22-مارس-2017

مشروع قانون المساواة في الميراث في تونس، هل ينصف التونسية؟ (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

"حان الوقت لإقرار المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الميراث"، هكذا أعلنت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات عن دعمها لمشروع قانون لتحديد منابات الميراث يمكّن المرأة من الحصول على نصيب متساوٍ من الميراث مع الرجل. ولعلّ الحديث عن نظام توزيع الميراث دائمًا ما يكون مثار جدل بين الجمعيات الحقوقية والنسوية من جهة ومخالفيهم ممّن يطالبون بضرورة الالتزام بالقواعد الحالية لتوزيع الميراث والمستمدّة من الفقه الإسلامي في معظمها.

مشروع قانون لتحديد منابات الميراث يمكّن المرأة من الحصول على نصيب متساوٍ من الميراث مع الرجل، مطروح في تونس للنقاش

حيث تم تقديم مشروع قانون تحديد نظام المنابات في الميراث من طرف 11 نائبا في البرلمان بقيادة النائب المستقل المهدي بن غربية الذي يتولّى حاليًا وزارة حقوق الإنسان والعلاقات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني. وقد أثار هذا المقترح، الذي انطلق البرلمان التونسي في مناقشته في الخريف الماضي، جدلًا بين فريق يعتبره ضرورة لإتمام تطابق النصوص التشريعية مع النص الدستوري والواقع المجتمعي، وفريق آخر يرفضه إما بعنوان عدم ملائمته مع المنظومة القانونية في البلاد أو بعنوان تعارضه مع الشريعة الإسلامية.

اقرأ/ي أيضًا: المساواة بين الجنسين في الميراث..قريبًا في المغرب؟

لا ينصّ مشروع القانون كما يتبادر للذهن من الوهلة الأولى على الإلزام بتناصف الميراث بين الرجل والمرأة من نفس المرتبة، ولكنه يجعل التناصف القاعدة التي يجوز للأطراف الاتفاق على خلافها. وبذلك يمثل هذا القانون تحولاً جذريًا مقارنة بالقانون الساري الذي ينص على قاعدة آمرة ومُلزمة وهي حصول الأنثى على نصف مناب الذكر من نفس المرتبة.

حيث ينصّ الفصل الأول من المشروع أنه "في غياب أي اتفاق صريح ومكتوب مخالف بين الورثة، تُقسّم التركة باعتماد التساوي في المنابات بين المرأة والرجل عند التساوي في الوضعيات". حيث ينقل هذا الفصل نظام المناب بين ذوي نفس المرتبة من قاعدة آمرة لا مجال فيها للتناصف إلى قاعدة تكميلية الأصل فيها التناصف مع إمكانية الاتفاق بين الورثة على الالتزام بخلاف ذلك، أي الانتقال من الصبغة الإلزامية في توزيع الميراث إلى الصبغة الاختيارية. وهو يشمل الميراث بين الإخوة وليس بين الأزواج.

وفي ورقة شرح الأسباب، أكّد النواب أصحاب المقترح بداية على النهج الإصلاحي التونسي المجسّد منذ القرن التاسع عشر، حيث إن تونس هي أول بلد ألغى الرق وصاغ دستورًا في الوطن العربي والعالم الإسلامي. وقد استعرضت الورقة مسيرة رجال فكر تركوا بصمتهم في الفكر الإصلاحي على غرار الطاهر الحداد والطاهر بن عاشور، ومسار تفعيل هذا الفكر خاصة بعد الاستقلال من خلال مجلة الأحوال الشخصية التي تم تنقيحها تباعًا لتقرّ بمبدأ المساواة في رئاسة العائلة، وكذلك بعد الثورة من خلال إقرار مبدأ التناصف والتناوب في الانتخابات، ومن ثمّ ما تمّ تضمينه في الدستور. حيث يلزم الفصل 46 الدولة بـ"حماية الحقوق المكتسبة للمرأة" والعمل على تطويرها وتدعيمها. ليكون هذا المقترح بذلك "تفعيلًا" لمقتضيات هذا النص الدستوري.

تختلف أجهزة الدولة حول مشروع قانون المساواة في الميراث فبينما رفضته دار الإفتاء، دعمته وزارة المرأة في تونس

ويشبه البعض مقترح القانون بالحجارة المقذوفة في المياه الرّاكدة ذلك أنه يسترصد تغييرًا جوهريًا في منظومة الميراث المستمدّة من الفقه الإسلامي. وللمفارقة، يتقاسم الفريقان المتخالفان عناوين حججهما، فبنية المجتمع تمثل حجة مشتركة بينهما. يدفع الفريق الداعي لتطبيق المساواة في الإرث بأن المجتمع التونسي شهد تطوّرًا مع خروج المرأة للعمل وتحملها لنفقات الحياة. وفي هذا الجانب، أعلنت جمعية النساء الديمقراطيات في جلسة استماع بالبرلمان بأن الزوجة التونسية تساهم بنسبة 45% في ميزانية العائلة. وفي المقابل، يؤكد الفريق الآخر بأن الزوج هو الملزم بالإنفاق على العائلة، وبالتالي يظل هو صاحب الأعباء المالية.

من جانب آخر، يمثّل الدّستور مهربًا لكل فريق للدفع بدستورية طرحه. يستند الدّاعمون لمشروع القانون في طرحهم على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، في حين يهرع الفريق الآخر للجوء لتوطئة الدستور التي تشير للتمسّك بـ"تعاليم الإسلام".

اقرأ/ي أيضًا: المناصفة والحد من العنف.. أهم الوعود للمغربيات

ولعلّ ما يُلاحظ بمناسبة تناول هذا المشروع هو خفوت الحمولة الأيديولوجية في مناقشته لدى الفاعلين السياسيين على الأقل، بما يعكس عن حالة نضج وهو ما يعني تجاوز حالة الصراع الهووي في السنوات الأولى بعد الثورة مقارنة بالفترة الحالية ولو جزئيًا. حيث مثل "الدستور الوفاقي" أرضية مشتركة جعلت النقاش حول هذا المشروع هادئًا.

ولعلّ ما ساعد على هذه الأجواء هو عدم وحدة موقف أجهزة الدولة، فبينما أعلنت دار الإفتاء رفضها لمشروع القانون، أعلنت وزارة المرأة دعمها له، مع تأكيدها على أهمية فتح نقاش مجتمعي عميق حول هذه المسألة.

غير أنه حسب المزاج الشعبي العام، ووفق التوازنات في البرلمان، يبدو أن مشروع القانون لا حظوظ لاعتماده، خاصة وأنه تم تعليق النظر فيه في البرلمان لأولوية قوانين أخرى ذات صبغة استعجالية. ولكن بالنهاية، مثّل طرحه والانطلاق في مناقشته في الطبقة السياسية والثقافية بادرة إيجابية، على أمل تعميق هذه النقاشات مجتمعيًا بعيدًا عن منطق الإقصاء والتحريم والاتهام سواء بـ"الرجعية" أو "التغريب".

اقرأ/ي أيضًا:

10 أحكام مميّزة لدستور العائلة التونسية

الحركة الشبابية ومهماتها التونسية