وسط التجمعات السكانية والأحياء العشوائية، تنتشر آلاف مخازن البنزين المهرّب في عدّة مناطق خاصة الواقعة على الحدود بين تونس والجزائر أو ليبيا. هي مخازن قد تهدد أحياء كاملة بالزوال في حال انفجارها لا سيما وأنّها موجودة بعدد كبير في بعض الأحياء. فكلّما تصاعدت أزمة الوقود في تونس، كلّما اتسعت دائرة هذه المخازن العشوائية شيئًا فشيئًا لتنتشر آلاف اللترات من البنزين المهرّب في عدّة أحياء بالقصرين وبن قردان والكاف وجندوبة وقبلي وتوزر وغيرها من المناطق التي تنشط فيها تجارة المواد البترولية المهرّبة.
كريم (36 سنة)، أصيل منطقة بن قردان، يعمل كغيره من مئات الشباب بالمنطقة في بيع البنزين المهرّب، وقد حوّل المخزن الخلفي لبيته إلى محلّ لخزن كميات كبيرة من البنزين. يبدأ عمله يوميًا منذ الساعة الخامسة صباحًا وأحيانًا أبكر بكثير ليبيع البنزين إلى عابري الطرق، على اعتبار أن أغلبهم يستعملون البنزين المهرب كونه أقل ثمنًا مما يباع في محطات البنزين.
تنتشر تجارة البنزين المهرّب في المناطق الحدودية لتونس سواء مع ليبيا أو الجزائر (مريم الناصري/ألترا تونس)
اقرأ/ي أيضًا: رأس جدير.. بوابة مشاكل لم تجد لها الحكومة التونسية حلًا
ويعتبر البنزين المهرّب بالنسبة لهذه المنطقة أول مورد رزق لشبابها، إذ ينشط حوالي 4 ألاف من سكانها في التهريب والتجارة الموازية أي بنسبة 20 في المائة من السكان القادرين على العمل في المنطقة حسب تقرير سابق للبنك الدولي. وينشط الشباب في تجارة البنزين سواء عبر تهريبه من ليبيا نحو بن قردان أو المناطق المجاورة، أو بيعه على الطرقات عبر مخازن منتشرة في كامل المنطقة وعلى الطرقات الرئيسية.
ويبيع كريم البنزين المهرّب منذ أكثر من 15 سنة كأغلب شباب المدينة كما يقول، وهو يقتني بضاعته من مهربي البنزين ليخزّنه في محل كبير خلف بيته. وعن خطر تخزينه قرب المحلات والتجمعات السكانية، يقول محدثنا إنّه لا يشكل خطرًا كبيرًا على اعتبار أخذ احتياطات من كل ما قد يؤدي إلى اندلاع حريق بمخازنهم أو تعريض أنفسهم وغيرهم للخطر، وفق تأكيده.
يبيع كريم البنزين المهرّب منذ أكثر من 15 سنة كأغلب شباب بنقردان وهو يقتني بضاعته من مهربي البنزين ليخزّنه في محل كبير خلف بيته
رغم أنّه لا يتوجس من خطر قد يحدق به وغيره في أي لحظّة، إلاّ أنّ أحداث انفجار مخازن البنزين تكررّت خلال السنوات الأخيرة وفي مناطق مختلفة، خصوصًا تلك الموجودة على الحدود وينشط فيها تهريب المواد البترولية. ففي أفريل/نيسان 2019، تمكنت وحدات الحماية المدنية بقبلي من إخماد حريق اندلع في محل لبيع البنزين المهرب بطريق توزر، وتسببت النيران في احتراق المحل بأكمله ومحل مجاور وسيارتين وفي تصدّع جدران واحتراق جزئي منزلين.
فيما تسبب حريق نشب في مارس/آذار 2012 بمخزن لبيع البنزين المهرب بمنطقة النزلة التابعة لمعتمدية قبلي الجنوبية في أضرار مادية كبيرة، إذ طالت النيران محل بيع البنزين والطابق العلوي بصفة جزئية حيث يقطن صاحب المخزن، إلى جانب تضرر المنزل المجاور له. ونتج الحريق، وفق المواطنين، بسبب احتكاك شرارة متطايرة من محلّ حدادة مجاور بأوعية معدّة لنقل البنزين. وفي نفس الشهر المذكور، نشب حريق بمخزن لبيع البنزين في نفطة من ولاية توزر بأحد الأحياء السكنية أيضًا مما تسبب في احتراق كامل المخزن وتضرر المساكن المجاورة.
تتكرّر حوادث احتراق مخازن البنزين المهرّب في عديد المناطق الحدودية (مريم الناصري/ألترا تونس)
فيما شهدت منطقة وادي السدر من ولاية مدنين، في سبتمبر/أيلول 2014، اندلاع حريق في ثلاثة مخازن تحتوي على كميات كبيرة من البنزين المهرب، وقد قدرت كمية البنزين الموجود في هذه المخازن بحولي 120 ألف لتر، مما استوجب إجلاء السكان في المنطقة إلى حين إخماد الحريق والسيطرة عليه قبل الإضرار بباقي المساكن.
اقرأ/ي أيضًا: حينما تصبح الديوانة التونسية ممرًا آمنًا للتهريب!
كما اندلع في سبتمبر/أيلول 2015 حريق آخر أتى على مستودعين لبيع البنزين المهرّب في منطقة فريانة بولاية القصرين، وقد أسفر الحريق عن احتراق منزل صاحب المخزن بالكامل، إلى جانب سيارته وإلحاق أضرار بمنزل أحد الجيران.
هذه بعض حوادث احتراق أو انفجار مخازن بيع البنزين المهرب التي تعلن عنها سنويًا مصالح الحماية المدنية، وهي حوادث تكررت خلال السنوات الأخيرة، شملت بالخصوص المناطق والولايات التي تنتشر فيها مخازن البنزين المهرّب قرب البيوت.
وقد تسببت هذه الحرائق في خسائر مادية وحتى بشرية في بعض الأحيان لاسيما وأنّ أغلب باعة البنزين يخزنون موادهم حذو بيوتهم وفي أحياء سكنية عمومًا، حتى أصبحت هذه المخازن شبه محطات ثابتة في العديد من المدن. وهي ليست، واقعًا، سوى قنابل موقوتة في المناطق السكنية وعلى جنبات الطرقات الرئيسية، تخلو من أي وسيلة للسلامة رغم وجود مواد شديدة الانفجار لا سيما في أوقات ارتفاع درجات الحرارة.
اندلعت حوادث احتراق مخازن البنزين المهرّب في مناطق عدة وخلفت أضرارًا مادية وحتى بشرية لتصبح هذه المخازن كقنابل موقوتة في المناطق السكنية وعلى جنبات الطرقات الرئيسية
وفي هذا الجانب، حدثنا عبد الجبار الورغي، مواطن من بنقردان، عن حادثة احتراق مخزنه سنة 2014، الذي لا يعرف سببه، بعد اندلاع النيران داخل المخزن المعبئ بالبنزين المهرب وهو مقفل. وبينّ، في حديثه لـ"ألترا تونس"، أن هذه الحادثة تسببت في احتراق جزء كبير من بيته والإضرار بثلاث مساكن مجاورة، إضافة إلى تعرضه لبعض الحروق الطفيفة خلال محاولة إخماد النيران.
وأضاف محدثنا أنّ باعة البنزين المهرب في المنطقة لا يملكون بديلًا من أجل تخزين البنزين بعيدًا عن أعين الرقابة، رغم يقينه بخطره الكبير على العائلة وعلى المساكن المجاورة. لكنه أشار إلى أنّ احتراق المخازن ليست إلا حالات نادرة، وفق تعبيره، مؤكدًا أن أغلب مهربي أو بائعي البنزين عادة ما يحتاطون كثيرًا ويتجنبون أي شيء قابل للاشتعال قرب محلاتهم، وإن قد تحدث أحيانًا بعض الهفوات التي تحدث الكوارث وفق قوله.
اقرأ/ي أيضًا: