قرب الشواطئ أو الأسواق الأسبوعية أو المصحات أو حتى الحدائق العمومية والمعارض، يتوزعون جماعات أو فرادى، متقاسمين بعض الفضاءات هناك، ليفرضوا على كلّ باحث عن مكان لركن سيارته معاليم تتراوح بين الدينار والثلاثة دنانير. وغالبًا ما يرضخ أصحاب السيارات لهم نظرًا لحاجتهم إلى مكان ما. ولكن الغالبية تتساءل عن وجود هؤلاء وفرض معاليم على الناس والحال أنّ أغلب الفضاءات التي يسيطرون عليها عادة ما تكون إما طرقات عادية أو مآوي خصصتها البلدية لزوار الحدائق العمومية أو بعض المعارض والشواطئ.
انتشرت خلال السنوات الأخيرة في تونس ظاهرة الحراس العشوائيين وهم يسترزقون بطرق غير قانونية ويفرضون سطوتهم على الناس
وقد انتشرت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة الحراس العشوائيين لكسب المال بطرق غير قانونية، وابتزاز أصحاب السيارات الذين يتعذّر على أغلبهم إيجاد أماكن شاغرة في بعض المآوي القانونية. وأصبحت ظاهرة "باندية" المآوي العشوائية عبئًا ثقيلًا على أصحاب السيارات الذين يضطرون إلى دفع مبالغ مالية خوفًا من تهشيم أو سرقة سياراتهم.
اقرأ/ي أيضًا: بائع الورد الصغير.. طفل يبيع الحب ويشتري "الموت"
بهراوته يهرول أحد هؤلاء إليك وأنت تبحث عن مكان شاغر لوضع سيارتك. وعبثًا تحاول الحديث معه، أو تسأله إن كان متحصلًا على ترخيص لاستغلال المأوى أم لا ؟ ينهرك بغطرسة "ضع سيارتك وفقط. أنا مسؤول هنا عن هذا الفضاء". طريقة إجابة تجعل كل سائل على قناعة بأنّه يعمل بطريقة عشوائية دون أن يكون حاصلًا على ترخيص من قبل وكالة التصرف البلدي. مع ذلك ترضخ للأمر فلا خيار لديك غالبًا.
أحد حراس المآوي في الحمامات وقد صوره أحد المواطنين (صفحة توانسة في قطر 2)
وكثيرًا ما تشاهد خلافاتهم حول تلك الفضاءات التي يتقاسمونها بطريقة غير قانونية. ومع ذلك لا يجد أي باحث عن مكان لسيارته بديلًا عن دفع تلك المعاليم لهؤلاء رغم يقين أغلبهم أنّهم يستغلون المكان بطريقة غير قانونية.
يقول محمد (46 سنة) أحد المواطنين وهو يركن سيارته بجهة حلق الوادي، إن ظاهرة الحراس العشوائيين تكثر في تونس وخاصة بجهة حلق الوادي صيفًا، موضحًا أن المكان المخصص في البراطل يوفر حراسًا من قبل البلدية، لكن في الأماكن الأخرى القريبة من الشاطئ وعلى الطرقات يستغلها بعض الشباب بطرق عشوائية منصبين أنفسهم على أنّهم حراس المكان.
ويضيف أن "الغريب أنّهم يختلفون يوميًا فيما بينهم حول ذلك المكان وينشب بينهم عراك على استغلال الناس والظفر بأكثر مبلغ مالي بل ويفرضون أحيانًا دفع ثلاثة دينارات مقابل ركن سيارة واحدة".
كريم حريزي (مواطن تونسي) لـ"الترا تونس": هيئة الحراس العشوائيين غريبة.. كل واحد منهم ممسك بهراوة عادة وكأنّهم قطاع طرق
ولا يختلف كريم حريزي (51 سنة) في رأيه عن محمد رغم أنّه يقطن بجهة المرسى. ويبيّن "أنّ أغلب المناطق القريبة من الشواطئ خاصة تستغل بطرق غير قانونية من قبل أشخاص ينصبون أنفسهم حراسًا على تلك الفضاءات ليفرضوا على الناس معاليم مالية".
ويقول محدثنا " هيئتهم غريبة، كل واحد منهم ممسك بهراوة، وكأنّهم قطاع طرق أكثر منهم حراسًا، وهذا أمر مخجل فعلًا خاصة في منطقة سياحية كالمرسى". ويضيف "أنّهم يوجدون في عدّة مناطق بتونس وأحيانًا يعتدون على كل من يرفض دفع تلك المعاليم التي يفرضونها على الناس". فيما أشار إلى أنّه "عادة ما يوزع الحراس المنظمون وأصحاب الرخص وصل دفع المعلوم، إلاّ أنّ هؤلاء لا يفعلون ذلك، وهو ما يجعلنا متأكدين أنّ أغلبهم يعملون بطرق عشوائية".
اقرأ/ي أيضًا: "عساس الليل".. تراجيديات تحت القمر
عصابة تستحوذ على مأوى بلدي بالعاصمة (مصدر الفيديو: شمس فم)
وكثيرًا ما تعمد الوحدات الأمنية التابعة للإدارة العامة للأمن العمومي في إطار التصدي لظاهرة الحراس الفوضويين إلى إجراء حملات أمنية واسعة في أغلب المآوي التي تقع بالفضاءات المحروسة بصفة غير قانونية الراجعة بالنظر إلى كافة مناطق الأمن الوطني. وتكثر هذه الحملات خصوصًا في فصل الصيف الذي يستغل فيه بعض هؤلاء حاجة الناس إلى الاصطياف أو الترفيه.
وقد أسفرت حملات الوحدات الأمنية سنة 2016 عن ضبط 165 حارسًا عشوائيًا. وباستشارة النيابة العمومية في شأنهم أذنت بالاحتفاظ بـ 10 منهم وتقديم 25 نفرًا وإبقاء 130 بحالة سرًا، وفق بلاغ صادر عن وزارة الداخلية. كما بلغ عدد الإيقافات للحراس العشوائيين سنة 2017 بين 200 و300 شخص تم تقديمهم للعدالة. فيما قامت الوحدات الأمنية الشهر الماضي بمداهمة العشرات من المآوي العشوائية خاصة في تونس الكبرى. وتمكنت من ضبط 80 حارسًا عشوائيًا، وذلك بعد ورود عديد الشكاوي من أصحاب السيارات الذين تضرروا من حراس المآوي العشوائيين الذين يفرضون عليهم دفع مبالغ مالية عن كل ساعة يتم وضع السيارة داخل المأوى، مهددين إياهم بتهشيم سياراتهم في صورة رفض دفع الأموال المطلوبة، وفق بلاغ وزارة الداخلية.
مصدر أمني لـ"الترا تونس": تكثر المأوي العشوائية قرب الشواطئ وبعض المصحات والفضاءات العمومية وهي محل متابعة أمنية من خلال حملات للحد منها
وقد أفاد مصدر أمني "الترا تونس" أنّ الوحدات الأمنية غالبًا ما تقوم بحملات مداهمة لتلك الفضاءات وضبط عشرات الحراس العشوائيين واتخاذ الإجراءات القانونية في شأنهم وذلك سواء بعد ورود شكايات من قبل المواطنين أو بعض البلديات التي تسجل مثل تلك التجاوزات غير القانونية.
وأضاف مصدرنا أنّ الظاهرة تشتد أكثر خلال فصل الصيف لذا تقوم الوحدات الأمنية بصفة مستمرة بحملات أمنية في أغلب المناطق التي تكثر فيها مثل تلك الممارسات قرب الشواطئ أو بعض المصحات أيضًا، أو بعض الفضاءات العمومية. وقد تمّ إيقاف تسعة حراس عشوائيين بمحيط إحدى المصحّات بجهة حي الخضراء ومباشرة قضية عدلية في شأنهم بسبب ابتزازهم للناس. فيما تمّ إيقاف أكثر من سبعين آخرين في مناطق مختلفة استغلوا بعض الطرقات لينصبوا أنفسهم حراسًا عليها، وفق ذات المصدر.
على صعيد آخر، أكد محدّثنا أنّ أغلب الحراس القانونيين والمنظمين يمنحون صاحب السيارة وصلًا قانونيًا بثمن معلوم ركن السيارة، غير ذلك فكل من لا يسلم وصلًا في الغرض فهو يعمل غالبًا بطريقة غير قانونية.
وأمام تواصل استمرار هذه الظاهرة وهرسلة المواطنين، من المهم وضع خطة فعالة لوضع حدّ للمضايقات التي تطالهم وتجبرهم على دفع أموال بطريقة غير قانونية تحت أنظار السلطة، التي قد تبدو عاجزة رغم بعض التدخلات الأمنية.
اقرأ/ي أيضًا: