16-أغسطس-2019

يطرح ملف التزكيات المزورة مدى شفافية الانتخابات ونزاهتها (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

 

تقترب تونس يومًا بعد يوم من موعد الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، وتتزايد معها الضغوط على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لضمان حسن سير الانتخابات، وقد انضاف إليها مؤخرًا مشكل التزكيات المزورة على إثر اكتشاف عدد من المواطنين تزكيتهم لمترشحين دون علمهم. وأثار هذا الموضوع جدلًا واسعًا في مواقع التواصل الاجتماعي وأصبح مادة دسمة للنقاش حول الحلول الممكنة لمواجهة هذا المأزق قبل الدخول في المعترك الانتخابي، خاصة في ظل ما يثيره من شكوك حول مصداقية الانتخابات وشفافيتها وكذا نزاهتها إجمالًا.

يثير ملف التزكيات المزورة للمترشحين للانتخابات الرئاسية 2019 السؤال حول مدى مصداقية الانتخابات وشفافيتها ونزاهتها بصفة عامة

اقرأ/ي أيضًا: بين الخطايا والسجن.. تعرّف على تفاصيل المخالفات الانتخابية

بينما كان لطفي المازني (29 سنة ) يجلس رفقة أصدقائه بمقهى شعبي، بدأ نقاش حول موضوع اعتبره البعض في تلك الجلسة غريبًا وهو التزكيات المزورة، وبسرعة أخرج لطفي هاتفه للولوج لموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك في محاولة لفهم الموضوع فوجد صديقًا قد نشر تدوينة ينبه عبرها من التزكيات المزروة ناشرًا رقم الإرسالية (*195*رقم بطاقة التعريف#) للتثبت من التزكية من عدمها، ليكتشف لطفي حشر اسمه ودون علمه ضمن قائمة التزكيات الشعبية للمرشح مهدي جمعة. هكذا كان يخبرنا لطفي بأطوار اكتشافه تزكيته لمرشح رئاسي دون علمه.

استغرب محدثنا الأمر كثيرًا قائلًا لـ"ألترا تونس":  "لم أفوت المشاركة في أي انتخابات لأنها واجب وطني، شاركت في جميع المواعيد الانتخابية التي عاشتها تونس لكنني لم أزك أحدًا أبدًا لا في انتخابات 2014 ولا في هذه الانتخابات فكيف تم حشر اسمي؟". وعن التتبع القضائي، يضيف أنه ليس لديه وقت للذهاب للمحكمة وتقديم شكاية، ولكن أعلمنا لطفي أنه اتصل بجمعية "مراقبون" التي تهتم بجمع التشكيات منتظرًا ردهم.

عماد الغابري (قاضي إداري): يوجد فراغ تشريعي واضح

وفي هذا الجانب، اعتبر عماد الغابري، القاضي الإداري، خلال حديثه لـ"ألترا تونس" أن "مسألة التزوير مسألة خطيرة جدًا وإن ثبتت فلها تأثير على نتائج الانتخابات"، مضيفًا، في حديثه لـ"ألترا تونس" أن التزوير يستلزم إثباتًا من القضاء الجزائي قبل أن يتحول إلى القضاء الانتخابي مشيرًا إلى فارق واضح في السرعة بين القضاءين الجزائي والانتخابي مع الأخذ بعين الاعتبار أن القضاء الانتخابي لديه 5 أيام فقط للبت في الطعون، وفق ما يوضّح.

ويعتقد القاضي الإداري، في علاقة بملف التزكيات المزورة، بوجود "فراغ تشريعي واضح" مضيفًا أن هذا الفراغ جعل القضاء الجزائي إلى اليوم لم يبت في ملف التزكيات المزورة في انتخابات 2014.

جدل التزكيات المزورة دفع بالبعض إلى تأسيس صفحات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك من أجل جمع "ضحايا عمليات التزوير". وقد نقلت إذاعة خاصة أن مواطنًا قدم شكاية جزائية مفادها تدليس اسمه عبر تزكيته لأحد المترشحين للانتخابات الرئاسية دون علمه. وقال الناطق الرسمي باسم محاكم المنستير والمهدية فريد بن جحا، حول هذه الشكاية، إن النيابة العمومية بالمنستير أذنت لفرقة الشرطة العدلية بجمال بفتح تحقيق في الغرض.

عماد الغابري: التزوير يستلزم إثباتًا من القضاء الجزائي قبل أن يتحول إلى القضاء الانتخابي ويوجد فارق واضح في السرعة بين القضاءين

وبعد تصاعد جدل التزكيات المزورة، أكدت الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، في بيان لها، أن تزوير التزكيات لا يدخل في باب معالجة المعطيات الشخصية كيفما عرفها الفصل 6 منه، بل إنها تشكل فعلًا إجراميًا تعاقب عليه المجلة الجزائية. لكنها دعت المواطنين الذين تم انتحال هويتهم بتزكية مرشح للانتخابات الرئاسية لرفع شكاية لدى وكيل الجمهورية بأقرب محكمة لمحل سكناهم.

