12-مايو-2018

التونسيون مستاؤون من الأوضاع السياسية والاقتصادية رغم المنجز في الحقوق والحريات (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

أعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، خلال الأسبوع المنقضي، عن نتائج المؤشر العربي 2018/2017 الذي شمل 11 بلدًا عربيًا. ويتضمن المؤشر العربي السادس، مثل ما دأب عليه منذ انطلاقته عام 2011، أرقامًا ومؤشرات بخصوص تونس التي تعدّ البلد الوحيد في المنطقة العربية الذي يعيش مرحلة انتقال ديمقراطي ويؤسس لدولة القانون والمؤسسات.

يشمل المؤشر العربي الذي يصدره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 11 بلدًا عربيًا من بينها تونس التي تعدّ البلد الوحيد الذي يعيش مرحلة انتقال ديمقراطي في المنطقة

وصدر المؤشر العربي في وقت من المنتظر أن تشهد فيه تونس في الأيام القليلة القادمة تحويرًا وزاريًا سيشمل عددًا من الوزراء الذين فشلوا في إدارة وزاراتهم وأفاضوا كأس صبر الممضين على وثيقة قرطاج، وفق ما أفادت به مصادر مطّلعة لـ"الترا تونس". إذ يأتي هذا التعديل الوزاري في ظل أزمة سياسية ترتب عنها إعادة صياغة وثيقة قرطاج للخروج بنسخة ثانية تتماشى مع أولويات المرحلة، وفق ما تشير الأطراف السياسية المنخرطة فيها.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: الانتخابات البلدية في تونس.. حراك محلي ورهانات كبرى

وتتسم الأوضاع العامة في تونس هذه الفترة بانخفاض منسوب ثقة التونسيين في السياسيين وهو ما يعكسه العزوف عن المشاركة في الاستحقاق الانتخابي البلدي الذي لم يتجاوز 36 في المائة. وفي هذا الإطار، يكشف المؤشر العربي عن عدم ثقة 72 في المائة من التونسيين في الأحزاب السياسية، فيما يقول 70 في المائة إنهم غير مهتمين بالشؤون السياسية في تونس. وربما يتأكد هذان الرقمان أيضًا من معطى حصول القائمات المستقلة مجتمعة على أعلى نسب التصويت بنسبة 32.9 في المائة وفق النتائج الأولية للانتخابات البلدية.

في نفس السياق، اعتبر 80 في المائة من التونسيين أن الوضع السياسي في تونس سيء من بينهم 48 في المائة اعتبروه سيءًا جدًا وهي أعلى نسبة تقييم سلبي في جميع البلدان التي شملها المؤشر وهي موريتانيا، والمغرب، وتونس، ومصر، والسودان، وفلسطين، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعودية، والكويت.

ورغم الجدل المتعلق بحكومة يوسف الشاهد والانتقادات التي طالت عددًا من الوزراء خاصة في علاقة ببعض المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية إلا أن 54 في المائة من التونسيين يثقون بالحكومات، في حين لا يثق 44 في المائة بالحكومات منهم 34 في المائة لا يثقون بصفة مطلقة وفق المؤشر العربي، وهي نسبة تُعتبر مرتفعة قد تجد تفسيرها في عدم تنفيذ الأحزاب المكونة لهذه الحكومات لوعودها الانتخابية.

المؤشر العربي 2018/2017: 72 في المائة من التونسيين لا يثقون في الأحزاب السياسية و70 في المائة غير مهتمين بالشؤون السياسية في تونس

ويظهر أيضًا أن التونسيين قد فقدوا ثقتهم في مجلس نواب الشعب خاصة بعد الجدل الذي رافق المصادقة على قانون المصالحة الإدارية التي اتسمت بمشاحنات بين الأحزاب الحاكمة والأحزاب المعارضة وذلك بالإضافة إلى ضعف أداء المجلس النيابي عمومًا، إذ لا يثق 67 في المائة من التونسيين في مجلس نواب الشعب منهم 55 في المائة لا يثقون فيه إطلاقًا.

ومن بين المؤشرات المتعلّقة بالمجال السياسي والحريات في تونس، يوجد مؤشر نظرة التونسيين إلى الفساد المالي والإداري إذ يؤكّد 91 في المائة من التونسيين أن الفساد المالي والإداري منتشر في البلاد. وكانت الحكومة قد أعلنت حملة لمكافحة الفساد في ماي/آيار من السنة الماضية عقبتها جملة من الإيقافات في صفوف رجال أعمال، وقد طالت هذه الحملة انتقادات باعتبارها حملة "تصفية الحسابات". وقد شكّكت المعارضة التونسية في توفر الإرادة السياسية لمكافحة الفساد خاصة بعد مصادقة مجلس نواب الشعب على قانون المصالحة الإدارية التي اعتبرته المعارضة تبييضًا للفساد وتطبيعًا معه.

المؤشر العربي 2018/2017: 91 في المائة من التونسيين يؤكدون بأن الفساد المالي والإداري منتشر في البلاد

وكان قد أقر رئيس الحكومة يوسف الشاهد في أكثر من مناسبة بأن الإصلاحات الكبرى التي تقدم عليها البلاد تبقى رهن الحرب ضد الفساد الإداري والمالي، مشيرًا إلى أن الحرب على الفساد هي حرب طويلة المدى وتستوجب وقتًا وجهودًا مضنية لا من قبل الحكومة فقط وإنما أيضًا من قبل كل التونسيين. فيما قال رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب في تصريحات سابقة إنه لا يمكن النجاح في الحرب على الفساد بالإمكانيات الحالية للهيئة وهيئات الرقابة ودائرة المحاسبات والسلطة القضائية، داعيًا الحكومة إلى الاستثمار في مكافحة الفساد وتوفير الإمكانيات اللازمة للنجاح في الحرب على الفساد.

