رغم أنها منحت اسمها القديم "افريقيّة" للقارة بأكملها، لم يكن الحضور الديبلوماسي والاقتصادي التونسي في القارة الإفريقية منذ عقود إلا محدودًا، ولذلك تحاول اليوم أن تعوّض ما فاتها بالعودة لحضنها القاري جنوبًا بعد عقود من الهروب أحادي الاتجاه نحو الشمال. فلم تكن إفريقيا حاضنة استراتيجية لتونس ولم تكن في سلم أولوياتها طيلة نظام المخلوع بن علي.
لم يكن الحضور الديبلوماسي والاقتصادي التونسي في القارة الإفريقية منذ عقود إلا محدودًا، ولذلك تحاول اليوم أن تعوّض ما فاتها
وهو انسحاب كلّف كثيرًا وتحديدًا على المستوى الاقتصادي بغياب الاستثمار التونسي في سوق واعدة تتسابق إليها اليوم القوى العالمية والإقليمية. فقد قامت تركيا بفتح 29 سفارة في إفريقيا في ظرف خمس سنوات، وشهدت صادراتها نحو القارة ارتفاعًا بلغ 12 مليار دولار سنة 2011 بعدما كانت في حدود 2 مليار دولار فقط سنة 2003. وبينما بلغت قيمة الصادرات المغربية خلال نفس السنة 7 مليارات دولار، لم تتجاوز قيمة الصادرات التونسية 0.4 مليار دولار فقط.
اقرأ/ي أيضًا: تحليل إخباري: تعديل تونس الوزاري وبوادر الأزمة
وضعف الحضور التونسي في إفريقيا يعكسه قلة عدد السفارات بينما ينتشر جيرانها الجزائريون والمغاربة بقوة في العمق الإفريقي. حيث يغيب الحضور التونسي في دول إفريقية ذات تأثير إقليمي على غرار غانا وغينيا إضافة لدول في جنوب الصحراء تمثل امتدادًا للأمن القومي التونسي على غرار التشاد والنيجر، وهو غياب تسعى الديبلوماسية التونسية إلى تداركه.
حيث أعلنت مؤخرًا الخارجية التونسية فتحها سفارتين جديدتين في كل من كينيا وبوركينا فاسو، علاوة على فتح 5 مكاتب تجارية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. كما أعلنت الخطوط الجوية التونسية عن تخطيطها لفتح 12 خطًا جويًا جديدًا بين 2016 و2017 نحو عواصم إفريقية من بينها الخرطوم ولاغوس ونجامينا. كما تأسّس مجلس الأعمال التونسي الإفريقي لمتابعة المشاريع الاقتصادية بين رجال الأعمال التونسيين والأفارقة.
وقد أعلنت وزارة الخارجية التونسية بعد الثورة أن نظام بن علي همّش البعد الافريقي وقام بإغلاق سفارات وقنصليات، وكشفت أن تونس لم توقع على زهاء نصف الاتفاقيات القاريّة. وبيّن حينها كاتب الدولة للشؤون المغاربية والإفريقية عبد الله التريكي أن تونس أهدرت ما بين 200 و300 ألف فرصة عمل في البلدان الافريقية.
أعلنت الخطوط الجوية التونسية عن تخطيطها لفتح 12 خطًا جويًا جديدًا بين 2016 و2017 نحو عواصم إفريقية
ورغم المحاولات المُعلنة الحالية لعودة تونس لحاضنتها الافريقية، لا يزال التشكيك حول جديّة الإرادة السياسية وذلك بسبب ضعف التمثيل التونسي في القمتين الإفريقيتين الأخيرتين، حيث لم يشارك فيهما رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، الذي يمنحه الدستور قيادة الديبلوماسية التونسية.
اقرأ/ي أيضًا: تعيينات المعتمدين في تونس..المخاوف المشروعة
وفي هذا الجانب وبخصوص القمة الإفريقية الأخيرة التي انتظمت نهاية كانون الثاني/ يناير المنقضي بأديس أبابا، نشر موقع حزب التيار الديمقراطي، معارض في تونس، مقالًا لما وُصف بـ"فضيحة ديبلوماسية" وذلك بعدم حصول تونس على منصب مفوّض إفريقي من ضمن المنصبيْن المحدّديْن لدول شمال إفريقيا، وذلك بسبب ضعف أحد المرشحين التونسيين إضافة لغياب رئيس الجمهورية عن القمة وعدم سعيه لضمان حصول تونس على منصب مفوّض في رئاسة الاتحاد القارّي. وفي نفس السياق، سبق وأجّل رئيس الحكومة يوسف الشاهد جولة اقتصادية إفريقية كان من المنتظر القيام بها خلال نفس الشهر الفارط.
وتحتاج تونس في سعيها لاقتحام أدغال إفريقيا لاستراتيجية متكاملة تجمع بين الأبعاد الجيوستراتيجية والسياسية والاقتصادية، وذلك لضمان دور فاعل في الفضاء الإفريقي خاصة في ظلّ التنافس الإقليمي والدولي في هذه السوق الواعدة وهو ما جعل المغرب تعود بعد عقود للاتحاد القارّي.
اقرأ/ي أيضًا: