11-مايو-2019

يستغل بعض التجار ارتفاع منسوب الاستهلاك في شهر رمضان لممارسة الغش التجاري (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

أطنان من المواد الغذائية تُحجز وتُتلف يوميًا في كامل تراب الجمهورية، وتختلف أصناف هذه المواد من لحوم وخضر ومواد مصنّعة مخالفة للتراتيب إما لعدم احترام قواعد النظافة والتخزين أو لاستعمال ملونات لا تحترم المواصفات إلى جانب بيع منتجات منتهية الصلوحية. تتنوع بذلك أساليب الغش والتحيل التي يقع ضحيتها المواطن التونسي، وهي أساليب تزداد تفشيًا خلال المناسبات الاستهلاكية الكبرى مثل رمضان والأعياد وبقية المناسبات الاحتفالية.

اقرأ/ي أيضًا: تونس: بين التهاب الأسعار واضطراب مسالك التزود والتزويد

أرقام حول الغش التجاري

بلغ مجموع المخالفات الاقتصادية التي حرّرها أعوان المراقبة الاقتصادية خلال الثلاثة أشهر الأولى من سنة 2019، 13080 مخالفة اقتصادية منها 4938 مخالفة تتعلق بالمنافسة غير الشريفة والغش التجاري، و4629 مخالفة تتعلق بشفافية ونزاهة المعاملات التجارية و3026 مخالفة تتعلق بالاحتكار والزيادات السعرية و487 مخالفة بسبب التلاعب بالمواد المدعمة وفق وزارة التجارة.

13080 مخالفة اقتصادية هو عدد المخالفات التي حرّرها أعوان المراقبة الاقتصادية خلال الثلاثة أشهر الأولى من سنة 2019

كما أشارت الوزارة إلى أنّ الفرق الرقابية للإدارة العامة للمنافسة والأبحاث الاقتصادية قامت خلال أعمالها الرقابية اليومية على مدى الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي بـ 978 عملية رقابة، تم خلالها حجز منتجات وسلع مختلفة منها 655 طنًا من الخضر والغلال و21 طنًا من اللحوم والأسماك والدواجن، و1655 طنًا من المواد المدعمة و68 ألف لتر من الزيت النباتي المدعم إضافة إلى مواد غذائية وصناعية مختلفة. وصدر 33 قرار غلق في حقّ محلات تجارية مخالفة، و126 قرار منع من التزود بالمواد المدعمة شمل 90 مخبزة و36 تاجر جملة بمختلف الجهات.

هذه الإحصائيات التي تكشف حجم الغش التجاري والاحتكار ليست إلا فيض من غيض، فهي تشمل الأرقام المسجلة لدى فرق المراقبة الاقتصادية بوزارة التجارة فقط، لكن عمليات الرقابة تشمل هياكل أخرى من أعوان حفظ الصحة إلى جانب أعوان الشرطة البلدية والشرطة البيئية. ورغم تعدد هذه الهياكل، استمر منسوب الغش في ارتفاع نتيجة البحث عن الإثراء السريع على حساب الجودة وصحة المواطن لاسيما وأنّ حالات التسمم الغذائي ارتفعت خلال السنوات الأخيرة.

ارتفاع وتيرة الغش التجاري في رمضان

تتفشى مظاهر الغش والتحيل على المواطن بشكل ملحوظ في شهر رمضان، لاسيما وأنّ التجار يستغلون لهفة التونسي وإقباله على الاستهلاك، كما يكثر الباعة الوقتيون الذين لا يملكون رخصًا ولا يحترمون في الغالب أدنى قواعد حفظ الصحة.

لذلك تكثف فرق المراقبة الاقتصادية حملاتها للمعاينة ورفع المخالفات، وقد تمكنت خلال اليومين الأولين فقط من شهر رمضان الحالي من رفع 889 مخالفة من جملة 5975 زيارة تفقد. وتعلّقت أغلب المخالفات بتجاوزات احتكارية وتلاعب بالأسعار لاسيما في قطاع الخضر والغلال. كما رفعت فرق المراقبة 370 مخالفة تعلقت بالإخلال بشفافية المعاملات شملت خاصة المواد الغذائية والخضر والغلال والبيض والزيت المدعم وقطاع المقاهي والمطاعم والمخابز واللحوم، وحجزت أيضًا 3 أطنان من المواد المدعمة.