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة: "الإجابة لا تزال تونس"

وفي سياق متّصل، يرى 84 في المائة من التونسيين أن الدولة لا تقوم بتطبيق القانون بين الناس والفئات بطريقة متساوية، وهو ما يعكس كثرة الانتقادات التي تطال الأجهزة الرسمية للدولة خاصة في علاقة بإجراءات رفع الحصانة عن بعض أعضاء مجلس نواب الشعب، إضافة لحديث عديد المنظمات الحقوقية عن استفحال آفة الإفلات من العقاب بالنسبة لعديد المسؤولين.

المؤشر العربي 2018/2017:  84 في المائة من التونسيين يرون أن الدولة لا تقوم بتطبيق القانون بين الناس والفئات بطريقة متساوية

ويؤيد، في الأثناء، 64 في المائة من التونسيين مقولة إن "مجتمعنا غير مهيأ لممارسة النظام الديمقراطي" مقابل معارضة 31 في المائة لهذه المقولة، وفق ما ورد في تقرير المؤشر العربي. وربما ينبع إحساس التونسيين بعدم جاهزية المجتمع لممارسة الديمقراطية من عدم الاستقرار على المستوى السياسي في تونس بعد الثورة خاصة وأن فترة الانتقال الديمقراطي شهدت أزمات عديدة لعلّ أشدّها بعد اغتيال سياسيين معارضين سنة 2013، كما قد يجد الرقم تفسيره في الصعوبات الاقتصادية بعد الثورة.

إذ في نفس الإطار، يوافق 40 في المائة من التونسيين على مقولة أن "الأداء الاقتصادي يسير بصورة سيئة في النظام الديمقراطي"، وهي أعلى نسبة موافقة على هذه المقولة في البلدان الخاضعة لاستبيان المؤشر العربي، وإن كان 56 في المائة من التونسيين أبدوا معارضتهم على هذه المقولة.

المؤشر العربي 2018/2017: 81 في المائة من التونسيين يقولون إنهم قادرون على نقد الحكومة دون خوف وهي أعلى نسبة في البلدان الخاضعة لاستبيان المركز العربي

أما في علاقة بمؤشر نقد الحكومة دون خوف، تحظى تونس بأعلى نسبة في البلدان الخاضعة لاستبيان المركز العربي إذ يقر 81 في المائة من التونسيين بقدرتهم على فعل ذلك. ويأتي هذا الارتياح لدى التونسي رغم بعض التضييقات على حرية التعبير على غرار إحالة مواطنين على القضاء من أجل تدوينات على فيسبوك. ولكن تظلّ تونس متّسمة بمناخ من الحريات والحقوق العامة مقارنة بالدول الأخرى التي شهدت ثورات، وهو ما كرسه دستور 2014، ولعلّ ذلك ما يفسر أيضًا تأكيد 44 في المائة من التونسيين بأن الحريات العامة مضمونة.

من جانب آخر وفي نسبة هي الأعلى في البلدان التي شملها المؤشر العربي، أعرب 96 في المائة من التونسيين عن ثقتهم في الجيش التونسي، وهو ما ينبع من نأي المؤسسة العسكرية عن التجاذبات السياسية وتجندها لحماية المسار الانتقالي إلى جانب تجندها في محاربة الإرهاب.

في المقابل، تقل ثقة التونسيين في الأمن بـ20 نقطة، وهو ما يعود في جزء منه إلى الاعتداءات الأمنية على المواطنين واستعمالهم للقوة المفرطة في عديد المناسبات خاصة في التعامل مع الاحتجاجات الاجتماعية وذلك دون بخس دور المؤسسة الأمنية في محاربة الإرهاب والجريمة، وإن لازالت هذه المؤسسة بحاجة للإصلاح لضمان عدم ممارستها مجدّدًا للانتهاكات بحق التونسيين كما كان الحال قبل الثورة.

المؤشر العربي 2018/2017: 89 في المائة من التونسيين يعتبرون القضية الفلسطينية هي قضية جميع العرب و93 في المائة على معارضتهم لاعتراف تونس بإسرائيل

وفي سياق آخر، اعتبر 89 في المائة من التونسيين أن القضية الفلسطينية هي قضية جميع العرب وليست قضية الفلسطينيين لوحدهم. كما شدّد 93 في المائة على معارضتهم لاعتراف تونس بإسرائيل. وتأتي هذه الأرقام لتؤكد الالتزام المطلق للتونسيين بدعم القضية الفلسطينية ولرفضهم الحازم للتطبيع مع الكيان الغاصب، وكانت قد زفّت تونس قبل سنة ونصف ابنها المهندس محمد الزواري شهيدًا باسم المقاومة الفلسطينية لينضم إلى قافلة الشهداء التونسيين الذين وهبوا حياتهم دعمًا لـ "أم القضايا العربية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

قراءة في كتاب "تطوّر الخطاب السياسي في تونس تجاه القضية الفلسطينية"

تقدير موقف: احتجاجات تونس.. جدل الأسباب والمسؤولية