اقرأ/ي أيضًا: الكوميديا الانتخابية.. الانتخابات الرئاسية تحت قصف السخرية

وأكد القاضي الإداري عماد الغابري لـ"ألترا تونس" أن تطبيقة الهيئة هي "دليل كاف لإثبات التزوير" غير أنه أكد على وجوب أن يكون حجم التزوير كافيًا بالإطاحة بأحد المترشحين إلى ما دون 10 ألاف تزكية. وأضاف أنه تبقى، في كل الأحوال، مشكلة أجال البت على اعتبار الأجل القصير في نزاع الترشحات الذي لا يتجاوز 5 أيام وذلك مقارنة بما تستلزمه القضية الجزائية من زمن للتحقيق والبت والنطق بالحكم، على النحو الذي أوضحه لنا.

أنيس الجربوعي (عضو هيئة الانتخابات): الهيئة قامت بكل ما تستطيع فعله!

حول هذا الموضوع، تواصل "ألترا تونس" مع عضو الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات أنيس الجربوعي الذي أكد أن المشرع لم يشترط في التزكيات أن تكون معرفة بالإمضاء، إيمانًا منه بالأخلاق السياسية لكن النتيجة كانت مخيبة للأمال، وفق قوله.

الجربوعي أكد أن الهيئة تقوم بـ"جهود كبيرة في إطار صلاحياتها" قائلًا: "تثبتنا من التزكيات بحسب القانون وبكل ما نستطيع فعله. حينما يأتيك مترشح بتزكية باسم ثلاثي ورقم بطاقة تعريف وإمضاء، نحن نقوم بالتثبت من وجود الممضي في بنك معلومات الهيئة أي حاملًا لصفة الناخب ولم يزك شخصًا آخر، وهذا أقصى ما يمكن أن تفعله الهيئة".

وأضاف محدثنا أن هيئة الانتخابات سجلت عددًا كبيرًا من التجاوزات منها ورود أسماء صحيحة لأشخاص قاموا بتزكية مرشحين بأرقام بطاقات تعريف وطنية خاطئة أو العكس إضافة إلى تجاوزات أخرى مرصودة خلال عمليات التثبت من ملفات المترشحين للانتخابات الرئاسية.

من جانب آخر، أكد الجربوعي، في حديثه معنا، أن الهيئة تمكنت خلال وقت وجيز من تضمين جميع قائمات المزكين في بنك المعلومات الخاص بالهيئة ولذلك أصبح ممكنًا للناخبين التثبت إذا كانوا ضحية تزوير من عدمه من خلال تطبيقة الإرسالية القصيرة.

أنيس الجربوعي:  المشرع لم يشترط في التزكيات أن تكون معرفة بالامضاء إيمانًا منه بالأخلاق السياسية لكن النتيجة كانت مخيبة للأمال

يُذكر أن مواطنين من ضحايا عمليات تزوير التزكيات في انتخابات 2014 ورغم تقدمهم بشكايات وتعهد المجتمع المدني بتتبع الموضوع، إلا أن القضاء إلى اليوم لم يبت في هذه القضايا. وبذلك يتجدد اليوم معترك انتخابي آخر والحال أن قضايا شبهات تزوير منذ نحو 5 سنوات لم يُبت فيها، وهو ما يطرح السؤال حول مسألة مصداقية الانتخابات.

رجاء الجبري، الكاتب العام لشبكة "مراقبون"، أفادت في تصريح إذاعي أن الشبكة ستتعهد بجمع جميع الوثائق التي تثبت التزوير ومرافقة المواطنين الذين خيروا التقدم بشكايات بطريقة فردية. وفي ذات السياق، أوضح معز عطية، رئيس جمعية "كلنا تونس"، أن عقوبة التزوير هي 6 أشهر سجنًا وخطية مالية بقيمة 1000 دينار ولكن ليس لها أثر إنتخابي، وفق تأكيده.

ولتفادي مختلف الإشكاليات المتعلقة بحسن سير الانتخابات، من المنتظر أن تقدم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تقريرًا إلى الرئاسات الثلاث يتضمن ملاحظات حول العملية الانتخابية ومقترحات لتعديل القانون الانتخابي فيما يتعلق بالترشح للانتخابات الرئاسية، ستتمحور، مبدئيًا، حول إمكانية الرفع من عدد التزكيات الشعبية أو تغيير تزكيات 40 رئيس بلدية بتزكيات 100 مستشار بلدي، أو إمكانية الترفيع في مبلغ الترشح للانتخابات الرئاسية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المترشحون للانتخابات الرئاسية 2019.. قراءة في التركيبة واستشراف للحظوظ

الرئاسية تسبق التشريعية.. هكذا بُعثرت أوراق الأحزاب في تونس