الترا تونس – فريق التحرير
دائمًا ما يثير ملفّ الاستقلال وحقيقة العلاقة مع فرنسا الجدل في تونس بعد الثّورة، وآخر حلقات هذا الجدل ما أعلنته رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدين حول الحصول على أرصدة أرشيفية تكشف أسباب تمسّك الفرنسيين بالقاعدة العسكرية في بنزرت وهو ما أدّى لاندلاع معركة بنزرت سنة 1961، وكذلك وجود اتفاقيات تمنح للفرنسيين استغلال ما أسمته خبايا الأرض من ملح وبترول وغيره. ولم ينته الجدل حتى نشرت هيئة الحقيقة والكرامة شريطًا وثائقيًا حول الأهمية الاستراتيجية لقاعدة بنزرت. ليستمرّ الجدل في ملف لا تزال الشكوك حول حقيقته قائمة.
دائمًا ما يثير ملفّ الاستقلال وحقيقة العلاقة مع فرنسا الجدل في تونس بعد الثّورة
اقرأ/ي أيضًا: عيد الجلاء في تونس.. الاحتفاء البارد والجدل الدائم
قاعدة بنزرت في قلب الحرب الباردة
كشف الوثائقي الذي نشرته هيئة الحقيقة والكرامة، والصادر عن الأرشيف السمعي البصري في فرنسا، تفاصيل حول قاعدة بنزرت العسكرية بمناسبة معركة بنزرت سنة 1961، حيث ظهر في هذا الوثائقي الأميرال موريس آمون، قائد القاعدة العسكرية آنذاك، والذي تحدث عن الأهمية الاستراتيجية للقاعدة نظرًا لموقعها في قلب البحر الأبيض المتوسط وفي أقصى شمال افريقيا ما يعني أن كل مسالك العبور تمرّ من أمامها.
غير أنّ أهمّ ما ورد في الوثائقي هو الحديث عن إعداد فرنسا لقاعدة بنزرت كي تكون "واحدة من القواعد القليلة في العالم القادرة أن تلعب دورًا في حالة اندلاع حرب ذرية، والقادرة كذلك على التصدّي لأي هجوم نووي" وفق ما ورد في بلاغ توضيحي للهيئة. كما أفاد القائد الفرنسي أن القاعدة تكتسب أهميتها لأنه تم بناؤها بحفر 100 متر تحت الأرض، حيث تم برمجة بناء 5 إنشاءات تم الانتهاء من اثنين منها، تتضمّن أجهزة اتصال وراديو ورادار يتم من خلالها مراقبة مسالك العبور في البحر الأبيض المتوسط. إذ مثلت بذلك قاعدة بنزرت لدى الفرنسيين مركز قيادة في شمال إفريقيا نحو الشرق، وكذلك محطة خدماتية للسفن الكبيرة للتزود بالذخيرة أو بالوقود.
كشف الوثائقي أن فرنسا أعدّت قاعدة بنزرت العسكرية شمال تونس كي تلعب دورًا في حالة اندلاع حرب ذريّة وكي تتصدّى لأي هجوم نووي
كما اعترف القادة الفرنسيون، وفق ما ورد في الشريط الوثائقي، أن قاعدة بنزرت جاهزة لأي هجوم ذري وهي مضادة للنووي، وبأن جميع المواقع تحت الأرض جاهزة لحمل القنابل الذرية التي تم تجريبها في الولايات المتحدة، وبأن التجهيزات تحت الأرض في هذه القاعدة تجعلها ثاني أهم قاعدة عسكرية في العالم.
بذلك يكشف كلّ ما سبق الأهمية الاستراتيجية لقاعدة بنزرت لدى الفرنسيين وأسباب استيلائهم عليها وهو ما أدى لاندلاع معركة بنزرت سنة 1961 التي أجبرت الفرنسيين على تسليم القاعدة لتونس بعد سنتين.
شركة الملاحات التونسية على الخطّ
في ملف مشابه وبإثارة مسألة وجود اتفاقيات تسمح لفرنسا باستغلال الثروات الباطنية لتونس، دخلت الشركة العامة للملّاحات التونسية "كوتيزال" على الخطّ مؤخرًا، بتأكيد مديرها الفنّي أن فرنسا لا تزال لليوم تستغلّ الملح التونسي بسعر رمزي محدّد منذ ما قبل الاستقلال قيمته فرنك واحد للهكتار. وكشف المسؤول في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية التونسية أنّ تونس لم تنقض العقد سنة 2014، زمن حكومة المهدي جمعة، ليتواصل العمل به حتى سنة 2029.
وما ظهر أكثر غرابة هو ما أكده المسؤول التونسي أن تونس لم تنقض العقد المبرم منذ 1949 رغم أنه يسمح للدولة باسترجاع أراضيها في أي وقت ودون أي تعويضات، ولذلك دائمًا ما توجّه أصابع الاتهام لرئيس الحكومة السابق مهدي جمعة حول هذا الملفّ.
اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعرف عن أحداث الخميس الأسود في تونس؟
ثنائية الاستقلال والجدل
من المنتظر أن يتواصل إثارة ملف الاستقلال والعلاقة بفرنسا خلال الفترة القادمة، حيث أكدت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين أن هيئتها ستنتشر كل الحقائق التي توصّلت إليها للتونسيين. وكانت قد كشفت أن الهيئة تحصّلت على أرشيفات سريّة بطرقها الخاصّة لم يسبق النفاذ إليها.
يُذكر أنّ هيئة الحقيقة والكرامة عقدت في شهر آذار/مارس 2017 جلسة استماع علنية مخصّصة حول ملفّ الاستقلال، وتمّ عرض شهادات لمقاومين يوسفيين وشريط وثائقي كشف عن تواطئ لجان الرعاية المؤيدة لبورقيبة وقتها في دعم القوات الفرنسية في استهدافها للمقاومين في جنوب تونس بالخصوص، وهو ما أثار جدلًا واسعًا باستحضار الجلسة للصّراع البورقيبي اليوسفي.
وثائقي هيئة الحقيقة والكرامة حول الانتهاكات التي شابت خروج الاحتلال الفرنسي وسياقها التاريخي
ويُشار، في هذا الإطار إلى أن قانون العدالة الانتقالية حدّد مجال تدخله الزمني بداية من تموز/يوليو 1955 وهو تاريخ انفجار الصراع داخل الحركة الوطنية في تونس بين الزعيمين الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف، وهو ما تمّ تفسيره بأنّ تلك الفترة هي نواة حدوث الشرخ المجتمعي في تونس ونشأة دولة الاستبداد لعقود.
قرأ/ي أيضًا:
استثناء الجيش التونسي في منطقة الانقلابات.. لماذا استمر في حياده السياسي؟