12-يونيو-2018

ثقافة المقاطعة محدودة الانتشار في تونس (فتحي بلعيد/أ..ف.ب)

مقاطعة بعض المنتجات الاستهلاكية التي تشهد ارتفاعًا مشطًا في الأسعار هو أسلوب تتبناه بعض الشعوب المتحضرة بعيدًا عن الاحتجاجات وأي شكل من أشكال العنف. فثقافة المقاطعة سلوك رقابي يمارسه عدد كبير من المستهلكين كلّما أدركوا أنّ هناك ارتفاعًا كبيرًا في أسعار أيّ من المنتجات المعيشية اليومية بسبب طمع التجار دون مبرر أو غياب الرقابة.

تعودت، في المقابل، الشعوب العربية على الاحتجاج في الشارع للمطالبة بحقوقهم أو بتخفيض الأسعار والتنديد بارتفاعها، لكن انتشرت في الأشهر الأخيرة في بعض البلدان العربية حملات مقاطعة لبعض المنتوجات التي شهدت ارتفاعَا في الأسعار، مثل الجزائر التي أطلق بعض شبابها حملات على غرار "خلّيه يعوم" (السمك) "خليها تصدي" (السيارات) "خليه ينمّل" (السكر). وقد أطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي آلاف التغريدات المنادية بالمقاطعة. وقد لقيت أغلب هذه الحملات استجابة كبيرة من الجزائريين، لا سيما حملة "خلّيها تصدي" التي أدت إلى شلل شبه تام في سوق السيارات. وقد أجمع خبراء الاقتصاد في الجزائر على نجاح الحملة بشكل لافت.

انتشرت حملات مقاطعة واسعة لعديد المنتجات في عدة بلدان عربية مؤخرًا على غرار الجزائر وموريتانيا وبالخصوص المغرب عبر حملة "خليه يروب"

وتكرّرت حملات المقاطعة في المغرب، حينما أطلقت مجموعة من الشباب حملة مقاطعة واسعة لمجموعة من المنتجات الاستهلاكية الأساسية، والتي ارتفع سعرها بشكل مهول خلال السنوات الأخيرة، خاصة وأنّ مستوى الأجور ظلّ ثابتًا مما أثر على المقدرة الشرائية لكافة المواطنين. بـ"خلّيه يروب"، استهدفت الحملة ثلاث منتوجات رئيسية، وهي المياه المعدنية والحليب والبنزين، وعرفت الحملة تطورًا متسارعًا وتفاعلًا كبيرًا وعفويًا من قبل المغاربة. إذ سرعان ما انتشرت صور الحليب والمياه المعدنية المكدسة بالأسواق لاسيما بعد انضمام التجار وأصحاب البقالات، فيما انتشرت صور وفيدويهات لمحطات البنزين فارغة، وتأكدت المقاطعة كثقافة شعب.

اقرأ/ي أيضًا: التونسي والمظاهر: مكره أخاك أم "فيّاس"؟

وقد شهدت موريتانيا هي الأخرى حملات مقاطعة ناجحة على نطاق واسع خلال الأشهر الأخيرة وفق تقارير المنظمات المدافعة عن المستهلك وخبراء الاقتصاد.

ولقيت إجمالًا حملات المقاطعة اهتمامًا كبيرًا من المؤسسات الإعلامية العربية والعالمية نظرًا لانتشار ثقافة المقاطعة لدى هذه الشعوب. وقد بارك بعض التونسيين ههذ الحملات منوهين بنجاحها في تخفيض الأسعار، ولكن لسائل أن يسأل هل يكتسب الشارع التونسي فعلاً ثقافة المقاطعة؟ وهل يتّبعها كوسيلة للاحتجاج وسلوك رقابي يدفع إلى انخفاض الأسعار لا سيما وأن التونسي كثير التذمر من ارتفاع أسعار عديد المنتجات الغذائية؟

محدودية ثقافة المقاطعة في تونس

يشير رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك سليم سعد الله أنّ منظمته دعت في عديد المناسبات لمقاطعة بعض المنتجات لا سيما الغذائية منها التي شهدت ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار. وأفاد في حديث "الترا تونس" أن بعض حملات المقاطعة حققت نجاحًا بنسبة 100 في المائة فيما كان نجاح البعض الآخر نسبيًا وفق قوله، مضيفًا أنّ "المقاطعة هي السلاح الوحيد لمواجهة غلاء الأسعار ولجشع المحتكرين والمضاربين". ودعا سعد الله إلى ضرورة تغيير ثقافة الاستهلاك المرتبطة أساسًا بالمناسبات الكبرى، مؤكدًا أنّ ثقافة المقاطعة في تونس "تظلّ منقوصة والحال أنه يجب تكريسها لتصبح سلوكًا رقابيًا رافضًا للاستغلال".

