05-يونيو-2018

أرشيف ضخم يغطي نحو 6 عقود من تاريخ البلاد

الترا تونس - فريق التحرير

 

من المنتظر أن تنهي هيئة الحقيقة والكرامة أعمالها خلال الأشهر الستة المتبقية وفق ما أعلنته رئيستها سهام بن سدرين، ولكن ظل السؤال حول مآل أرشيف الهيئة التي استقبلت ما يزيد عن 60 ألف شكاية، ومئات الآلاف من الوثائق والمؤيدات المضمنة بهذه الملفات، والتي نفذت أيضًا لعديد الأرصدة الأرشيفية سواء داخل تونس أو خارجها طيلة 4 سنوات من عملها. إذ تضم الهيئة أرشيفًا ورقيًا هامًا إضافة لأرشيف الكتروني ضخم يُقدر بـ80 ألف جيغابايت. فإلى أي جهة سيذهب هذا الأرشيف؟

اقرأ/ي أيضًا: الأمل الأخير للمحاسبة.. ماذا تعرف عن قضاء العدالة الانتقالية؟

ينصّ الفصل 68 من قانون العدالة الانتقالية أنه باختتام أعمال هيئة الحقيقة والكرامة "تسلم كل وثائقها ومستنداتها إلى الأرشيف الوطني أو إلى مؤسسة مختصة بحفظ الذاكرة الوطنية تحدث للغرض".

في الأثناء، عقدت الهيئة في شهر مارس/آذار المنقضي مؤتمرًا حول العدالة الانتقالية أوصى بإحداث مؤسسة للذاكرة الوطنية لا تقوم فقط بحفظ أرشيف الهيئة ولكن كذلك بالإشراف على أعمال حفظ الذاكرة في مرحلة ما بعد الهيئة. غير أن هذا التوجه يفترض مبادرة تشريعية لم يتم تقديمها وربما لأنه كانت تعلم الهيئة مسبقًا أن عديد الكتل البرلمانية سترفض هذا التمشي، وبالتالي ظلّت إحالة الأرشيف إلى مؤسسة الأرشيف الوطني هي حتمية بالنهاية لطالما عملت هيئة الحقيقة والكرامة على تجنبها ولكن "مكره أخاك لا بطل".

ستحيل هيئة الحقيقة والكرامة أرشيفها إلى مؤسسة الأرشيف الوطني رغم أن الهيئة أرادت إنشاء مؤسسة مختصة لحفظ الذاكرة تحيل إليها أرشيفها الضخم

غير أن هيئة الحقيقة تقول إن القانون الحالي المنظم للتصرف في الأرشيف لا يتلاءم مع خصوصيات العدالة الانتقالية. وفي هذا الجانب، دعا رئيس لجنة حفظ الذاكرة الوطنية بالهيئة عادل المعيزي في لقاء بالبرلمان نهاية ماي/آيار الماضي إلى أن الأرشيف الحالي يحتاج إلى مبادرة تشريعية حتى يتأقلم مع قانون حماية المعطيات الشخصية وقانون العدالة الانتقالية. بل واقترح المعيزي إحالة أرشيف هيئة الحقيقة والكرامة إلى الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية نظرًا لتقاطع المهام بين الهيئتين وفق قوله، ولكن هذا الخيار غير ممكن قانونًا، وهو ما جعل بن سدرين تؤكد في تصريحات إعلامية في الأيام الفارطة أن الهيئة ملتزمة بنقل أرشيفها إلى مؤسسة الأرشيف الوطني التي طالبت في رسالة بتاريخ 23 ماي/آيار هيئة الحقيقة والكرامة بالاستعداد لتسليمها لأرشيفها، وذلك في رسالة بدت مستفزة سواء من حيث مضمونها أو تاريخها الذي جاء قبل أسبوع واحد من انتهاء مدة عمل "الحقيقة والكرامة" الذي أثار تحديده الكثير من الجدل.

اقرأ/ي أيضًا: انتهاكات تونس.. المقاومة مستمرّة لكشف الحقيقة ومنع الإفلات من العقاب

ولكن يبدو أن إحالة الأرشيف ستكون مشروطة، إذ قالت بن سدرين في ندوة صحفية نهاية ماي/آيار أن تسليم الأرشيف لمؤسسة الأرشيف الوطني يخضع تقنيًا إلى التثبت من مدى مطابقة المنظومة الإعلامية لمنظومة الحفظ في الهيئة، خاصة وأن أهم جزء من أرشيف الهيئة هو رقمي. وقد أعلن في المقابل رئيس مؤسسة الأرشيف الهادي الجلاب أن مؤسسته على أتم الاستعداد لاستقبال أرشيف "ألحقيقة والكرامة"، بل وقال إنه يجري التفكير في بعث إدارة متخصصة بأرشيف العدالة الانتقالية.

ولكن يظل في الأثناء السؤال حول الأرشيف المتعلق بالضحايا، إذ تقول الهيئة إنها ستعالج مشكلة النفاذ إليه باستشارة الضحايا الذين قاموا بتأمينها قبل أن يدلوا بشهاداتهم المسجلة بالصوت والصورة في نحو 50 ألف جلسة استماع سرية، لتطرح الهيئة بذلك سؤالًا خفيًا إن ما كان هذا التأمين يعني أن الضحايا يقبلون أيضًا بإحالة "أسرارهم" إلى مؤسسة الأرشيف الوطني.

وتعود، في الواقع، هذه الإشكاليات المتعلقة بإحالة أرشيف هيئة الحقيقة والكرامة إلى مؤسسة الأرشيف للعلاقة المتوترة بين المؤسستين منذ حادثة الأرشيف الرئاسي نهاية 2014. إذ انتقد مدير مؤسسة الأرشيف الهادي جلاب تعامل الهيئة مع المسألة. ثم برز اسم الجلاب، وهو مؤرخ، ضمن الموقعين على العرائض المنتقدة لأداء هيئة الحقيقة والكرامة في ملف الانتهاكات زمن الاستقلال، وقد وجه الجلاب وقتها اتهامًا للهيئة بـ"التلاعب بوثائق تاريخية".

تتصف العلاقة بين هيئة الحقيقة والكرامة ومؤسسة الأرشيف الوطني بالتوتر منذ حادثة الأرشيف الرئاسي نهاية 2014

كما انتقد مدير الأرشيف، في ملف آخر، الهيئة حينما قدمت طلب عروض لإيواء أرشيفها الإلكتروني، وهو ما اعتبره الجلاب خرقًا للقانون، لتصدر الهيئة بلاغًا تبين فيه أن طلب العروض يأتي ضمن صلاحياتها لحماية أرشيفها، وردت بن سدرين عليه بأن الجلاب "قام بزوبعة في فنجان وتعامل باستخفاف" مع المسألة.

وفي خضم الجدل حول إحالة أرشيفها، أعلنت هيئة الحقيقة والكرامة خلال الأسبوع الماضي أنها أمضت اتفاقية مع الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب تتضمن تمكينها من الأرصدة السمعية البصرية المتعلقة بشهادات ضحايا التعذيب بعد موافقتهم، وذلك بالإضافة الى إحالة الملفات الخاصة بالتعذيب الواردة عليها خارج مجال عهدتها. كما كشفت "الحقيقة والكرامة" أنها ستضع موقعها الالكتروني ومواقعها على شبكات التواصل الاجتماعي على ذمة الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، وهي اتفاقية قد تثير تحفظات مؤسسة الأرشيف الوطني.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كمال المطماطي.. الوفاة تحت التعذيب والجثة تبحث عن قبر

قلع أظافر ورصاصة في الرأس.. عن قصة مقتل نبيل بركاتي