10-أبريل-2018

يواجه النباتيون سخرية محيطهم الاجتماعي عادة (صورة تقريبية/ Getty)

" لم أكن أستطيع حينها تمييز شعوري، أو معنى إحساسي بالإشفاق على كائن حي، لكن أذكر أنني حين كنت أبلغ من العمر خمس سنوات، كنت أحضن خروف العيد متوسلة أبي بعدم ذبحه. تفطّن أهلي منذ ذاك الوقت إلى تعلقي بالحيوانات، فحرصوا على عدم ذبح أي خروف عيد أضحى أمامي، أو حتى جلبه قبل أيام من العيد. لكن فات الأوان فأنا لا آكل اللحوم منذ ذلك الوقت". هكذا تحدثت لمياء كسابي لـ"الترا تونس"، مضيفة "قد يضحك البعض حين يسمع هذا الكلام مثلما تعودت على ذلك في المناسبات التي أتحدث فيها عن أسباب عدم أكلي للحوم، لكنني لا أستطيع أكل لحوم مخلوقات لها روح وكانت تتنفس فقط لتلبية شهواتنا".

لمياء كسابي (سيدة تونسية) لـ"الترا تونس": لا أستطيع أكل لحوم مخلوقات لها روح وكانت تتنفس فقط لتلبية شهواتنا

لمياء من بين عديد النباتيين الرافضين لأكل اللحوم من منطلق الإشفاق وحب الحيوانات، لكن يوجد آخرون لا يستطيعون أكل اللحوم ولا يحبون مذاقاتها المختلفة فقط، دون أن يتعلق الأمر بالشفقة أو حب الحيوانات. فالنباتية تعني بشكل عام الاعتماد على الأكلات النباتية في النظام الغذائي مع الابتعاد عن المصادر الحيوانية كاللحوم والأسماك والبيض وحتى الألبان.

ولا توجد إحصائية أو دراسة توثق عدد النباتيين في العالم أو في الدول العربية أو في تونس، فهو أمر ذاتي وعادة غذائية فردية غالبًا غير معلنة، وقد يخيّر غالبية النباتيين عدم الإفصاح عن الأمر لتجنب استهزاء الناس وسخريتهم منهم. لكنهم موجودون في كل أنحاء العالم. بل إن بعض الدول خصصت لهم مطاعم تعد الأكلات النباتية، فيما بُعثت جمعيات تدافع فقط عن النباتيين.

اقرأ/ي أيضًا: سوسيولوجيا "المروّب".. طفيليات المرح على قارعة الطريق

يخيّر غالبية النباتيين عدم الإفصاح عن الأمر تجنبًا للسخرية (صورة تقريبية/ Getty)

عائلة سعاد الشرقي (سيدة تونسية نباتية) تلقبها بالدجاجة

"يلقبونني بالدجاجة"..

يلقبونني بـ"الدجاجة" في عائلتي. هكذا تستهل سعاد الشرقي كلامها لـ"الترا تونس" ضاحكة، فهي كما تقول لا تأكل اللحوم منذ كانت في التاسعة من العمر وتكتفي فقط بأكل البقول والخضراوات. تكره مذاق اللحوم بجميع أنواعها ولا تحب حتى رائحتها. وتضيف "في البداية كانت توبخني والدتي كثيرًا فأغلبنا مقتنع بأن اللحوم تعتبر من الوجبات الرئيسية في حياتنا ولا غنى لنا عنها لأسباب صحية. لكن بعد عرضي على طبيب مختص في التغذية قدم جملة من النصائح عن المكملات الغذائية التي تعوض أكل اللحم، اقتنعت عائلتي بالأمر. وأنا أعيش منذ سنوات على الأكلات النباتية وبعض الأنواع من الأسماك فقط".

تشير محدثتنا إلى أن أصعب الأمور التي تواجهها هو اضطراراها للتبرير والإجابة عن أسئلة الناس في عدة مناسبات أو "أفراح" وحتى خلال خروجها مع بعض الأصدقاء. فليس من السهل أن يفهم الغالبية معنى أن تكون نباتيًا، أو معنى أن تقرف من رائحة أو طعم اللحم. كما تلفت سعاد إلى "أنها تشعر غالبًا بالإحراج في المناسبات العائلية، فمن الصعب رفض مشاركة الناس الطعام، لكنني لا أستطيع أن أجامل في مثل هذه الحالات على حساب نفسي".

