17-سبتمبر-2020

صاحب مبادرة احميني: لو صرفت تلك الأموال في مشاريع خاصة بالمرأة الريفية لتغيّرت حياة أغلبهن وتم ضمان مورد رزق خاص لهن

 

تتقاضين نصف أجر الرجل أو حتى أقل من النصف، ولا تتمتعن بالتغطية الاجتماعية أو الصحية. يُنقلن للعمل في ظروف مهينة وغير آمنة بالمرة. تنتهي حياة بعضهن في الطريق في سبيل تحقيق الأمن الغذائي للناس، إذ لا تكاد تمرّ سنة دون تسجيل عشرات حوادث الشغل وانقلاب حافلات تُقل العاملات في القطاع الفلاحي. وتمرّ كلّ حادثة بعد تنديد كبير من المجتمع المدني والرأي العام دون حلول تُنهي مأساة تلك الحوادث المتكررة. هن منسيات ومهمشات في قطاع يعاني بدوره التهميش.

في ماي من العام الماضي، أطلقت الحكومة برنامج "احميني" لتسهيل تسجيل العاملات في القطاع الفلاحي في الضمان الاجتماعي، خاصة اللواتي لا تتمتعن بالتغطية الاجتماعية

ولطالما كانت العاملة الريفية تطمح على الأقل إلى الاحتماء بالمنظومة الاجتماعية والتمتع بالتغطية الصحية والاجتماعية والحماية من وسطاء التشغيل الهش وضمان حقوقهن الاقتصادية. وكثيرًا ما طالبت العديد من المنظمات، التي تُعنى بشؤون المرأة ككل والمرأة الريفية خصوصًا، بضرورة تحسين ظروف عملهن وتمتيعهن بحقوقهن الاقتصادية وإيجاد طريقة تكفل لهنّ التمتّع بتغطية صحية واجتماعية. 

اقرأ/ي أيضًا: عمل المرأة الريفية في تونس.. بين مطرقة الحاجة وسندان الاستعباد

في ماي/ أيار من العام الماضي، أطلقت الحكومة برنامج "احميني" لتسهيل تسجيل العاملات في القطاع الفلاحي في الضمان الاجتماعي، خاصة اللواتي لا تتمتعن بالتغطية الاجتماعية. ويأتي ذلك تنفيذًا لخطة العمل الوطنية للتمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء والفتيات في الوسط الريفي المصادق عليها في المجلس الوزاري بتاريخ 11 أوت/ أغسطس 2017 فيما يتعلق بتسيير انتفاع النساء العاملات في الوسط الريفي بالتغطية الاجتماعية.  

وتم إرساء منظومة "احميني" للتغطية الاجتماعية للنساء العاملات في القطاع الفلاحي بعد المصادقة على الأمر في مجلس وزاري خاص بالمرأة  والذي أشرف عليه رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد في 8 مارس/ آذار 2019، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة.

ولتفعيل هذا البرنامج، تم إبرام اتفاقية إطارية بين وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، كما تم كذلك إصدار أمر حكومي مؤرخ في 22 أفريل/ نيسان 2019 يتعلق بتنقيح وإتمام الأمر عدد 916 لسنة 2002 المؤرخ في 22 أفريل/ نيسان 2002 الذي أشار في الفصل 8 منه إلى أنّه "يتم انخراط النساء الجامعات للمحار والعملة الموسميين والمتنقلين المنتمين إلى الوسط الريفي والعاملين في القطاع الفلاحي بما في ذلك المرأة في هذا القطاع بموجب مطلب يتم تقديمه إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مرفوقًا بالوثائق المستوجبة، وخاصة شهادة صادرة عن الهياكل التابعة لوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري تثبت ممارسة النشاط الفلاحي. وتتعهد وزارة الفلاحة بموجب الاتفاقية المشار إليها، بتمكين النساء الراغبات في الانتفاع بالتغطية الاجتماعية من "شهادة مباشرة نشاط فلاحي" بعد تقييم الأداء على عين المكان".

تعتمد منظومة "احميني" على تطبيق هاتفي لتسهيل عملية تسجيل النساء الريفيات ودفع مساهماتهن في الصندوق دون تكبد مشقة التنقل إلى مكاتب الضمان الاجتماعي

وتعتمد منظومة "احميني" على تطبيق هاتفي لتسهيل عملية تسجيل النساء الريفيات ودفع مساهماتهن في الصندوق دون تكبد مشقة التنقل إلى مكاتب الضمان الاجتماعي. وذلك بعد توقيع اتفاقية ما بين منظومة "احميني" وشركة اتصالات تونس وصندوق الضمان الاجتماعي.

ومنذ ذلك التاريخ بادرت الآلاف من العاملات بالتسجيل للانتفاع بالبرنامج، بما يكفل لهن الحق في التغطية الصحية، وضمان توفير رواتب لهن بعد بلوغهن سن التقاعد. وحسب بيانات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بلغ عدد النساء اللواتي تقدمن للانخراط في المنظومة نحو 12 ألف عاملة من جملة تقديرات بوجود 500 ألف عاملة في القطاع الفلاحي.

