21-ديسمبر-2017

صورة للحج إلى ضريح بهاء الله في عكا (الموقع الرسمي للبهائيين في تونس)

 

منذ أشهر، احتفلوا بالذكرى المائوية الثانية لميلاد بهاء الله، رسولهم. خرجوا للنور، في ندوة صحفية مثلت سابقة في تاريخهم في تونس. إنهم بهائيو تونس، معتنقي الديانة البهائية، اللذين يجهل عموم التونسيين الكثير عنهم، وربما يجهل الكثير من التونسيين وجودهم وديانتهم تمامًا. فقد بقوا خارج دائرة الضوء لعقود، رغم التصريحات الصحفية النادرة، بين الحين والآخر، والتي تدعمت وتيرتها إبان الثورة التونسية.

لا رجال دين في البهائية بل محفلًا ذاتيًا منتخبًا، وفي تونس يحرص هذا المحفل، منذ سنوات، على الحصول على اعتراف رسمي وإطار قانوني لممارسة نشاطاته

يقولون إن "الأرضية أكثر ملائمة بعد الثورة وبعد المصادقة على الدستور الجديد، ليخرجوا للعلن ولكل التونسيين"، وإن انتظاراتهم بعد التغييرات التشريعية ومناخ الحرية توسعت. لكنها بقيت في حدود الانتظارات لا أكثر.

"الترا صوت" حاور البعض من بهائيي تونس، في محاولة لاستيعاب تطلعاتهم المستقبلية ووضعهم الراهن، في ظل تواصل الحديث، عند البعض وحتى في الإعلام المحلي، عن "سيناريوهات المؤامرة والتدخل الأجنبي"، التي تقودها الأقليات على اختلافها في تونس، والذي تصاعدت بعد علو صوت هذه الأقليات، على اختلافها، في السنوات الأخيرة.

اقرأ/ي أيضًا: عيد الرضوان.. أقدس أعياد البهائية

تجاهل السلطة وضعف الانفتاح رغم التعايش..

"عند السلطات التونسية، على اختلافها، تنتشر ثقافة الإنكار، أي أنه يعرف بوجودك، لكن لا يتعامل معك، أسميه خيار اللا مواجهة"، هكذا يتحدث محمد بن موسى، مهندس تونسي من معتنقي الديانة البهائية، وهو عضو في مكتب الإعلام في المحفل الروحاني البهائي، عن تعاطي السلطات معهم ومع مراسلاتهم المتكررة.

يذكر أن سلطات ما بعد الاستقلال، لم تمنح البهائيين ترخيصاً قانونياً للنشاط، لكنها غضت البصر في ذات الوقت عن المركز البهائي العام في العاصمة التونسية، وعن نشاطاتهم. وعام 1969، أصدرت السلطات قانوناً يتعلق بـ"الاجتماعات العامة والمواكب والاستعراضات والتظاهرات والتجمهر"، انجر عنه حل المحفل الروحاني الإقليمي لشمال غرب إفريقيا، الذي كان مقره تونس. لكن المحفل الروحاني البهائي التونسي عاد للنشاط بعد انتخابات ذاتية منذ عام 1972 لكن دون اعتراف رسمي قانوني.

أما عن علاقتهم مع باقي مكونات الشعب التونسي، فيجيب بن موسى: "نحن جزء من هذا الشعب، محيطنا المباشر يعرف ديننا، فالبهائي لا يخفي هويته ومعتقداته، نحن نشارك هويتنا مع المجتمع لكن لا يتقبلنا الجميع كما نحن، لا نخفي أننا نصطدم أحيانًا بتفكير موغل في النمطية".

محمد بن موسى، عضو المحفل الروحاني البهائي التونسي: "عند السلطات تنتشر ثقافة الإنكار، أي أنه يعرف بوجودك، لكن لا يتعامل معك، أسميه خيار اللا مواجهة"

ففي رسالة وجهها المحفل الروحاني المركزي للبھائيين في تونس، الممثل للبهائيين التونسيين، في أيلول/ سبتمبر الماضي إلى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، عبروا عن ما اعتبروه "مظالم متكررة مسلّطة ضدهم وتمييزًا على أساس الدين"، ذاكرين "إيقاف طالب، يبلغ من العمر 20 عامًا، من قبل عوني أمن بمحافظة المنستير مؤخرًا، للتحقيق معه حول ديانته ثم الإفراج عنه دون تحرير محضر، ودون توجيه أي تهمة له أو تمكينه من استدعاء محام".

وطالب المحفل الروحاني البهائي في تونس، في رسالته، بـ"رفع الظلم والتجاوزات المتكررة على أساس الدين، عن البهائيين" تكريسًا لدستور البلاد الذي يكفل، حسب فصله السادس، حرية المعتقد وحرية الضمير لكل التونسيين.

وينص الفصل كاملًا إلى كون "الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي. تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدّسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها".

وتعليقًا عن الحادثة الأخيرة، يقول بن موسى: "نحن نرغب أن ننشط في العلن، وإذا كنا غير مرحب بنا في تونس ليعلمونا بذلك، وإذا المواطنة لا تقتضي العدل والمساواة بين الجميع فعن أي مواطنة نتحدث". أما دليلة مصدق بن مبارك، وهي محامية المحفل المركزي للبهائيين في تونس، فعلقت: أن "ظهور البهائيين بشكل متزايد للعلن في تونس مؤخرًا، وظهور الأقليات الجنسية أيضًا للحديث عن حقوقها، هي مؤشرات أن البناء الديمقراطي يتقدم تونسيًا، فعندما تحس أن المجتمع يحميك فإنك لن تختار التخفي والعزلة". وتضيف مصدق: "لكننا لا ننفي تواصل مضايقات الأمن وبعض المواطنين فلابد من وقت لاستبطان التغيير الحاصل".

وعن تجربتها الخاصة، تحدث "الترا صوت" مع سناء اللطيف، شابة تونسية في منتصف الثلاثينات، ومهندسة. تصارحنا اللطيف: "مجتمعنا يؤمن بالتعايش لكن هناك أيضًا خوف من المختلف لا يمكن نفيه، لم يسبق لي شخصيًا أن تعرضت لتمييز على أساس ديني لكن حصل هذا مع أحد معارفي"، تسترسل: "هناك من لم يتحصل على ترقيته المهنية رغم أحقيته بها لسنوات عديدة بسبب دينه".

إعلاميًا، لا يقرأ ولا يسمع التونسي عن البهائيين في بلده، إلا في مناسبات نادرة جدًا، تدعمت بعد الثورة خاصة في الإعلام الأجنبي والعربي. وهو ما جعلهم مجهولين عند جزء واسع من التونسيين أو تدور حولهم معلومات لا إثبات لها وهي أحيانًا أقرب للفانتازيا والخيال. لم تخل نبرة محمد بن موسى، عند حديثنا معه، من لوم واضح للإعلام: "العملية تشاركية في حقيقة الأمر، سُلطت علينا في السابق ضغوط عدة لذلك خيّرنا أحيانًا الصمت، هذا من جانب، لكننا نتطور في وعينا ونحاول الانفتاح. في المقابل، وفي عديد المناسبات، نتعرض للشتم والتكفير في وسائل الإعلام ولا نحظى بحق الرد ويتم تجاهلنا".

ويوضح: "نحن جزء من الشعب التونسي، من تبيّن أي تجاوز من قبلنا للقانون فليعاقبنا لكن السيناريوهات التآمرية في علاقة بالخارج فلا معنى لها. كما أننا لا نقبل تمويلًا أجنبيًا، التنوع ثراء لا يجب أن يخيفنا". في ذات السياق، تخبرنا سناء اللطيف أن "أبناء البهائيين لا يدرسون في مدارس خاصة، وهو يحضرون دروس التربية الإسلامية ولا يضايقهم ذلك في شيء"، تضيف: "هذا ثراء ومن جانبنا كأولياء ندرسهم قيم البهائية أيضًا".  

