عاشت مدينة المرسى نهاية الأسبوع الثالث من شهر مارس/آذار 2019 على وقع عرس رياضي ضمّ الآلاف من الرياضيين والهواة من مختلف الأعمار والجنسيات. تظاهرة "les foulées de migara" جمعت قصص أناس أثقلتهم الهموم وأعياهم نسق حياة قاتل ووجدوا متنفّسًا في ممارسة رياضة الجري.
عند خطّ الوصول، كان لـ"ألترا تونس" لقاء مع عدد من الذين كان للرياضة دور أساسي في تغيير مجرى حياتهم.
انتصرت على الإعاقة بفضل الرياضة..
لم يتخيل بدر الدين بدر أنه سيتمكن من ممارسة الرياضة عندما كان صغيرًا. فقدماه لم تكونا تنموان بشكل طبيعي فأصبح يتنقل على كرسي متحرك. ابن 21 سنة كانت له مشاركة متميّزة في التظاهرة وتمكّن من قطع مسافة الواحد والعشرين كلم في وقت قياسي مقارنة بأناس عاديين قطعوا المسافة في ضعف وقته.
"عندما يكون لديك إعاقة وأنت لا تتحرك فأنت لا تسمع أبدًا عن عالم الرياضة. لكن بمجرد أن تبدأ وتكتشف هذا العالم تدرك أنه يمكنك العيش في فضاء أرحب من ذلك الذي كنت محتجزًا فيه"، هكذا عبّر بدر الدين لـ"ألترا تونس" عن التغيير الذي أحدثته الرياضة في حياته.
استطاع بدرالدين بدر التغلّب على إعاقته بفضل ممارسة الرياضة (إيمان السكوحي/ألترا تونس)
ويضيف أن مسيرته انطلقت منذ ثلاث سنوات مع رياضة كمال الأجسام واستطاع تحدّي حاجز الإعاقة وطوّر بنيته الجسديّة. وبعد أن شعر بالملل في القاعة التي كان يمارس فيها التمارين، انتقل إلى الجري على كرسيّه المتحرّك مع نادي العدو بسوسة في ديسمبر/كانون الأول 2018. وسمحت له هذه الرياضة بلقاء عديد الأشخاص الذين كان لهم دور إيجابي في حياته.
بدرالدين بدر (مشارك في الماراطون): أنا مدمن للرياضة فقد جلبت لي فرحة العيش وفتحت لي آفاقًا جديدة وأحلم بالذهاب إلى الألعاب الأولمبية
ويختم محدّثنا قائلًا: "أنا مدمن للرياضة فقد جلبت لي فرحة العيش وفتحت لي آفاقًا جديدة وأحلم بالذهاب إلى الألعاب الأولمبية. لقد غيرت الرياضة حياتي الى الأفضل فحياتنا اليومية هي أيضا نوع من الماراطون وأعتقد أننا سواء كنا حاملين لإعاقة أو لا فكلّنا نحارب من أجل هدف واحد".
لا نستطيع العيش دون رياضة!
وأنت تتجوّل بين صفوف المشاركين والمشجّعين والمارين صدفة من المكان، تلاحظ وجود عدد كبير من المراهقين الذين اختلفت تصرّفاتهم وخطاباتهم وحتى ممارساتهم في هذا المحفل. فمن منحرف يحاول السرقة، إلى عنيف يثير الجلبة حوله من خلال الكلام البذيء الذي يوجهه إلى آخرين يحاولون فقط إثبات وجودهم من خلال الرقص على الموسيقى المنبعثة من منصّة التتويج.
اقرأ/ي أيضًا: عن "فدوى" التي آمنت أن العضلات المفتولة ليست حكرًا على الرجال..
عزيز عبد المومن (11 سنة) وأخوه نضال (14 سنة) من سكّان حي النصر بالمرسى، كان لهما حضورًا مميزًا. عبّر الشقيقان لـ"ألترا تونس" عن فرحتهما بالمشاركة. يقول نضال: "كنت آخر الواصلين في سباق الـ 21 كلم ولكني فخور لأني أتممت المسافة ولم أستسلم ولقد اصطحبت معي أخي ليكتشف هذا العالم الساحر وبذلك يبتعد عن أصحاب السوء".
مشاركون من أعمار وجنسيات مختلفة في ماراطون المرسى (إيمان السكوحي/ألترا تونس)
ويضيف نضال أنه كاد أن ينحرف وبدأ بتعلّم التدخين إلى أن ذهب صدفة مع أحد أصدقائه إلى مسابقة للجري ومن يومها أدمن الرياضة وهو يريد من خلالها أن ينقص وزنه ويحقق أحلامه بالمشاركة في المسابقات العالميّة.
غير بعيد منهما، مجموعة من الفتيات يحتفلن بتتويجهن بالكأس، بريق أمل في أعينهنّ جعلت كلّ من يلتف حولهنّ تصيبه عدوى السعادة. هنّ فتيات المستقبل الرياضي بالمرسى فرع ألعاب القوى. تصرّح منى السعيدي، عضوة بالنادي، لــ"ألترا تونس" قائلة: "أنا إنسانة لا أستطيع العيش ولا أستطيع التميّز في دراستي دون رياضة".
منى السعيدي (مشاركة في الماراطون): أنا إنسانة لا أستطيع العيش ولا أستطيع التميّز في دراستي دون رياضة
وعن أجواء التظاهرة، تقول منى إنها كان ممتازة خاصّة مع وجود المؤطّرين والمشجّعين. وتشاركها في الرأي غفران بعلوش (16 سنة) التي تؤكد أنّ جميع فتيات النادي بطلات وأنهن يعشن في "موندو نظيف" حسب تعبيرها. عالم يلتجئن إليه عند الغضب والحزن وخيبات الأمل. وتضيف أن فريق المرسى عائلة تجمعهم ويعشن فيه أجواء رائعة ومميّزة.
وتختم حديثها قائلة "نحن نطمح لأن نرفع علم تونس في الخارج ونريد أن يرفرف فوق كلّ الأعلام".
عرب وأجانب.. وفنانون أيضًا
نجحت مدينة المرسى خلال يوم واحد في جمع جنسيات مختلفة، عرب وأجانب. وكان لـ"ألترا تونس" لقاء مع العدّاء الجزائري راغب عبد الحميد الذي كان من المجموعة الأولى من الواصلين لخطّ النهاية. وقد عبّر هذا الأخير عن امتنانه للدولة التونسيّة التي سنحت له الفرص بالمشاركة في عديد المرّات في تظاهرات رياضيّة بها. وأضاف أن تونس والجزائر "خاوة" وأنه يشعر بالراحة عند تواجده في تونس خاصّة مع تنظيم محكم واستقبال يملؤه الحب، على حد تعبيره.
العدّاء الجزائري راغب عبد الحميد (إيمان السكوحي/ألترا تونس)
وعن بداياته في هذا العالم، يقول راغب إنه يمارس العدو منذ الصغر رغم أن عائلته ليست رياضيّة إلّا أنه تمكّن من تطوير قدراته واحتكّ بأصدقاء جدد جعل من هذا العالم متنفسا له.
لم تغب الوجوه الفنيّة المعروفة عن التواجد في هذه التظاهرة. ومن بين هذه الشخصيّات الممثّل محمد علي النهدي الذي عرف من خلال قصصه على "الانستغرام" بإدمانه على رياضة العدو. وصرّح النهدي لـ"ألترا تونس" أنّ أجواء المسابقة كانت رائعة وأنه لم يتخلّف على أي دورة من الدورات معبّرًا عن سعادته بتضاعف عدد المهتمين بالرياضة سنه بعد سنة.
وأضاف "الجميع يعرف أني أتنقّل لعديد الدول خصّيصًا للمشاركة في مسابقات الجري إلا أن الأجواء التونسيّة استثنائيّة. وهذه هي تونس التي نريد تونس المثقّفة تونس الرياضيّة تونس "المزيانة" والعقل السليم في الجسم السليم".
الممثل محمد علي النهدي معروف بمشاركاته في مسابقات المارطون داخل تونس وخارجها (إيمان السكوحي/ألترا تونس)
أتشاجر مع زوجتي بسبب الرياضة
في بلدنا تعوّدنا على صورة نمطيّة للمتقاعد الذي يمضي أغلب أوقاته إما على مقاعد المقاهي أو أمام تلفاز البيت ويعيش على وقع أوقات جرعات الدواء التي يتناولها بعد ان بدأ الوهن يثقل جسمه، إلا أن التظاهرة كسرت هذه الصورة إلى حدّ كبير.
