03-أبريل-2019

مبادرة فردية لصيانة المؤسسات التربوية خاصة بالمناطق الريفية (صفحة كريم بن عرفة)

 

في فترات متباعدة من السنوات الأخيرة، تواترت أنباء عن انهيار أسقف بعض المؤسسات التربوية في عدد من مناطق الجمهورية، ومنذ أيام قررت المندوبية الجهوية للتربية بالمنستير غلق مدرسة ابتدائية بمنطقة المكنين وإلحاق تلاميذها بالمدرسة الإعدادية لتداعيها للسقوط.

وتشكو عديد المؤسسات التربوية في تونس من نقص التهيئة خاصة في المناطق الريفية النائية، وهي مؤسسات بُني أغلبها في الفترة التي عقبت الاستقلال.

وفي وقت الإعلان في مارس/آذار 2019 عن انطلاق تنفيذ برنامج "جيل جديد من الباعثين" لإحداث 100 مؤسسة للصيانة والتعهد بالمؤسسات التربوية وإنتاج محتويات رقمية بمقتضى شراكة بين وزارتيْ التكوين المهني والتشغيل والتربية، تبرز من حين إلى آخر مبادرات فردية لصيانة المدارس سواء من المجتمع المدني أو من بعض المواطنين.

تتعدد المبادرات الفردية والجمعياتية في تونس لصيانة المؤسسات التربوية من بينها مبادرة رجل الأعمال الشاب كريم عرفة

ومن بين المبادرات التي سعت إلى محو تجلّيات "الموت" عن بناءات بعض المؤسسات التربوية في مناطق مختلفة من الجمهورية التونسية، مبادرة رجل الأعمال الشاب كريم عرفة. وكريم  عرفة هو مواطن تونسي صاحب شركة أشغال عامة، انطلقت رحلته مع صيانة المدارس من مدرسة " حطّة الكريب" بسليانة وهي المدرسة التي تلقّى فيها تعليمه، ولم يرقه منظرها الشاحب فقام بدهن حيطانها وفق حديثه لـ"ألترا تونس".

بدأت رحلة كريم بن عرفة في صيانة المؤسسات التربوية من مدرسته في الكريب من ولاية سليانة (فيسبوك)

ومن مدرسة "محطّة الكريب" توجّه عرفة رفقة عدد من العاملين في شركته إلى مدرسة العباسي في نفس المنطقة وقاموا بدهنها، قبل أن يشرف على دهن معهد كسرى من الخارج، ومن هناك بدأت فكرة استغلال الخردة وتحويلها إلى أشياء جميلة، على حد تعبير عرفة.

والمؤسسات التربوية التي شملتها مبادرة التهيئة والصيانة التي يشرف عليها كريم عرفة: المدرسة الإعدادية والمعهد الثانوي بالقصرين، ومدرسة 2 مارس المروج 1، والمدرسة الإعدادية والمعهد الثانوي بالمروج 6، وإعدادية ومعهد قعفور، ومعهد الكريب ومدارس أولاد طالب وعقبة السلوقي ووادي اللوز.

اقرأ/ي أيضًا: صيانة المؤسسات التربوية في تونس: انتفاضة المجتمع المدني وجدل التطوع والمصلحة

وتتراوح أشغال التهيئة والصيانة بين دهن المؤسسات الخارجية وترميم بعض الحيطان والأسقف إلى جانب إصلاح الطاولات والكراسي، ويحرص صاحب المبادرة على أن تشمل المدارس الريفية المنسية، وفق قوله.

ويضيف محدّثنا إنه "يسعى بهذه المبادرة لإدخال الفرح لقلوب أطفال يمشون عشرات الكليومترات ليبلغوا مدارس باهتة لا ألوان وفيها ولا حياة"، معتبرًا أنّ السعادة التي ترتسم في عيون الأطفال بعد تهيئة المدارس تنسيه المجهود الجسدي الذي يبذله في أشغال الصيانة.

يحرص صاحب المبادرة على صيانة المؤسسات التربوية في المناطق الريفية (فيسبوك)

 

ويصف كريم عرفة حالة بعض المدارس التي شملتها مبادرته بالكارثية، معربًا عن أمله في أن يجد الدعم من المجتمع المدني والمواطنين لتشمل الصيانة عددًا أكبر من المؤسسات التربوية المنسية. ويتمنّى عرفة أن ينسج مواطنون آخرون على منواله ليعم الفرح تلاميذ منسيين في مناطق مختلفة من الجمهورية، معربًا عن عدم قدرته على وصف الشعور الذي ينتابه كلما أتم صيانة مؤسسة تربوية ورأى أثر ذلك منعكسًا على وجوه الأطفال .

ويتولّى عرفة صيانة المدارس وتهيئتها مجانًا إذ يرسل فريقًا من العاملين طيلة الأسبوع ويلتحق بهم في عطلة نهاية الأسبوع ويشاركهم في الأشغال، ويصطحب معه ابنه ليعلّمه قيم التطوّع والتضامن والإحساس بمعاناة الآخرين، حسب حديثه لـ"ألترا تونس".

كريم عرفة لـ"ألترا تونس": لا يمكنني وصف الشعور الذي ينتابني كلما أتم صيانة مؤسسة تربوية وأرى أثر ذلك منعكسًا على وجوه الأطفال 

اقرأ/ي أيضًا: فاروق العيشاوي.. شاب قارع البطالة بالعجلات المطّاطية

ويشير محدّثنا إلى أنّه بالإشراف على أشغال تهيئة المدارس وصيانتها والمشاركة فيها، يشعر بمواطنته وإنسانيته في ذات الآن ويضفي متعة خاصة على حياته من خلال عبارات الثناء التي ينطق بها الأهالي وينسى المصاريف الضخمة والتعب الجسدي.

وعن كيفية اختيار المدارس، يقول كريم عرفة إنّ بعض المواطنين يتصلون به ويرسلون إليه صور الطاولات والكراسي المكسورة وهو يلبي نداءهم لإصلاحها، وفي أحيان أخرى يتجوّل بنفسه في المناطق الريفية للبحث عن المدارس. وفي سياق متّصل، يؤكّد عرفة أنّ وزارة التربية لم تتفاعل مع مبادرته، لافتًا إلى أنّه راسل وزارة التربية لتسهيل الدخول للمدارس، وفي المقابل واجه بعض التعطيلات من وزارة التجهيز في علاقة بالمراسلات التي تسبق تهيئة المدارس ناهيك عن جلسات العمل وفريق المراقبة الذي يلازمه، على حدّ تعبيره.

وزارة التربية لم تتفاعل مع مبادرة كريم بن عرفة لصيانة المؤسسات التربوية (فيسبوك)

 

ويشير إلى أنّه يشرف على إصلاح الطاولات والكراسي في المؤسسات التربوية درءًا لأي إشكال وحتّى لا يتّهم باستغلالها لحسابه الخاص، معربًا عن أمله في أن تنخرط شركات وجمعيات في حملة صيانة المؤسسات التربوية لأنه إن واصل العمل لوحده لن تشمل الحملة كل الجهات وفق تأكيده.

ويلفت محدثنا إلى منسوب الضغط الذي يرافق المبادرة خاصة مع استنكار إدارات جهوية للتجهيز بتنزيله صور لحالة المؤسسات التربوية قبل التهيئة وبعدها، داعيًا كل المواطنين إلى الانخراط في المبادرة سواء من خلال المشاركة في التهيئة أو الدعم بمواد البناء والطلاء. وتعدّ مبادرة كريم عرفة درسًا في الإنسانية والمواطنة وبارقة أمل في واقع تحاوطه القتامة، فهو إنسان ومواطن حق بذل من ماله ووقته وجهده ليعيد الحياة لمدارس تسلل إليها "الموت".

بن عرفة تحدث عن استنكار إدارات جهوية للتجهيز تنزيله صورًا لحالة المؤسسات التربوية قبل التهيئة وبعدها (فيسبوك)

 

اقرأ/ي أيضًا:

العودة المدرسية: مدارس منهارة.. ووزارة التربية تخيّر الصمت

عندما ينبض الفنّ من رفراف...