ظهور البهائيين بشكل متزايد للعلن في تونس مؤخرًا هو مؤشر عن أن البناء الديمقراطي يتقدم تونسيًا، فعندما تحس أن المجتمع يحميك فإنك لن تختار التخفي والعزلة

وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 1817، ولد بهاء الله، الرسول المؤسس للدين البهائي، حسب أتباعه. لذلك في منتصف أكتوبر الماضي نظم المحفل البهائي في تونس أول ندوة صحفية موجهة للإعلاميين في محاولة "لمزيد الانفتاح على التونسيين"، كما ورد في بيانهم، مؤكدين أن "البعد عن الأضواء لم يكن خيارهم ومع الانفتاح الذي عرفته البلاد إبان الثورة والتطور التشريعي خيّروا مزيد الانفتاح".

اقرأ/ي أيضًا: غدًا صيام.. ما لا تعرفه عن "رمضان البهائيين"

مطالبنا.. إطار قانوني ومقبرة خاصة

يطالب بهائيو تونس بإطار قانوني ينظم وجودهم ومشاركتهم في الحياة العامة، وقد تقدمت مؤسستهم المنتخبة ممثلة في المحفل الروحاني المركزي، للسلطات التونسية، في أكثر من مناسبة، حسب تصريحاتهم، من أجل الحصول على اعتراف رسمي. لكن لا يتوفر رد واضح إلى حدود كتابة هذه الأسطر، كما أن مطالبهم صعّدت شكوك البعض إزاء "مخططاتهم". في هذا السياق، يوضح محمد بن موسى لـ"الترا صوت": "من ركائز ديانتنا مبدأ الولاء للدولة، بالتالي نحن نحترم قوانين البلاد وعلى رأسها الدستور والمعاهدات الدولية التي أمضت عليها تونس وكلها تكرس حرية المعتقد وممارسة طقوسه".

ويضيف: "نحن لا نخفي معتقدنا، وفي أي مناسبة يتم استدعاؤنا، نحضر ونعبر عن آرائنا وقيمنا لكننا نصبو إلى أكثر من ذلك فتونس كانت دائمًا سباقة، موضحًا: "نريد اعترافًا رسميًا بالمحفل الروحاني المركزي للبهائيين في تونس لأنها مؤسسة منتخبة سنويًا وهي تضم تسعة أعضاء جميعهم منتخبين من بهائيي تونس، ونعلم السلطات كل سنة بهذه الانتخابات ونتائجها، سيمكننا الاعتراف من إطار قانوني ننشط من خلاله".

يذكر أن البهائيين شاركوا في مداولات المجلس الوطني التأسيسي (مجلس تم انتخابه إبان الثورة لكتابة دستور البلاد) الخاصة بكتابة دستور الجمهورية الثانية، وقدّموا رؤيتهم للجانه، كما شاركوا في مختلف اللقاءات التي دعوا لها، مركزين عادة في خطابهم على قيم التعايش وتقبل الآخر.

لا يحبذ إذًا بهائيو تونس مواصلة العمل في الخفاء، ويرغبون في الاقتداء بدول أخرى كالبرازيل التي تعترف بالبهائية كدين، أو كفرنسا، البلد اللائكي الذي نظم أنشطتهم وفقًا لقانون محدد للجمعيات. تقول اللطيف لـ"الترا صوت": "لا نحدد للسلطات هيكلة محددة بل لها أن تختار، ما يهمنا هو الانتقال من منطق التغاضي والإهمال لنا ولمطالبنا".

