اعتمدت الحكومة آلية عمال الحضائر لاستيعاب اليد العاملة بهدف التخفيف من الاحتقان الاجتماعي، وشملت هذه الآلية آلاف العمّال من بينهم أصحاب الشهائد العليا. لكن لطالما تميّز ملف عمال الحضائر في عديد القطاعات بغموض كبير خاصة بعد الثورة، مع صدور تقارير حول شبهات فساد كبيرة تتعلّق بطريقة الانتداب أو طريقة تسوية الوضعيات.
إذ تحوّلت هذه الآلية إلى أداة من أدوات الفساد والمحسوبية والتلاعب بالمال العام، على غرار ما أكّده تقرير دائرة المحاسبات الصادر سنة 2013 الذي أشار إلى تسجيل آلاف الأسماء الوهمية، والحصول على أجور ومنح دون ممارسة العمل الموكول إضافة لعمل البعض ضمن هذه الآلية دون استكمال شروط الانتفاع بها على غرار العمل بوظيفة أخرى غير تلك التي منحه إياها هذا الإجراء، وذلك إلى جانب التجاوزات المتعلقة بعمليات تسوية الوضعيات.
تحوّلت آلية عمال الحضائر في تونس في مناسبات عدة إلى أداة من أدوات الفساد والمحسوبية والتلاعب بالمال العام
وكان قد أشار المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في دراسة إلى أنّ عدد عمال الحضائر بلغ نحو 100 ألف عامل في العام 2014، وقد تجاوز 50 في المائة منهم سن الـ50 عامًا. وهو ما يطرح بالتتابع باب الأسئلة حول كيفية الانتداب في آلية عمال الحضائر؟ وكيف تتم تسوية الوضعيات خاصة وأن بعض التسويات لم تتم وفق الأقدمية أو الأحقية؟
اقرأ/ي أيضًا: كم تكلّف امتيازات ومنح موظفي المؤسسات العمومية ميزانية الدولة؟
جزء من بعض تلك التجاوزات أو شبهات الفساد تتعلّق بتسوية وضعية بعض عمال الحضائر في بلدية طبربة تحت غطاء مناظرة رسمية، كشفها فخري الجلاصي ناشط بجمعية شباب التحدي للبيئة والتنمية المستديمة لـ"ألترا تونس". ويلف هذه المناظرة الكثير من الغموض، إذ قامت بلدية طبربة التابعة لولاية منوبة في 29 جوان/يونيو 2018 بإجراء مناظرة لانتداب 5 عمال حضائر، والحال أنّ البلدية ممنوعة من الانتداب بقرار حكومي، لأنّ تكلفة الأجور بها فاقت 60 في المائة من حجم مصاريفها، وقد طالبتها الحكومة بتسوية وضعيتها.
يؤكد محدثنا أن بعض هؤلاء العمال والبالغ عددهم قرابة 16 وقع انتدابهم منذ 2005، فيما تم انتداب البقية منذ 2011، ويشير أنهم كانوا عمال حضائر جهوية لا يتبعون البلدية أو المعتمدية. ويوضح أن المناظرة هي مناظرة شكلية تم فتحها لانتداب خمسة أشخاص فقط من بين العمال، معلّقًا بالقول: "إذا كانت الغاية تسوية وضعية البعض، أو تسوية وضعية كل العمال، فإنّ المنطق يقول بضرورة تسوية وضعية المتمتعين بعنصر الأقدمية. ولكنّ المناظرة قامت بتسوية وضعية خمسة أشخاص فقط ممن باشروا العمل سنة 2011".
فخري الجلاصي ناشط بالمجتمع المدني في الجهة: مناظرة انتداب 5 عمال حضائر في بلدية طبربة مؤخرًا تشوبها شبهات فساد وإخلالات عديدة
ويشير محدثنا فخري الجلاصي إلى أن رئيس النيابة الخصوصية ببلدية طبربة راسل والي منوبة بتاريخ 13 أفريل/نيسان 2017 للمطالبة بتسوية وضعية خمسة عمال حضائر وقع ذكرهم بالاسم. ويوضّح أنّ العدد الجملي لعمال الحضائر في البلدية هو 15 عاملًا ممن يُفترض تسوية وضعيتهم جميعًا دون استثناء، متسائلًا: "لماذا التركيز على 5 عمال بالذات دون البقية؟".
[[{"fid":"102318","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":683,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]
رئيس النيابة الخصوصية في طبربة يطالب والي منوبة المساعدة لانتداب 5 عمال حضائر
وقد جرت المناظرة المذكورة بتاريخ 29 جوان/يونيو 2018 أي بعد شهر واحد فقط من تركيز المجلس البلدي المنتخب، رغم أنّه من المفترض أن تقوم النيابات الخصوصية بعد صدور نتائج الانتخابات البلدية وقبل تنصيب المجالس البلدية الجديدة، بمهمة تصريف الأعمال فقط دون القيام بانتدابات.
اقرأ/ي أيضًا: قضية البنك الفرنسي التونسي.. هل يكون ملف الفساد الأكبر كلفة في تاريخ تونس؟
وقد قام العاملون، الذين لم تتم تسوية وضعياتهم رغم تمتعهم بعنصر الأقدمية في العمل، بالاحتجاج وإيقاف سير المناظرة. واتصل حينها الوالي برئيس البلدية لاستجلاء الموضوع والإشارة إلى أحقية المجلس البلدي المنتخب فقط القيام بهذا الانتداب دون النيابة الخصوصية التي انتهت مهامها بعد الانتخابات البلدية وفق الوالي. وأشار الوالي إلى أنّه وفق قرار المجلس الوزاري بتاريخ 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 الخاص ببرنامج الحضائر الجهوية أقرّ بالتقيد التام بإيقاف أيّ عملية انتداب جديدة أو تسوية أو تعويض مع إعلام المعنيين بالأمر.
[[{"fid":"102317","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":732,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]
المراسلة الموجهة من والي منوبة حول إيقاف انتداب عمال الحضائر
وقد قامت النيابة الخصوصية فعلًا بإيقاف المناظرة مع فتح مناظرة أخرى غير أنها تأجلت بتاريخ 15 أوت/أغسطس 2018 بسبب تجدد احتجاج العمال، وذلك وفق ما أفادنا به الناشط في المجتمع المدني فخري الجلاصي.
وقرر رئيس البلدية، على ضوء المذكور، إجراء هذه المناظرة بالمركّب الجامعي بمنوبة دون الإعلان المسبق عنها في 28 أكتوبر/تشرين الثاني الماضي. وقد صدرت نتائج المناظرة التي انتهت بانتداب العمال الخمسة محل الجدل دون سواهم، وهو ما يؤكد شبهات فساد حول هذه المناظرة وفق محدثنا الجلاصي، الذي يؤكد وجود إصرار دائم لانتداب خمسة عمّال بعينهم منذ سنة 2015 رغم أن البلدية ممنوعة من الانتداب، مع الإشارة إلى أن ثلاثة من هؤلاء العمال يحملون نفس اللقب العائلي.
فخري الجلاصي (ناشط بجمعية شباب التحدي للبيئة والتنمية المستديمة): يوجد إصرار دائم لانتداب خمسة عمّال بعينهم في بلدية طبربة منذ سنة 2015 رغم أن البلدية ممنوعة من الانتداب
وأشار محدّثنا، في هذا السياق، إلى أنّه راسل منظمة "أنا يقظ" للتقصي حول الموضوع بعد شكاوى بقية العمال. وذكر أن أحد العمال ممن لم تتم تسوية وضعياتهم رغم الأقدمية توجه إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد مرفقًا بجميع الوثائق اللازمة.
[[{"fid":"102320","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":795,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]
محضر جلسة المصادقة على انتداب عمال الحضائر الخمسة
يذكر أنّها ليست المرّة الأولى التي يتم فيها التشكيك في عمليات انتداب وتسوية وضعية بعض عمال الحضائر. وكان قد أكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية العجز والفشل في إيجاد حلول لمشكل عمال الحضائر الذي تحول خلال سنوات ما بعد الثورة إلى معضلة فشلت كل الحكومات المتعاقبة في إيجاد مخرج لها. وتواصلت هذه الآلية التي أثقلت كاهل ميزانية الدولة مع ما شاب عمليات الانتداب من شبهات فساد.
يُذكر أن عدد عمال الحضائر بلغ سنة 2014 وفق المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعي حوالي 100 ألف عامل من مختلف الأعمار والمستويات التعليمية، ولا يوجد أي نظام أساسي ينظم مهنتهم، ويتمّ التصرف معهم عبر مناشير خاصة.
اقرأ/ي أيضًا:
آخر سكّان "الوكايل"... انتظار الموت تحت سقف متداعي؟!
التاكسي الجماعي في سوسة.. فوضى وبلطجة وتحميل متبادل للمسؤولية