اقرأ/ي أيضًا: تونسيون يدعون إلى "تجميد" الحج: هل أصبحت تكاليفه تعبيرة عن لا مساواة اجتماعية؟

وذكّر محدّثنا بنجاح بعض حملات المقاطعة وإن كان هذا النجاح نسبًيا، فقد استجاب المستهلك وفق قوله لعدة حملات مقاطعة دعت إليها المنظمة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما الحملة التي سبقت شهر رمضان تحت شعار "خلّيه ينتن" بسبب غلاء أسعار الأسماك بشكل لم يسبق له مثيل بأكثر من 10 في المائة خلال شهر مارس/آذار الماضي. وقد نجحت حملة المقاطعة وفق تأكيده وإن بصفة نسبية وأدت لانخفاض أسعار الأسماك، مشيرًا لانتشار صور على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر كميات كبيرة من الأسماك في حاويات الفضلات، ومقاطع مصوّرة تكشف عن انخفاض الأسعار وتراجع إقبال المستهلك على المنتوجات السمكية.

 رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك سليم سعد الله لـ"الترا تونس": ثقافة المقاطعة في تونس منقوصة والحال أنه يجب تكريسها لتصبح سلوكًا رقابيًا رافضًا للاستغلال

إلى جانب ذلك، أكد رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك لـ"الترا تونس" أن المقاطعة قادرة على تعديل سوق المواد الاستهلاكية، إذ ليست أسعار الأسماك وحدها ما أثار استياء المستهلكين فحتى المنتجات الاستهلاكية اليومية كالخضار والغلال شهدت ارتفاعًا لافتًا في أسعارها، لكن لم تشهد تلك المنتجات مقاطعة التونسيين.

وذكر محدّثنا، على صعيد آخر، بأهمية حملة المقاطعة التي شنت بدعوة من المنظمة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 لمقاطعة "الزقوقو" الذي بلغ سعر الكيلوغرام الواحد منه 30 دينارًا، إذ انخفض إلى 17 دينارًا ثم إلى 14 دينارًا بفضل المقاطعة. وأضاف سليم بن عبد الله أن حملة مقاطعة الطماطم التي بلغ سعر الكيلوغرام منها حوالي 4 دينارات نجحت أيضًا بشكل كبير وتم على إثرها تخفيض السعر إلى أقل من النصف. ولكن مع ذلك مازال الشارع التونسي يفتقد إلى ثقافة المقاطعة، خاصة مقاطعة بعض المنتوجات الغذائية حتى وإن كانت أساسية على غرار ما حصل في بعض الدول المجاورة. وفق قوله.

ولم تشهد تونس، في الأثناء، عدول أي حكومة عن قرارات في الترفيع في الأسعار بسبب ضغط الشارع. فالترفيع المستمر في سعر البنزين لا يلقى سوى التذمر فقط دون اتباع أي وسيلة للاحتجاج أو حتى التفكير في مقاطعة البنزين مثلما حصل مؤخرًا في المغرب.

غيري لن يقاطع

في جولة بسيطة في إحدى أسواق الخضر والغلال، كثيرًا ما تلحظ تذمر المشتري من ارتفاع أسعار الخضر، وكثيرًا ما تلحظ أيضًا بعض المشادات الكلامية بينه وبين التاجر، تنتهي بربح هذا الأخير وشراء الأول الذي "لا مفر لديه"، وفق ما يقوله محمد أحد المواطنين لـ"الترا تونس" وهو يتذمر خلال جولته في السوق. ويقول هذا المواطن الذي التقيناه "لا حلّ، مكره أخاك لا بطل، فأغلب الخضر هي مواد استهلاكية يومية لا تغيب عن موائدنا. وإذا قاطعتها أنا فغيري لن يفعل ذلك".

مواطن لـ"الترا تونس":  أغلب الخضر هي مواد استهلاكية يومية لا تغيب عن موائدنا وإذا قاطعتها أنا فغيري لن يفعل ذلك

منيرة تقول هي الأخرى "نكاد نصبح نباتيين جراء غلاء أسعار اللحوم بأنواعها والأسماك. وحتى الخضر لم تعد أسعارها تراعي مقدرتنا الشرائية. ربما المقاطعة حل لكنها لا تنفع مع المنتجات المعيشية اليومية. ولا حل سوى المراقبة اليومية وليس المناسبتية للتصدي للمحتكرين ولجشع التجار".

ومن المفارقات العجيبة في تونس، في الأثناء، أن المستهلك التونسي الذي يتذمر من غلاء أسعار كل المنتجات الغذائية، يلقي ثلث أكله في القمامة وفق المعهد الوطني للاستهلاك. فيما أكدت منظمة الأغذية والزراعة أنّ التونسيين يلقون سنويًا ما يناهز 130 مليارًا في المزابل منها 30 مليارا من الطعام وما يناهز 100 مليار من الخبز.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تراجيديا شهر رمضان: "اسكت أنا محشّش"

المهن الموسمية في رمضان.. باب رزق