إعلاميًا، لا يقرأ ولا يسمع التونسي عن البهائيين في بلده، إلا في مناسبات نادرة جدًا، وهو ما جعلهم مجهولين عند جزء واسع من التونسيين

ويرجع انتشار البهائية في تونس لسنة 1921، أي منذ حوالي قرن، عندما آمن عدد من التونسيين بالدين البهائي على يد شيخ أزهري هو محي الدين الكردي، كان في زيارة إلى بلدنا واستقر في تونس لتبليغ رسالة بهاء الله، مكلفًا من عباس أفندي (1844 -1921) المُلقب بعبد البهاء، وهو نجل بهاء الله، ثم ساهم من آمن بالدين البهائي في إيصال الدين إلى محيطه. وتؤكد معطيات تعود للعام 1963، وجود محفل روحاني مركزي في تونس.

مقبرة خاصة لدفن موتاهم، هو مطلب البهائيين الثاني. يوضح بن موسى: "لدينا طقوس خاصة لدفن موتانا، مثلًا صلاة الجنازة في البهائية هي الصلاة الوحيدة التي تتم في جماعة وتؤمها امرأة أو رجل، لذلك نجد مشاكل عند دفن أحد موتانا". يعلق بتعجب: "هل يمكن لدولة، تحترم نفسها، أن تحرم موتاها من الدفن بالطريقة التي يريدونها ووفق الطقوس التي يرغبون بها؟".

حدثنا بن موسى عن حادثة سابقة في محافظة المهدية، مدينة ساحلية تقع 200 كلم جنوب تونس العاصمة، حين توفي شخص معروف في المنطقة بأنه بهائي، ولكن رغم تقديره وحظوته بين الناس، رفض بعض المتشددين دفنه في مقبرة المسلمين، وتم الالتجاء إلى تدخل بعض سكان المدينة ليتم القبول بدفنه في ذات المقبرة.

لا تقية، لا تبشير ولا إكراه.. تقبلونا كما نحن

يجهل التونسيون البهائية. يساهم في ذلك قلة عدد المنتمين لها، الذي لم نستطع التوصل لضبطه لا من مصادر رسمية ولا من حديثنا مع عدد من المنتمين لهذه الديانة. لكن تُطرح أسئلة عدة خاصة في علاقة بتفاعلهم مع الأديان الأخرى.

في هذا السياق، تحدثت سناء اللطيف لـ"الترا صوت": "ولدت في عائلة بهائية، لكن الدين البهائي لا يورّث بالضرورة، لا أحد فرض علي اعتناق البهائية، تحريت بنفسي واخترت عن قناعة في سن الخامسة عشرة". تضيف: "التقية عندنا حرام، والتبشير غير موجود فالشخص يقتنع ويبحث عن الدين المناسب له بنفسه".

يواصل محمد بن موسى: "في اعتقادنا سيدنا محمد ختم النبوة ولم يختم الرسالة، وفي البهائية، نطبق الأحكام من صلاة وصيام بغاية المحبة وليس طمعًا في الجنة. يقوم كل شخص بعباداته في مكانه الخاص، لا معابد ولا مساجد ولا كنائس، هي فقط بعض دور العبادة الرمزية في بعض البلدان، وهي تجسيد لوحدة الجنس البشري والأديان والدخول لها مسموح به للجميع".

إجمالًا، يروّج بهائيو تونس لخطاب يركز على القيم الإنسانية والتعايش والسلام، وهو ما يجنبهم صعوبات في التعايش مع الأغلبية المسلمة في البلاد، رغم بعض المشاحنات بين الفينة والأخرى، ومنها رفع بهائيين تونسيين دعوى قضائية ضد كاتب تونسي، سنة 2013، احتجاجًا على كتاب "تجنى عليهم" من خلاله، حسب تعبيرهم. لكن خطابهم "المسالم" لم يحقق لهم مكاسب من السلطة، التي حافظت على ثنائية غض البصر حينًا والتصعيد ضدهم أحيانًا أخرى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سلطة الجزائر تطارد أتباع الأحمدية.. من هم الأحمديون؟

المثليون في تونس.. هل تأتي المحكمة الدستورية بالجديد؟