"في الحياة بشكل عام، أنا شخص حساس للغاية وعاطفي! عندما أشعر بأنني أفقد السيطرة على حياتي أو أن شخصًا ما يؤذيني بقصد أو غير قصد، أفقد الثقة بسرعة في قدراتي ويصعب عليّ ضبط نفسي"، هكذا تحّدّث مجيد الخضراوي (67 سنة) لـ"ألترا تونس" عن حياته قبل أن يدخل عالم رياضة المشي.
مجيد الخضراوي المتقاعد الذي أصبح مدمنًا على ممارسة الرياضة (إيمان السكوحي/ألترا تونس)
ويضيف محدّثنا أنه يخرج تقريبًا مدّة ساعة يوميًا وهذا ما حسّن صحّته خاصّة وأنه يعاني من مرض السكري وأنقص استهلاكه لعديد الأدوية وجعله يشعر بوجوده داخل مجتمع جعل من التقاعد نهاية للحياة.
يشاركه بشير رمضاني السنّ والشغف حيث بدأ مشاركاته في الماراطون منذ 1992، ومع تقدّم السنّ أصبح يشارك في نصف الماراطون.
ويصف بشير في حديثه معنا ولعه بالرياضة قائلًا "لقد طلّقت زوجتي الأولى وأتشاجر مع الثانية بسبب الرياضة لأني أمضي أغلب أوقاتي خارجًا ولن أتخلى عن هذه الهواية لأنها أصبحت جزءًا من شخصيّتي وأشجع الجميع على هجر الخمول والكسل وتغيير نظام حياتهم للأفضل".
اقرأ/ي أيضًا: بطولة شاب قهر مرضه النّادر بـ"كمال الأجسام"
حينما تغيّر الرياضة حياة زوجين
على وقع روتين ممل ونسق سريع للحياة، قد تشهد الحياة الزوجيّة فتورا ويخفت بريق المشاعر مع كثرة التزامات ومسؤوليات الطرفين. إلّا أنّ المشاركة وتقاسم الهوايات والأنشطة قد تشكّل منعرجًا إيجابيًا في حياتهما على غرار لؤي وليلى، 53 سنة، اللذين عاشا حادثًا أليمًا أثّر على حياتهما، تحدّثا لـ"ألترا تونس" عن تجربتهما.
يقول لؤي إن زوجته تعرّضت لحادث أفقدها يدها اليمنى. حادث تسبب في شرخ كبير في علاقتهما حيث عاشت زوجته اكتئابًا حادًا جعلها تنعزل عن العالم وتنقطع عن الحياة خاصّة وأن خطأ طبيّا كان السبب الأساسي في فقدان ليلى يدها.
وبعد مدّة قامت صديقاتها بتشجيعها لدخول ناد للمشي في الماء وبدأ هذا النشاط يغيّر حياتها نسبيًا. وفي إحدى التظاهرات ذهب معها زوجها لتشجيعها فكانت تلك اللحظة فارقة في علاقتها. وأصبحا يتشاركان هذا النشاط الرياضي وتكسّر حاجز الجليد الذي كان بينهما.
ليلى (مشاركة في الماراطون): الرياضة أعادت لي حياتي التي فقدتها بعد الحادث أعادت لي حبّ الذات وحبّ الحياة
تقول ليلى: "الرياضة أعادت لي حياتي التي فقدتها بعد الحادث. أعادت لي حبّ الذات وحبّ الحياة. لها سحر وحلاوة لن يعرفها إلا من يمارسها".
ويختم زوجها قائلًا: "أستطيع أن أقول إن تغيير عاداتي كان أحد أفضل القرارات التي اتخذتها في حياتي. آمل أن يتمكن الأشخاص الذين قرؤوا قصتي مع ليلى أن يتمكّنوا من تغيير أسلوب حياتهم. بالطبع، الأمر ليس سهلاً لكنه ليس مستحيلًا".
الزوجان لؤي وليلى تغيرت حياتهما نحو الأفضل بفضل الرياضة (إيمان السكوحي/ألترا تونس)
اقرأ/ي أيضًا: