19-فبراير-2018

تبدو تجربة تدريس الموسيقى للمؤذنين والأئمة في تونس فريدة (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

أعلنت وزارة الشؤون الدينية في تونس عزمها تدريس المؤذنين في مدارس الموسيقى بهدف تحسين أصواتهم في مجال تجويد الأذان، وذلك "وفقاً للمدرسة التونسية"، حيث كشف الوزير في تصريح لوكالة الأنباء المحلية "أنّ لتونس موروثاً مهماً من المؤذنين والقرّاء، تربّت أجيال من التونسيين على أصواتهم"، مشيرًا أن وزارته ستعمل على "تكوين جيل جديد من المؤذّنين وفق هذا الموروث". وبقدر ما بدا هذا الخبر غريبًا لدى البعض، خاصة خارج تونس، في علاقة بالحديث عن تدريس أئمة في معاهد للموسيقى أساسًا، فإنه يعكس توجهاً حكومياً واضحًا منذ سنوات نحو ترسيخ ما يطلق عليها "الخصوصية التونسية" في الفضاء الديني.

تتجه تونس نحو تدريس المؤذنين في مدارس الموسيقى بهدف تحسين أصواتهم في مجال تجويد الأذان وهي خصوصية تونسية غير متداولة عربيًا

عودة للخصوصية التونسية

في البداية، يعود مردّ التحفّظ على جزء كبير من المؤذنين الحاليين في المساجد التونسية إلى ارتفاع أصواتهم الرديئة بشكل مستهجن، مما جعل عديد العائلات المتاخمة للمساجد لا تترّدد في تقديم شكاوى. حيث ظهرت بذلك أصوات المؤذنين منفرة، والحال أنه على المؤذنين السعي لترغيب الناس لأداء الصلاة، منطقيًا، وما الصوت الجميل، بغض النظر عن مسألة ارتفاع الصوت، إلا عنصرًا في هذا المسعى.

ولكن حقيقة حول سبب التوجه نحو تدريس المؤذنين في مدارس الموسيقى، لا يقتصر الأمر فقط على مسألة ارتفاع الأصوات أو قبحها، بل كذلك على مسألة قيام بعض المؤذنين برفع الآذان وفق طرق غير دارجة في تونس، هي في الأصل مستوردة خاصة من المشرق.

ولا تنحصر حقيقة ثنائية التونسي الموروث وغير التونسي الوافد في المجال الديني على مسألة الآذان، بل تشمل مختلف جوانب هذا المجال، وتجاوزًا للحديث عن العقدي وبالاكتفاء بمستوى التمظهرات، يأتي الحديث عن النقاب الذي يعتبره جزء من التونسيين لباسًا دخيلًا وذلك بغض النظر عن مسألة وجوبيته من عدمها، وكذا الشأن بالنسبة لبعض الألبسة التي يرتديها النساء والرجال، والتي بنظر البعض هي استيراد لملابس أفغانية أو مجتمعات أخرى دخيلة على المجتمع التونسي مقابل التخلي مثلًا عن "السفساري" اللباس التقليدي.

اقرأ/ي أيضًا: مساجد الجامعات الجزائرية.. لله أم للأحزاب؟

ولا تتعلق المسألة في كليّتها بمناكفة بين التونسي وغير التونسي في المجال الديني، أو بتعصّب للخصوصية التونسية، بقدر ما تتعلق في جوهرها بسعي لإعادة ترسيخ هذه الخصوصية وتثبيتها في المجتمع التونسي، خاصة وأنه غالبًا حين الحديث عن مكافحة التطرف والإرهاب، يحضر القول إن التخلّي عن هذه الخصوصية بل و"محاربتها" من البعض، هو سبب جوهري في جنوح الشباب نحو أفكار متطرفة دائمًا ما يقال إنها دخيلة على الفكر الإسلامي في تونس.

في هذا الجانب، يظهر نظام ابن علي، والحقيقة منذ ما قبله نظام بورقيبة، في قفص الاتهام، وذلك لمحاربتهما لمظاهر التدين بشكل قمعي وذلك في سياق محاربة نظام الاستبداد قبل الثورة للحركات الإسلامية، ومن ذلك، توجه طيف واسع من التونسيين نحو المشرق، خاصة في زمن صعود الفضائيات الدعوية، مقابل تصحّر ديني شبه تام في تونس، وهو ما أدى إلى نتائج عكسية بعد الثورة. وبذلك في هذا السياق، كانت الحاجة للعودة للأصول التونسية، وليس الأذان اليوم إلا أحد عناوين هذه العودة.

لا تنحصر حقيقة ثنائية التونسي الموروث وغير التونسي الوافد في المجال الديني على مسألة الأذان بل تشمل مختلف جوانب هذا المجال ومنها اللباس وخاصة النقاب  

اقرأ/ي أيضًا: خطبة الجمعة الموحَّدة.. "كارت أحمر" لشيخ الأزهر

الأذان وفق المدرسة التونسية

حين الحديث عن الأذان وفق المدرسة التونسية، يأتي الحديث بالضرورة عن الشيخ علي البراق فهو أكثر أصوات المؤذنين التي لا تزال راسخة في عقول التونسيين، فهم يعرفونه مؤذنًا وكذلك قارئًا للقرآن الكريم برواية قالون عن نافع، وقد رسخ صوته لدى التونسيين على مر الأجيال خاصة لتلاوته للقرآن قبيل أذان المغرب في شهر رمضان.

وكان قد دشّن الشيخ علي البراق، الذي توفي سنة 1981، الإذاعة التونسية فور افتتاحها سنة 1938، ولا تزال تسجيلات صوته تؤثث لليوم فقرات الإذاعة لا سيما في المناسبات الدينية.

والأذان بالصوت التونسي مُستوحى من الطبوع أو المقامات التونسية ومن بينها "طبع الحسين"، وهو البياتي في الشرق، و"طبع الإصبعين" وهو مقام الحجاز، و"طبع المحير سيكا" الذي يقابله مقام النهاوند، وغيرها من المقامات.

ومن المنتظر إجمالاً أن يتم تدريس المؤذنين للطبوع التونسية بمعهد الرشيدية، وهو أشهر معاهد الموسيقى في تونس وأقدمها حيث تأسس في ثلاثينات القرن الماضي، غير أنه لم يتم بعد ضبط برنامج التدريس ومدّته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

غضب مغربي متبادل بين الدولة والشعب على الخطباء والأئمة

تحفيظ القرآن بالمدارس الحكومية في تونس.. المعركة!