13-سبتمبر-2018

بعض الأمهات العازبات على سبيل المثال يرعبهن مجرّد التفكير في أن أولادهن سيلتحقون بالمدرسة (صورة تقريبية)

مع اقتراب موعد العودة المدرسية، تعج المغازات والمكتبات بالأولياء الذين يقبلون على اقتناء الأدوات المدرسية لأطفالهم، هي مناسبة تقترن فيها فرحة الأولياء بالتحاق أطفالهم بمقاعد الدراسة للمرة الأولى أو عودتهم إلى مقاعد الدراسة بعد العطلة الصيفية بضغط مصاريف اقتناء الأدوات المدرسية. تكبر أحلام الأولياء عامًا بعد عام ويرتقي أولادهم في سلم الدراسة السنة تلو السنة، فيبتلعون ضغط المصاريف، لكن بعض الأولياء يرون في العودة المدرسية كابوسًا بشعًا قد يقوّض عمرًا من السلم الذاتي، بعض الأمهات العازبات على سبيل المثال يرعبهن مجرّد التفكير في أن أولادهن سيلتحقون بالمدرسة.

فاطمة (أم عزباء) لـ"الترا تونس": ابني يشبه والده كثيرًا كأنه نسخة مصغرة عنه، أخاف أن يلتقيه صدفة، أخاف أن ينكشف أمامه السر الذي حاولت أن أخبئه لسنوات

اقرأ/ي أيضًا: العودة المدرسية: مدارس منهارة.. ووزارة التربية تخيّر الصمت

فاطمة (اسم مستعار)، أم عزباء تبلغ من العمر 26 سنة، اعتلت سحنتها علامات التوتر وهي تتحدّث عن التحاق ابنها البالغ من العمر 6 سنوات بالمدرسة، حتى يخيل للمرء أنها تتحدّث عن خطب سيصيبه هناك. لم تستغرق الكثير من الوقت حتى كشفت عن سبب مخاوفها من ذهاب ابنها للتعلم وانبرت تقول إنها حرصت على كتم سر كون ابنها ولد خارج إطار الزواج وتخشى أن ينكشف هذا السر في المحيط المدرسي.

تحاول فاطمة عبثًا أن تكبت توترها وهي تفسر أنها غادرت منزل عائلتها منذ حملها وانتقلت للعيش في حي آخر غير بعيد عنه، وأنها كانت تصطحب ابنها معها إلى مقر عملها كمعينة منزلية في أحد الأحياء الراقية بالعاصمة حتى أنها لا تكاد تفارقه إلا مرات معدودات تتركه فيها لدى جارتها.

وتضيف فاطمة لـ"الترا تونس" بصوت خافت كي لا يسمعها ابنها المنشغل بمشاهدة سلسلة صور متحركة، " تنكر لي والده بعد علمه بحملي ورفض الاعتراف بنسبه، حينها كنت في مقتبل العمر ولم تكن لي طاقة لتحمل إجراءات إثبات النسب وسجلت الطفل بلقبي، منذ أعلمت والده بأنني حامل لم يتصل بي ولم يسأل عن مصير ابنه وأنا قررت أن أتحمل تبعات خطئي لوحدي".

وهي تغالب دموعًا ترقرقرت في مقلتيها، تتابع فاطمة بالقول "هو يشبه والده كثيرًا كأنه نسخة مصغرة عنه، أخاف أن يلتقيه صدفة، أخاف أن ينكشف أمامه السر الذي حاولت أن أخبئه لسنوات، السر الذي التهمني وقطع صلتي بعائلتي". تقطع الطريق على دمعتين كادتا تبلغان خدّها وهي تقول "سيلتحق ابني بالمدرسة أريد له مستقبلًا زاهرًا، أريد أن تكون له مكانة مرموقة في المجتمع. أريده أن يكون متعلمًا لا أريده أن يكون أميًا مثل أمه، لكنني لا أريد أن ينكشف سري قبل الأوان، أريد أن أخبره بنفسي أنّ والده الذي أخبرته أنه توفي، لا يزال حيًا لكنه لا يعترف بوجوده".