تتفشى مظاهر الغش والتحيل على المواطن بشكل ملحوظ في شهر رمضان لاسيما وأنّ التجار يستغلون لهفة التونسي وإقباله على الاستهلاك

من جهتها، أعلنت وزارة الداخلية أنّ عناصر الشرطة البلدية قامت بحجز 2.5 أطنان من "الفارينة" المدعمة بالعاصمة فقط، و183 كلغ من الخضر والغلال بولايات صفاقس وسوسة وبن عروس، و100 كلغ من الخضر و20 كلغ من اللحوم الحمراء و100 كيس و616 كلغ من التمور بولاية قفصة وغيرها من عشرات المواد الغذائية في مختلف الجهات.

اقرأ/ي أيضًا: مخالفات وانتقادات.. "الترا تونس" يرافق مهمة رقابية للشرطة البيئية

كلّ هذه الأرقام سُجّلت خلال بضع أيام في بداية شهر رمضان، مع الإشارة إلى أن عديد التجاوزات والإخلالات تغيب عن أعين أجهزة الرقابة. وتطرح عمومًا هذه الأرقام، المعروضة من فرق المراقبة الاقتصادية والصحية وغيرها من هياكل تحديدًا الشرطة البلدية والشرطة البيئية، أسئلة حول تفشي ظاهرة الغش التجاري، إذ لم يعد فقط المحتكرون يبحثون عن الإثراء السريع أو السماسرة فحتى صغار التجار ارتفع منسوب الغش لديهم.

إذ تُحجز أغلب المواد الغذائية من لحوم حمراء وخضر أو غيرها من مواد غذائية في محلات صغيرة وليس في مستودعات فقط، سواء محلات بيع اللحم أو بيع الخضر والغلال أو العديد من محلات بيع المواد الغذائية الأخرى التي لا تحترم الشروط الصحية وذلك إلى جانب تفشي ظاهرة الاحتكار التي تشمل بالخصوص المواد المدعمة من دقيق وزيت.

اعتداءات متكررة على أعوان الرقابة

تعمل فرق الرقابة، في الأثناء، في ظروف غير آمنة خاصة بعد أن سجلت عمليات الرقابة التي انطلقت في شهر رمضان اعتداءات متكررة على أعوان الرقابة الاقتصادية تحديدًا، لاسيما ما حصل في بومهل من ولاية بن عروس بعد أن اعتدى تاجران بالعنف على أعوان الرقابة ما أدى لتعرّضهم لإصابات بليغة. وقبلها، تعرّض عون مراقبة آخر في مدينة الفحص بولاية زغوان إلى اعتداء بالعنف.

ولا تُعدّ هذه الاعتداءات سواء المادية منها أو اللفظية بالأمر المستجدّ إذ لطالما نددت بها فرق المراقبة الاقتصادية التي تطالب بمصاحبتها بفرق أمنية ودعمها والترفيع في عددها.

نادر الرزقي (موظف بإدارة المراقبة الاقتصادية): عدم تعويض المحالين على التقاعد أدى إلى انخفاض عدد أعوان الرقابة بشكل ملحوظ

وفي هذا الجانب، حدثنا، نادر الرزقي، وهو موظف بإدارة المراقبة الاقتصادية بوزارة التجارة، أن عدم تعويض المحالين على التقاعد أدى إلى انخفاض عدد أعوان الرقابة بشكل ملحوظ وبالتالي اضطرارهم إلى التنقل فرادى خلال عمليات الرقابة بدل في شكل مجموعات لحماية أنفسهم من الاعتداءات.

في المقابل، قال محمّد، أحد أعوان الشرطة البيئية لـ"ألترا تونس"، إنّ ظاهرة الغش التجاري ترتفع بشكل كبير خلال المواسم الاستهلاكية الكبرى، وتشمل أساسًا المواد الأكثر إقبالًا من المستهلك. واستنكر محدثنا الاعتداءات التي تطال فرق الرقابة الاقتصادية أو الصحية مرجعًا إياها بدوره لتنقل الأعوان فرادى أو في مجموعات صغيرة تشمل ثلاث عناصر على أقصى تقدير دون حماية، مبينًا، في المقابل، أن أعوان الشرطة البيئية يتنقلون في شكل مجموعات وهو ما يجنّبهم التعرّض إلى أيّ اعتداء وفق تأكيده.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ثقافة المقاطعة لدى التونسي.. هل غلبتها ثقافة الاستهلاك؟

"عولة رمضان".. عادة تونسية تواجه الاندثار