اقرأ/ي أيضًا: العاملات في القطاع الفلاحي.. عن نساء يضمنّ الأمن الغذائي بالعرق والدم

لكن رغم الإقبال الكبير الذي لقيته المبادرة من قبل العاملات في القطاع الفلاحي، إلاّ أنّ أغلبهن بتن غير قادرات على دفع المساهمة اليومية للصندوق والتي قدرت بقرابة 700 مليم، إذ توقفت التطبيقة عن العمل مما حال دون قدرة أغلبهن على دفع المساهمة، كما أنّ أغلبهن غير قادرات على التنقل باستمرار إلى إحدى المكاتب الجهوية للصناديق الاجتماعية والحال أنّ أغلبهنّ تعشن في أوساط ريفية بعيدة. 

رغم الإقبال الكبير الذي لقيته المبادرة إلاّ أنّ أغلب العاملات بتن غير قادرات على دفع المساهمة اليومية للصندوق بعد أن توقفت التطبيقة عن العمل

تقول رفيقة عاملة فلاحية في طبربة لـ"ألترا تونس" إنّها "بادرت كغيرها من العاملات بالتسجيل في البرنامج لدفع مساهمة يومية بقيمة 700 مليم لتتمكن من الحصول على جراية التقاعد وتتمتع بالتغطية الصحية، إلاّ أنّ التطبيقة لا تعمل وبات يُطلب منها التوجه إلى مكتب الضمان الاجتماعي لدفع مساهمتها اليومية والمساهمات التي لم تدفع سابقًا"، مضيفة أنّها لا تستطيع التنقل من جهة لانصارين بمنوبة، المنطقة الريفية التي تعيش فيها، إلى الصناديق الاجتماعية لدفع المساهمة المتفق عليها، مستغربة عدم تفعيل التطبيقة التي كانت ستسهل الأمر أكثر".

أما المهندس ماهر الخليفي صاحب مبادرة "احميني" فقد أشار لـ"ألترا تونس" أنّه "تمّ بيع أكثر 6000 شريحة للنساء العاملات في القطاع الفلاحي، لكن وقع تعطيل الدفع بالهاتف وأغلب العاملات في الفلاحة غير قادرات على التنقل إلى مكاتب الضمان الاجتماعي بسبب البعد وعدم القدرة على التنقل وبسبب المسؤوليات والأعمال اليومية".

وأضاف الخليفي "كيف يمكن الحديث عن فشل برنامج لم ينطلق في العمل أساسًا بسبب عدم تفعيل التطبيقة، فبعد أن اشتغلنا على الملف فترة طويلة وتلقينا تمويلات كبيرة من منظمات دولية وتواصلنا مع أكبر عدد من العاملات الفلاحيات، ووجدنا حلولاً بديلة حتى لغير القادرات على دفع المساهمة عبر من يتكفل بدفع تلك المساهمات عن النسوة،  إلاّ أن البرنامج الذي كان من المنتظر أن يطال قرابة 500 ألف امرأة تعطّل كثيرًا". 

ماهر الخليفي صاحب مبادرة "احميني" لـ"ألترا تونس": اشتغلنا على الملف فترة طويلة وتلقينا تمويلات كبيرة من منظمات دولية وتواصلنا مع أكبر عدد من العاملات الفلاحيات، ووجدنا حلولاً بديلة لكنهم لم يفعلوا التطبيقة 

على صعيد آخر، أشار الخليفي لـ"ألترا  تونس" إلى أنّ "موضوع المرأة الفلاحة بات وكأنه مصنف "ممنوع اللمس"، ويمثل هاجسًا كبيرًا لدى العديد من الجمعيات إذ اشتغلت عليه منظمات عديدة لأكثر من 40  سنة، ويرون أنّه لا يجب حلّ ملف المرأة الفلاحة لكي يتواصل استقطاب التمويلات الأجنبية من خلاله. ويبقى ملف المرأة الريفية دون تطور لجلب أكثر تمويلات تصرف أغلبها في الندوات والملتقيات"، مضيفًا "ملف المرأة الريفية جلب أموالاً منذ الثورة ما يحوّل حياة المرأة ويقلبها 90 درجة، إذ لو صرفت تلك الأموال في مشاريع خاصة بالمرأة الريفية لتغيّرت حياة أغلبهن وتم ضمان مورد رزق خاص لأغلبهن".  

وختم حديثه معنا بالقول إن "المنظمات العالمية تدفع أموالاً لا تُحصى ولا تُعد تصرف فقط في ورشات وتدريبات وندوات دون أن تحقق تغييرًا فعليًا على أرض الواقع للمرأة العامل في القطاع الفلاحي"، موضحًا أنّ "الأطراف التي تحقق منفعة من الظروف الهشة للعاملات في الزراعة تحاول إفشال تقدم مشروع حمايتهن اجتماعيًا، وحتى الوسطاء الذين يشغّلون الريفيات في ظروف غير قانونية من دون أيّ حماية لا يسعون إلى مساعدتهن في الحصول على الحماية الاجتماعية"، وفق تقديره. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

من "الشتيوي" إلى "البركة".. فلاح عصامي يقود معركة حماية البذور التونسية

تونس.. أين تهدّد كلفة الإنتاج والاستيراد الأمن الغذائي