لا أحد يعلم إن كان من سوء الحظ أو حسنه أن قطع ابنها الحديث وهو يخبر أمه أنه جائع، غادرتُ المكان مطبقة عيني على صورة الأم العزباء وهي تلثم خد ابنها، صورة رافقتها عدة تساؤلات عن قدر هذا الطفل، أي مصير ينتظره؟، هل سيقوى على الصمود في وجه مجتمع سينعته بصفات دونية ويحمله مسؤولية واقعة لم تكن له يد فيها؟

اقرأ/ي أيضًا: المواليد خارج إطار الزواج.."إذا وصفونا بأبناء الحرام.. سنقول نحن آدميون"

خديجة (أم عزباء) لـ"الترا تونس": رغم محاولات الجميع تمسكت برغبتي في منع ابنتي من الالتحاق بمقاعد الدراسة

على عكس فاطمة، التي رجّحت مصلحة ابنها على مخاوفها من أن ينفضح سرّها، رغم أن العودة المدرسية في نظرها كابوس، تتجدّد معاناة خديجة (اسم مستعار)، وهي أم عزباء تبلغ من العمر 40 سنة، قبل موعد العودة، هي منعت ابنتها من الالتحاق بمقاعد الدراسة خوفًا من أن تلقى نفس مصيرها وحملت ابنتها وزر خطئها، ابنتها التي لاا تزال إلى اليوم تبكي كلما رأت فتاة بميدعة وردية، وفق ما روته لـ"الترا تونس".

خديجة التي رفض والد ابنتها الاعتراف بها، كانت وحيدة والديها اللذين لم يتنكرا لها وقبلا مولودها. جعلت ابنتها سجينة لهواجسها. لم ترد أن يغرّر أحدهم بابنتها، لم ترد أن يكرر التاريخ نفسه.

تقول خديجة لـ"الترا تونس": "رغم محاولات الجميع، تمسكت برغبتي في منع ابنتي من الالتحاق بمقاعد الدراسة، لا يزال إلى حد الساعة صوتها يرن في أذني وهي تردد ببراءة الأطفال "ماما وقتاش نمشي للمدرسة" فأجيبها بخبث الكبار"غدوة"، ظلت تسأل وتسأل وتلقى نفس الجواب". وتضيف وهي تفرك كفيها ببعضهما البعض " رغم مرور 10 سنوات لا أزال أذكر ذلك اليوم الذي بكت فيها حتى أخذها النوم وهي تتوسلني أن أصحبها إلى المدرسة، لا أزال أسمع صوت شهقاتها التي تتردد في أذني كلما دنت العودة المدرسية أو مررت من أمام مدرسة".

تنساب تنهيدة من جوف خديجة وهي تعرب عن ندمها من حرمان ابنتها من الالتحاق بمقاعد الدراسة ووجعها مع اقتراب موعد العودة المدرسية، وهي التي حرمت ابنتها ذات الـ16 ربيعًا من المدرسة ورمت بها في منازل الأثرياء تعين زوجاتهم وترمق أطفالهم وهم يقصدون المدرسة.

حكاية فاطمة لا تشبه حكاية خديجة ولكنهما تشتركان في نظرتهما للعودة المدرسية التي تتخذ في مخيالهما هيئة الكابوس، كابوس مرده الخوف من مجتمع قادر على أن يقوّض ما ضمنه المشرّع التونسي للأطفال المولودين خارج إطار الزواج من حق في التعليم ببضع كلمات. أمهات عازبات أخريات ربما تكون قصصهن مشابهة لقصة فاطمة وخديجة وربما تحملن أوجاعًا أخرى ولكن المؤكد أن للعودة المدرسة طعم آخر في حياتهن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

صيانة المؤسسات التربوية في تونس: انتفاضة المجتمع المدني وجدل التطوع والمصلحة

التشرد في تونس.. ظاهرة محدودة في تصاعد