ويعاني النباتيون بصفة عامة كثيرًا من المصاعب في مجتمعات تعتبر اللحوم من المكونات العامة في أغلب الأطباق الغذائية اليومية. وحتى أنهم لا يجدون مطاعم خاصة بالأكلات النباتية فيضطرون فقط إلى أكل بعض أنواع السلطة وبعض الخبز. فهم يرفضون أكل حتى تلك الأطباق التي تطبخ باللحم.

أحمد، البالغ من العمر 26  سنة، وجد صعوبات كثيرة كي تقبل عائلته أو محيطه الاجتماعي قراره باتباع نظام غذائي نباتي. وكان يواجه دائمًا سخرية أصدقائه أو غيرهم ممن يظنون أن صحة الإنسان لن تكون جيدة دون أكل اللحم. ويشير إلى أنه يشتري حاجياته الغذائية بنفسه ويعد طعامه بنفسه ولم يواجه يومًا أية مشاكل صحية.

وينقسم النباتيون إلى عدة فئات، إذ يوجد شبه نباتيين أي ممن يأكلون النباتات والأسماك والدجاج، فيما يطلق على من يأكلون إلى جانب النباتات الألبان ومشتقاتها ويُعرفون بنباتيي الألبان، إلى جانب ذلك، يوجد نباتيي البيض الذين يأكلون النباتات والبيض. كما يوجد صنفان من النباتيين. صنف اختار أكل النبات على اللحوم من منطلق إيمانه بضرورة الرفق بالحيوان والحفاظ على الإنسان والحيوان معًا. فيما اختار صنف آخر أكل النبات بسبب عدم القدرة على أكل اللحوم أو تحمل مذاقها.

اقرأ/ي أيضًا: أشهر 10 أكلات في شوارع تونس

تهاني حامدي (سيدة تونسية نباتية) لـ"الترا تونس": لا نجد في مجتمعنا رواجًا كبيرًا لمفهوم الإنسان النباتي ولا مطاعم خاصة متوفرة

ينقسم النباتيون إلى أصناف مختلفة (صورة تقريبية/ Getty)

زوجي آكل لحوم..

طوال خمس وثلاثين سنة، عاشت تهاني حامدي دون أن تأكل اللحوم. ولم يسبّب لها ذلك مشكلًا لدى عائلتها التي تقبلت الأمر طالما أنها لا تشكو مشاكل صحية. لكن بعد زواجها تغير الأمر كثيرًا، فرغم تقبل زوجها للأمر إلا أنها مضطرة لأن تطبخ له الطعام باللحم. ولا تستطيع أن تفرض عليه رأيها أو تقنعه بأمر هو ليس متعودًا عليه. في المقابل، تجد صعوبة أحيانًا في طبخ بعض الأكلات باللحم خاصة في عيد الأضحى باعتبار أنها تكره رائحة اللحوم لاسيما الحمراء، حسب حديثها لـ"الترا تونس".

ولا نجد في مجتمعنا رواجًا كبيرًا لمفهوم الإنسان النباتي، فبعض من تسألهم عن فكرة أن يكون الشخص نباتيًا لا يفهمون ما الذي تعنيه. وحتى وإن أوضحت لهم الأمر قد يستغربون من هذا الخيار، غير مصدقين قدرة شخص على العيش دون أكل اللحوم، كما تقول محدثتنا.

وقد بات للنباتيين صفحات خاصة بهم على مواقع التواصل الاجتماعي، يتبادلون فيها النصائح حول الأنظمة الغذائية والمكملات الغذائية، التي قد تعوض اللحوم. كما تتم النقاشات في إطار رفض تناول اللحوم والدعوة إلى الالتزام بالطعام النباتي من أجل الإنسان والحيوان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بيض وسمك وضرب.. أغرب عادات الزواج في تونس

الكحل.. صنعة "الخالة مليكة" التي تحدت الماركات العالمية