23-أكتوبر-2015

طالب الدكتوراه في تونس مطالب بأن يسابق الياباني في بحوثه(فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

لا أزال أذكر حديث صديقتي عندما أخبرتها أنني قررت أن أستأنف الدراسة بمرحلة الدكتوراه في إحدى الجامعات التونسية. قالت: "أحيّيك على شجاعة قرارك!". استغربت في تلك اللحظة إجابتها رغم سماعي سابقًا ببعض الصعوبات التي يعيشها طلبة الدكتوراه والباحثون وخاصّة منهم أصحاب الاختصاص العلمي، وأنا منهم. لكنّ استغرابي اليوم، بعد بداية التجربة، قد تبدّد وأظنّني أحيّي بدوري كل من اختار المضي في دروب البحث العلمي الوعرة، في تونس.

اقرأ/ي أيضًا: مطبّات العودة الجامعية في تونس

في تونس، لا أفق أمام الطالب الجامعي إلّا أن يرتقي في سلّم التعليم لعلّه يظفر بوظيفة تُنسيه تعب الدراسة وتُنسي أهله كدّهم، عند رؤيته عنصرًا ناجحًا فعّالًا في مجتمعه. فآفاق الشغل تقريبًا مغلقة حتى أمام من كلّلوا حياتهم الجامعيّة بالنجاح والتفوّق. لهذا لا حلّ أمام من راهنوا على دراستهم إلّا المواصلة إلى آخر المشوار.

من المرجّح أن أسبابًا سياسية كانت وراء تهميش قطاع التعليم، فالمؤسسات التعليمية، انطلاقًا من مدارس الابتدائي ووصولًا إلى الجامعات تفتقر لأبسط التجهيزات التي تضمن صيرورة الدروس بنجاح. ولن أفصّل الحديث أكثر حول مشاكل قطاع التعليم في تونس.

لا يتمتع الطالب الباحث في تونس بحوافز ماديّة، ولا معنويّة تدعم عوده الغض، فطالب الدكتوراه يتحصل على منحة سنويّة بسيطة. ويضطر الطلبة القادمون من الأرياف والمناطق الداخلية إلى دفع مبالغ كبيرة لكي يستطيعوا الالتحاق بإحدى جامعات العاصمة أو المدن الكبيرة الساحلية خاصة، فهم مضطرون إلى اكتراء منزل وتدبير مصاريف المعيشة يوميًا ومصاريف الدراسة.

لا يتمتع الطالب الباحث في تونس بحوافز ماديّة، ولا معنويّة تدعم عوده الغض

لا أحد من عائلة الطالب الباحث ولا من مجتمعه يعي ما يلقاه وسط مخبر البحث من مشاكل ناتجة عن شح مستلزمات بحثه وعطب تلك الآلة وتوقف الآلة الأخرى عن العمل منذ سنين دون إصلاح أو مراقبة. لا أحد له الجرأة للحديث عن الأستاذ المؤطّر الذي في كثير من الأحيان، فلا سبيل للتعميم، لا يملك من صفة التأطير إلا الاسم، فهو مشغول بأموره الخاصة ولا يفرغ لطلبته إلا في أوقات شحيحة فيُعطّل بذلك سيرهم إذ افتقدوا لتوجيهاته. وفي ذات السياق، نجد مدير المخبر الذي يتصرف وحده في كل شيء فلا تربّص خارجيّ يتمتّع به الطالب الطموح إلا بعد موافقته مثلًا وهو يمسك ميزانية المخبر بيديه الحديديّتين ويقسّمها بحكمته لكن أي حكمة؟

في أفياء هذه الظروف، طالب الدكتوراه في تونس مطالب بإنتاج أعمال علمية تُنافس البحوث العالمية.  فمشواره لن يثمّن إلا بتلك المقالات العلمية التي تُنشر في المجلات العلمية العالمية. نعم، هو مطالب أن يُسابق الأوروبي والياباني بما أتيح له من تجهيزات وظروف. هو مطالب أيضًا أن يعطي من روحه وأعصابه ووقت راحته ليكتمل بحثه فتكتمل مكانته في المجتمع بشهادة الدكتوراه.. أمّا ذاته فتكتمل أم تُبتَر لا ضير!

ما يعيشه الباحث الشاب في تونس من ازدراء يجعله حتمًا يفكّر في الفرار بأحلامه وطموحاته نحو دول الغرب، أين يُقدَّر العِلمُ وتُهيّؤ الظروف لطلّابه. ما يعيشه طالب الدكتوراه في تونس يُغذّي حنقه إزاء وطنٍ يزداد ضيقًا يومًا بعد يوم. إنّ إصلاحًا حاسمًا وجريئًا وعاجلًا لمنظومة التعليم يجب أن يكون أولى أولويّات أصحاب القرار وإلا فإن عقودًا عجافًا أخرى تنتظرنا..

اقرأ/ي أيضًا:

تلاميذ تونس ينتفضون من جديد

منح لطلبة الدكتوراه من تونس