تسود حالة من الجدل في الساحة الإعلامية والجمعياتية التونسية حاليًا بعد إلقاء القبض مؤخرًا على مجموعة من الفنانين الشبان والمشاركين في أحداث الثورة التونسية، ومحاكمتهم بموجب قانون 52 المتعلق باستهلاك مادة القنب الهندي، أو ما يعرف بالزطلة في تونس.
تناولت بعض أغاني الراب تورط عناصر من البوليس في ترويج القنب الهندي داخل السجون التونسية
ويعود سنّ هذا القانون إلى تاريخ 18 أيار/مايو 1992 ويطبق بموجبه عقوبة السجن من سنة إلى خمس سنوات، علاوة على خطية مالية تترواح من ألف إلى ثلاثة آلاف دينار، وليست هذه المرّة الأولى الذي يتصدّر فيها قانون 52 عناوين الصحف ووسائل الإعلام، ويكون موضوع الحديث للنخب السياسية لا سيّما الشبابية وهي المستهدفة بهذا القانون.
منذ قرابة السنتين، تمّ الإعلان عن مبادرة "السجين 52"، المكونة من محامين ونشطاء في المجتمع المدني، طالبوا من خلالها رئيس الحكومة آنذاك السيّد مهدي جمعة، بضرورة قانون 52 واستبدال العقوبة السجنية بنظام علاجي وإصلاحي، وقد تفاعل عدد من الجمعيات والمنظمات الوطنية والعالمية مع هذه المبادرة على غرار منظمة "هيومن رايتس واتش".
استهدف هذا القانون مجموعة من النشطاء والفنانين الشباب كالمدون المعروف عزيز عمامي، والفنان أحمد بن أحمد المعروف بـ كلاي بي بي جي.. وغيرهما من الشباب المعارض، وهو ما سلط الأنظار علنًا وفي وسائل الإعلام لتتناول النخب السياسية والمثقفة ظاهرة الإدمان على مادة القنب الهندي بعيدًا عن النصيحة والتشهير بالمدمنين، بل وصل الأمر في الفضائيات التونسية في سابقة من نوعها إلى استقبال بعض المدمنين دون إخفاء وجوههم، والذين حوكموا سابقًا بالسجن عقوبة على استهلاكهم هذه المادة المخدرة، حيث وجهوا أصابع الاتهام إلى السلطة التي لا تتعامل بجدية مع كبار المهربين والتجار والمروجين، وتكتفي بمعاقبة المتعاطين. كما تناولت بعض أغاني الراب التونسية تورط بعض عناصر من البوليس التونسي في ترويج هذه المادة داخل السجون التونسية، كما تغنت بعض أغاني الراب الأخرى بـ"الزطلة" وكأنّها الحبيبة ومدحت المتعة التي تحدثها بعد تعاطيها.
وقد سبق لوزير العدل السابق محمد صالح بن عيسى أن تقدّم بمبادرة منتصف هذه السنة لإصلاح هذا القانون، وتتعلق أساسًا بالوقاية والعلاج، ومن أهمّ بنود هذه المبادرة تضمين إجراءات جديدة للمستهلكين الجدد على غرار إسعافهم من تنفيذ العقاب البدني، واستبدال عقوبة السجن بعقوبة العمل لصالح العمل العام.
في تونس، تشير إحصائيات رسمية إلى ارتفاع نسبة الإدمان في صفوف الشباب والمراهقين بنسبة تصل إلى 30%
وتشير بعض الإحصائيات الرسمية في السنوات الأخيرة إلى ارتفاع نسبة الإدمان في صفوف الشباب والمراهقين إذ تصل النسبة إلى 30 بالمئة، بين الفئة العمرية ما بين 13 سنة إلى 35 سنة، وهو ما يصل إلى مليون متعاطٍ، علمًا أنّ استهلاك هذه المادة المخدرة لم يعد فقط بين شباب الأحياء الشعبية الفقيرة، بل وصلت إلى شباب الأحياء الراقية في العاصمة، وأصبح الطلبة والتلاميذ والفنانون من أهمّ المستهلكين لها، على عكس ما ينتشر في الأوساط الاجتماعية بأنّها للمنحرفين ولأصحاب السوابق العدلية.
ورغم المخاطر الصحية لمادة القنب الهندي التي تتسبب أساسًا في موت الخلايا الأمامية للدماغ، ما زالت فئة من الشباب التونسي تقبل عليها كنوع من أنواع التعويض والتنفيس في ظل الوضع المتدهور أمنيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، وكنوع من أنواع تحدي السلط القائمة التي ما زالت تستعمل إلى الآن هذه العقوبات الزجرية ولتي ساهمت في تحطيم مستقبل المئات من الشباب وجعلت منهم مشاريع منحرفين أو إرهابيين، ونستحضر هنا مصير مغني الراب مروان الديروي، المعروف بإيمينو، الذي قضى نحبه مؤخرًا في سوريا بعد أن تم استقطابه من طرف تنظيم داعش، وذلك بعد قضاءه عقوبة بالسجن بتهمة استهلاك مادة القنب الهندي، ويقال أن تجنيده قد تم داخل سجن المرناقية الشهير بالعاصمة تونس.
اقرأ/ي أيضا:
جدل المثلية الجنسية متواصل في تونس
السلطة الذكورية على هيئة أغنية ناعمة