في اليوم الأول من افتتاح الحملة الوطنية لتلقي التلقيح ضد جائحة كورونا، زار "الترا تونس" المركب المندمج الشبابي والرياضي بسوسة، الذي يعتبر مركزًا جهويًا للتلقيح من ضمن 25 مركزًا تتمركز في كامل التراب التونسي.
الثامنة والنصف صباحًا، السبت 13 مارس/آذار 2021، كان المركز كخلية النحل استعدادًا لاستقبال أول الأشخاص المتلقين لتلقيح "سبوتنيك" الروسي، ممرّضون وممرّضات ومتطوّعون عن الهلال الأحمر التونسي وفريق من خبراء المنظومة المعلوماتية وإداريون جهويون في مجال الصحة كلّهم كانوا هناك متجندين لإنجاح هذه العملية، التي ستتواصل على مدى الأيام القادمة لتمكين الآلاف من التونسيين من هذا التلقيح بعد توفر أول دفعة منه قادمة من روسيا.
كانت الترتيبات قد انطلقت منذ أيام وتم تنفيذ عمليات بيضاء لتجربة مدى جاهزية الإدارة الصحية لإنجاح عملية التلقيح على جرعتين. كان في استقبالنا أعوان التمريض ومتطوعون من الهلال الأحمر الذين مكنونا من المطهّر وقيس درجة الحرارة قبل النفاذ إلى مركز التلقيح، ثم تمت مرافقتنا إلى الأروقة المعدّة لعملية التلقيح والتي تم تجهيزها وتأثيثها بالمعدات الضرورية بشكل ييسّر تناول الجرعات ويُراعي أولويات الوقاية الصحية.
وصلت جرعات التلقيح إلى مركز سوسة على الساعة الرابعة فجرًا من مستودعات الصيدلية المركزية ليتم حفظها كما تتم عملية الإحصاء الفوري لكل كمية ورقمنة المخزون وتحيينه جهويًا ومركزيًا
أعتقد أن من الإنصاف أن نتحدث عن عملية تنظيم استثنائية في مركز التلقيح في سوسة، أين تواجدنا وتابعنا العملية، يمكن تشبيهها بتنظيم العملية الانتخابية سابقًا من حيث توفير المواد والإمداد اللوجستي والبشري.
عملية التسجيل والتلقيح بمركز سوسة (ماهر جعيدان/الترا تونس)
اقرأ/ي أيضًا: في أول أيام التلقيح في تونس.. المشيشي يدعو إلى الإقبال بكثافة على التلقيح
وصلت جرعات التلقيح إلى مركز سوسة على الساعة الرابعة فجرًا، حسب ما أبلغنا به محمد الغضباني المدير الجهوي للصحة وذلك من مستودعات الصيدلية المركزية ليتم حفظها في ثلاجات بإحدى الغرف في مركز التلقيح، كما تتم عملية الإحصاء الفوري لكل كمية ورقمنة المخزون وتحيينه جهويًا ومركزيًا، كما يتم ضبط كل المستلزمات الطبية وشبه الطبية لتضمن سلامة المواطن، وفق حديثه لـ"الترا تونس".
لكن رغم الترتيبات السابقة، لاحظنا بعض الاضطراب في المنظومة الإعلامية وطرق استعمالها خلال الساعات الأولى ثم استوى الأمر مع وفود العشرات من المتلقين للتلقيح وهم أساسًا خلال اليوم الأول من الإطارات االطبية وشبه الطبية من اللذين يعملون في الصف الأول في مجابهة فيروس كورونا.
أهم مراحل عملية التلقيح بدأت بالتثبت من صحة المعطيات المقدمة والتسجيل بالمنصة المخصصة لذلك وصولاً إلى عملية التطعيم بالتلقيح ومغادرة مركز التلقيح، مع الإشارة إلى ضرورة الاستظهار ببطاقة التعريف الوطنية عند عملية التلقيح والتذكير بأن عملية التلقيح ستستند أساسًا على التسجيل عبر المنصة والاعتماد على الإرساليات القصيرة للتأكيد على موعد ومكان التلقيح.
ولا يتمّ تطعيم من يصل إلى المركز آليًا إذ أنه خلال عملية التسجيل يتلقى المواطن جملة من الأسئلة التي تخص وضعه الصحي من بينها مدى تأثره بتناول المضادات وهل تتسبب له في أعراض حادة تلزمه المستشفى، وإن كان قد أصيب بكورونا خلال الستة أشهر الماضية وبالنسبة للنساء يتم التأكيد عليهن إن هنّ حوامل أم لا، و حسب ما يتم تسجيله من إجابات يتخذ القرار إما بتناول الجرعة أو تأجيلها بتحديد موعد جديد أو الأمر بعدم وجوب استعماله هذا التلقيح.
لا يتمّ تطعيم من يصل إلى المركز آليًا إذ أنه خلال عملية التسجيل يتلقى المواطن جملة من الأسئلة التي تخص وضعه الصحي من بينها مدى تأثره بتناول المضادات وإن كان قد أصيب بكورونا وإن كانت المرأة حاملًا
بعد إتمام عملية التسجيل، يتم توزيع كلّ 10 مواطنين على وحدة تلقيح تضم ممرّضين اثنين، ثم يتم جلب الجرعات من الثلاجة ليتم تركها حوالي 10 دقائق حتى تصبح سائلاً بعد أن تجمّدت، ومن خصائص تلقيح سبوتنيك الروسي أن العلبة تضم 10 أنابيب كلّ واحد منها يحتوي مقدار جرعة واحدة، فيتم التطعيم بسرعة.
عملية التسجيل والتلقيح بمركز سوسة (ماهر جعيدان/الترا تونس)
اقرأ/ي أيضًا: تفاصيل الاستراتيجية الوطنية للتلقيح ضد فيروس كورونا
وخلال عملية المتابعة، التقى "الترا تونس" الدكتورة حفصية العذاري رئيسة مصلحة الإعلام والبرامج الوطنية بالإدارة الجهوية للصحة بسوسة والتي كشفت عن وصول 600 جرعة لقاح سبوتنيك الروسي فجر السبت إلى سوسة في حين تم استقبال ما يزيد عن 70 عون صحة من ذوي الأولوية في تلقي التلقيح.
وأكدت العذاري أن 206 عون صحة يشرف على عملية التلقيح في ولاية سوسة وقد تم تخصيص 12 مركزًا على مستوى الجهة.
وأشارت لـ"الترا تونس" إلى أن "العديد من أعوان الصحة ممن أرسلنا قائمة لوزارة الصحة في أن لهم الأولوية في التلقيح، لم يقوموا بعملية التسجيل على منظومة "إيفاكس" الالكترونية المخصصة لذلك، فتخلفت أسماؤهم عن المنظومة الالكترونية مما اضطر الإدارة إلى الاتصال بهم وحثهم على استكمال عملية التسجيل، وذكرت أنه من بين 206 عون مكلف بالإشراف لم يسجل فعليًا منهم سوى 77 عونًا فقط في سوسة، كما أنه من بين 3937 عون صحة معنيون بالتلقيح لم يسجل في المنظومة سوى 587 فقط لذا وجب التدارك في أسرع وقت"، وفق تقديرها.
يُذكر أن الإحصاءات الرسمية في حدود الثالث من شهر مارس/ آذار، أشارت إلى أن 38352 مواطنًا بولاية سوسة قاموا بالتسجيل التلقائي في منظومة "إيفاكس"، واعتبرت العذاري أن "هذا الرقم دون المأمول في حين أن هذا المركز الجهوي يستعد لاستقبال 1000 مواطن في اليوم الواحد".
بعد إتمام عملية التسجيل، يتم توزيع كلّ 10 مواطنين على وحدة تلقيح تضم ممرّضين اثنين، ثم يتم جلب الجرعات من الثلاجة ليتم تركها حوالي 10 دقائق حتى تصبح سائلاً
وفي حوار خص به "الترا تونس"، قال الدكتور جلال بوقديدة، مدير مخبر التحاليل بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة، الذي التقيناه عند تلقيه أول جرعة تلقيح بالمركز المندمج فقال "تلقي التلقيح قرار شخصيّ، وما التحاقي بهذا الفوج الأول إلا دلالة بقناعتي التامة بجدوى هذا التلقيح فنحن أكثر الناس إقامة بالمستشفيات بين الفيروسات والمرضى ونتابع الحالات الحرجة ونشاهد الوفيات بأم أعيننا، لذلك فنحن الأشدّ عرضة للإصابات الفيروسية ففي قسم التحاليل الذي أشرف عليه أصيب ثلاثون عون صحة من بين أربعين يعملون فيه، وشخصيًا أعتبر أن التلقيح قد غيّر مستوى الصحة البشرية في الأرض، وهو من أكبر الثورات في الصحة، لذلك قررت تلقي هذه الجرعات اجتنابًا لحالة صعبة قد أشهدها".
وأضاف مدير مخبر التحاليل بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة "تعميم التلقيح على العموم في العالم يعني ضرورة أنها يتوفر الحد الأدنى من الضمانات الصحية والحماية ويبقى تقييم نجاعة كل دواء غير ممكن إلا بعد مروره بالمراحل الأساسية للتجربة وينتفع به الملايين من البشر، وفي الوقت الحاضر يمكن اعتبار التمشي في إجراء التلقيح ناجعًا ووفق ما هو متوقع من العلماء".
وأوضح "هناك إشكالية وحيدة تخص لقاح استرازينيكا بخصوص آثاره الجانبية في انسداد الأوعية ولكن لا تزال تخضع للتثبت وغير مؤكد ما يروّج من آثار ودليل ذلك الاستمرارية في تناول جرعات منه في فرنسا و انجلترا وألمانيا، وخلال الأيام القليلة القادمة ستكون التقارير جاهزة ويمكن تبيّن الخيط الأبيض من الأسود في هذا الموضوع".
عماد شوشان، طبيب مختص في قسم الإنعاش بالمستشفى الجامعي بسوسة لـ"الترا تونس" بعد تلقيه جرعة التلقيح: "نحن الأطباء لابد أن نقدّم المثال للمواطنين"
عماد شوشان، أستاذ مبرز في الانعاش الطبي وطبيب مختص في قسم الإنعاش بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة، تحدث لمراسل "الترا تونس" بعد تلقيه جرعة التلقيح: "نحن الأطباء لابد أن نقدّم المثال للمواطنين بأن تلقي التلقيح مهمّ ومرحلة أساسية في التغلب على هذا الفيروس وندفع نحو التسجيل بمنظومة "إيفاكس"".
وأضاف شوشان "لقد خسرنا خلال الأشهر الأخيرة أحباء لنا في المستشفيات وشهدنا موتهم ولم نكن لنقدر على فعل شيء، العديد منهم من ضمن أصدقائي وزملائي تقبلهم الله برحمته بعد معاناة مع هذا الفيروس اللعين. نحن نرى الموت يلفهم في حين، لذلك أدعو بشدة لتلقي اللقاح حتى نبعد عنا الخوف ونعود من جديد إلى الحياة العادية".
أملاً في أن يكبح التلقيح جماح فيروس كورونا، تبقى تونس في حاجة إلى التخفيض من عدد الإصابات و الوفيات إذ بلغت حصيلة كورونا في تونس لغاية اليوم أكثر من 240 ألف إصابة وقرابة 8400 وفاة منذ بدء تفشي الوباء، كما أن تأخر تلقي اللقاحات قد قلّص من ثقة المواطن في مؤسسات الدولة وفي الفائدة من التلقيح والإقبال على التسجيل في المنظومة المخصصة لتلقيه.
عملية التسجيل والتلقيح بمركز سوسة (ماهر جعيدان/الترا تونس)
اقرأ/ي أيضًا:
وزير الصحة: "الآثار الخطيرة للتلقيح قليلة جدًا وهي مرتبطة بحالات الحساسية"