضة "غير مؤدبة".

ياسين العياري، الفائز في الانتخابات البرلمانية الجزئية بتونس عن دائرة ألمانيا (فيسبوك)
ياسين العياري، الفائز في الانتخابات البرلمانية الجزئية بتونس عن دائرة ألمانيا (فيسبوك)

بذلك، بانسحاب آفاق تونس وقبلها الحزب الجمهوري من الحكومة، وبالتزامن مع تشكيل جبهة برلمانية تقدمية تعتبر النهضة أنها تستهدفها، وإثر هزيمة مرشح النداء الذي بات قياديوه يعتبرون هذه الهزيمة رسالة من ناخبيه بسبب التحالف مع الإسلاميين؛ تخشى النهضة عودة الاستقطاب الثنائي وحشرها في الزّاوية، تمهيدًا لتصفيتها، والعين دائمًا موجّهة نحو سياق إقليمي يدفع نحو استئصال الإسلاميين

ولكن هذه الخشية رغم وجودها، لا تثقل بعد الفعل السياسي للنهضة، التي تعتقد أن رئيس الجمهورية الباجي قائد السّبسي لا يزال يعي أهمية عدم فكّ التحالف معها في سياق محلّي متأزّم اقتصاديًا وحذر اجتماعيًا.

من المستفيد؟

يظهر  حزب حراك تونس الإرادة الذي يرأسه الرئيس السابق، المنصف المرزوقي، أنه هو أكبر المستفيدين من نتيجة الانتخابات الجزئية، باعتبار دعمه المسبق للفائز ياسين العياري المعروف بقربه من الحزب ومن المرزوقي تحديدًا، والذي دعا في أكثر من مناسبة للتّصويت له. ومكّن هذا الفوز الحزب أولًا من الخروج من دائرة التعتيم الإعلامي إلى دائرة الضوء، كما دعّم ثانيًا التموقع السياسي للحزب الذي يقدّم نفسه كنقيض لمنظومة الحكم أو كـ"مضاد للمنظومة".

من التبعات المحتملة للزلزال الذي أحدثته نتيجة انتخابات دائرة ألمانيا، حلّ التحالف القائم بين حزب نداء تونس وحركة النهضة

ولكن هذه الاستفادة لا تحجب الثقل الذي قد يحمله الحراك من فوز العياري، الذي يتبنى "خطاب كراهية يميل للشعبوية" وفقًا لمعارضيه، ولا تتردّد أحزاب بوصفه بأنه "داعشي"، وذلك على خلفية رفعه لراية الخلافة في سياق مظاهرة مضادة لحركة فيمن بباريس قبل سنوات. بذلك، يخشى الحراك أن يزيد ياسين العياري من ترسيخ صورة نمطية طبّعها جزء كبير من الإعلام التقليدي للحراك، كحزب تحريضي وفوضوي معاد للدّولة، خاصة وأن العلاقة ما زالت متوترّة بين فريق واسع من الإعلاميين والمرزوقي منذ فترة رئاسته.

اقرأ/ي أيضًا:  ائتلاف النهضة ونداء تونس.. توافق كامل أم تحالف هشّ؟

وفي حساب الرابحين والخاسرين، يحلّ حزب مشروع تونس، التي توجّه إليه أصابع الاتهام بأنّه الحصان الإماراتي في تونس، إذ تحوّل رئيس الحزب محسن مرزوق إلى ألمانيا، للإشراف على الحملة الانتخابية، غير أنّ ذلك لم يشفع له لبلوغ حتى المرتبة الثالثة في ترتيب النتائج. وتمثل هذه النتيجة صفعة للحزب الذي راهن على هذه الانتخابات لإثبات قدرته على منافسة الائتلاف الحاكم وإظهار نفسه كبديل له.

في الأثناء، قد تحمل نتيجة الانتخابات بعض المحاسن لحزب نداء تونس، فرغم خسارة المقعد، مثلت النتيجة صفعة أو فرصة يسعى الحزب لاستغلالها لترميم نفسه سواء عبر تعديل خطه السياسي أو عبر ترميم بيته الداخلي، وذلك قبيل ستة أشهر من الانتخابات البلدية. وفي هذا الجانب، كشفت أخبار متواترة، عن التوجه نحو تقليص نفوذ بعض الوجوه التي تصدرت واجهة الحزب في الآونة الأخيرة، وعلى رأسها مسؤول السياسات  برهان بسيس،والذي كان يُعرف زمن الاستبداد بأنه الناطق الرسمي باسم نظام ابن علي في الإعلام العربي.

نسبة المشاركة والخشية من نكسة البلديات

هذا ولا تقلّ النسبة المتدنيّة للمشاركة -التي ترقى لمستوى المقاطعة بحوالي 5% فقط- من حيث أهميتها ودلالتها عن هزيمة مرشح الائتلاف الحاكم. حيث صعد النائب الجديد إلى البرلمان بتحصيل أقل من 290 صوت فقط، أي أقل من عُشر أصوات النائب السابق، إذ لم يتجاوز إجمالي المقترعين 1300 ناخبًا، وذلك مقارنة بأكثر من 13 ألف ناخب سنة 2011، وزهاء 7300 نائب سنة 2014.

وتوجد أسباب مباشرة توضّح هذا الانخفاض القياسي، أهمها وجود أربع مكاتب اقتراع فقط في هذه الانتخابات، مقارنة بـ13 مكتبًا في الانتخابات الفارطة، إضافة لموجة البرد في ألمانيا في كانون الأول/ديسمبر، ما صعّب على الناخبين قطع مسافات طويلة للتصويت في انتخابات جزئية من أجل مقعد لن يغيّر من تركيبة المشهد السياسي بكلّ الأحوال. غير أن هذه الأسباب وعلى جديّتها، لا تفسّر لوحدها عدم تصويت 95% من الناخبين، حيث توجد خشية من وجود عزوف شعبي عام من الانخراط في العملية الانتخابية بسبب تراجع الثقة في الطبقة السياسية.

وتكشف أرقام  مؤسسة سيغما كونساي،نشرتها تباعًا خلال الأشهر الثلاث الماضية، أن نسبة المقاطعة في الانتخابات البلدية القادمة قد تكون في حدود 70%، وهي نسبة مرتفعة، وذلك في ظل خشية فقدان الرأي العامّ قدرته على التغيير، بل وتشكيكه في جدوى الممارسة الانتخابية بل وفي جدوى الديمقراطية.

95% ممن لهم حق التصويت بدائرة ألمانيا، عزفوا عن التصويت، مما يجعل من المقاطعة أقرب لصورة المشهد في تلك الانتخابات

يطرح ذلك في الجوهر، تحديات مسار الانتقال الديمقراطي في تونس. ويظلّ الرهان حاليًا في قدرة الطبقة السياسية ومعها هيئة الانتخابات، على توعية التونسيين بأهمية المشاركة في الاستحقاق البلدي القادم، وهو الأول منذ الثورة، خاصة وأن انتخابات آيار/مايو القادم ستمثل الخطوة الأولى لتركيز سلطات حكم محلّي منحها الدستور صلاحيات واسعة لتحقيق التنمية وذلك على خلاف نظام الدولة الممركزة سابقًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تأجيل الانتخابات البلدية في تونس.. ارتداد آخر عن مسار التحول الديمقراطي

الإجابة ليست تونس!