10-ديسمبر-2018

القانون التونسي يسمح بتغيير الاسم أو اللقب إن كان محل سخرية أو تندر (Getty)

"إذا خاطبته خاطبته بأحبّ أسمائه إليه وهو الكنية، وأعدل عن نبزه ولقبه، أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوأة اللقب"، هكذا كتب أبو علي المرزوقي في مؤلفه "شرح ديوان الحماسة لأبي تمام" حين تعرضه لبيت حول إكرام البشر بالاسم واللقب دون سخرية مهما كانت الغرابة في اللفظ أو المعنى.

فلا ذنب لأصحاب أسماء لم يختاروها، أو أصحاب ألقاب موروثة عن الأجداد، في اسم أو لقب قد يسبب لهم الحرج، والحال هناك من يرى في اسمه أو لقبه مبعثًا للفخر أمام الناس.

"البرني"، و"التهامي"، و"زويتينة"، و"نوّة"، و"عملاج"، و"جمعة"، و"ربح"، وأسماء أخرى يستغربها القارئ ويتساءل عن معناها، باتت اليوم محلّ سخرية وتندر، وأخجلت أصحابها ودفعت بهم إلى الرغبة في تغييرها.

تنتشر في تونس عديد الأسماء الغريبة الموروثة عن الأجداد وهو ما يسبب الحرج لأصحابها لأنها محل سخرية وتندر

تحدثّنا "نوة" أو" ملاك" كما باتت تُسمى، أنّها بدأت تكره اسمها منذ الوسط المدرسي، وتقول لـ"الترا تونس" إنه حينما كان يعدّد المدرس قائمة الحاضرين من التلاميذ، كان يقف عند اسمها "نوّة" ويتساءل "أين هي؟" ليبدأ الزملاء بالضحك المستمر والإشارة إليها.

تضيف قائلة: "يسألني المعلم عن معنى اسمي ولا أعلم منه سوى أنّه محلّ سخرية جعلني أكرهه يومًا بعد يوم. ربّما يكون معنى اسمي جميلًا أجهله أنا أو يجهله غيري، ولا علم لي إن كان هو اسم عربي أو أمازيغي. لكن ما كنت أعرفه أنّ رغبة تغيير اسمي كبرت معي إلى أن تمكنت من ذلك منذ سنة بعد محاولات دامت ثلاث سنوات تقريبًا". هكذا حدثّتنا ملاك مؤكدة أنّ سخرية المجتمع تدفع البعض حتى إلى كره اسمه.

اقرأ/ي أيضًا: "كيد الرجال كيدين وكيد النساء 16".. عن الأمثلة الشعبية الساخرة من المرأة

ولا أحد يعرف على وجه الدقة عدد تلك الأسماء الغريبة، غير أن سجلات الأحوال المدنية تتضمن مئات الآلاف من أسماء غريبة لتونسيين وتونسيات، دفعت ثقافات اجتماعية قديمة وثقافات عقائدية آباءهم إلى إطلاق هذه الأسماء عليهم رغم أن بعضها يبعث على السخرية ولا معنى ظاهر لها.

وما زالت آلاف هذه الأسماء مثار جدل بسبب غرابتها وطولها، خاصة مع رغبة تونسيين في إحياء أسماء قديمة ومركبة، لكنها تثير السخرية عند البعض بمجرد أن ينطق بها أصحابها للتعريف عن أنفسهم لتضعهم في مواقف محرجة. ولذلك يتحاشى العديد ذكر اسمه الحقيقي تفاديًا لأي إحراج.

"مسعودة" هي واحدة من بين 309 شخصًا غيرّوا أسمائهم سنة 2017، وبات اسمها اليوم في السجلات المدنية "سوار". تقول مسعودة أو سوار لـ"الترا تونس" إنّها غيّرت اسمها وسعيدة بذلك خاصة لأنه باتت تُنادى في الجامعة باسمها الجديد، لكنّ أهلها وجيرانها وعائلتها في مدينة قبلي لازالوا ينادونها باسمها القديم. وتضيف محدثتنا أنّه من الصعب العيش طيلة سنوات باسم معيّن يتعوّد عليه الناس حين مناداتك، وفجأة تفرض عليهم مناداتك باسم جديد.

مسعودة/سوار: غيّرت اسمي وأنا سعيدة بذلك وإن كان من الصعب على الناس التعود على مناداتك بالاسم الجديد

وتؤكد سوار أنّه رغم التطورات اللاحقة بالمجتمع التونسي وارتفاع نسبة التعليم لدى جميع الفئات الاجتماعية في جميع المناطق، إلا أن المواطنين في عديد الجهات يصرون على إطلاق أسماء قديمة موروثة عن الأجداد على أبنائهم.

وتضيف أنّ عشرات الأسماء الغريبة مازال أهالي منطقتها يتشبثون بها، وهي أسماء تبدو عادية في منطقة وغريبة ومحل سخرية في منطقة أخرى مثل اسم "البرني"، و"الأخضر"، و"حمامة"، و"الشعلة"، و"تفاحة"، والعديد من الأسماء الأخرى سواء التي تحمل معنى واضحًا أو التي يستشكل معرفة معناها.

اقرأ/ي أيضًا: "حِدّي"، "معيوفة" و"عَبْشَة": أسماء تمنع الموت حسب البعض؟

ورغم قلّة انتشار هذه الأسماء في السنوات الأخيرة إلا أنّها مازالت موجودة بالآلاف على الأقل، بدليل تقديم مئات الطلبات سنويًا إلى وزارة العدل لتغيير الأسماء، وهو ما يضمنه القانون رغم ما يتطلبه من إجراءات إدارية وقانونية معقدة قد تطول لسنوات حتى يتسنى الاستجابة لمطلب تغيير الاسم أو اللقب ونشره في الرائد الرسمي.

وينشر الرائد الرسمي كل سنة أو سنتين قائمة بالأشخاص الذين غيّروا أسمائهم، آخرها كان بتاريخ 2 فيفري/شباط 2017، وذلك بالموافقة على تغيير 309 اسمًا. وكان قد صدر أمر بتاريخ 4 جويلية/يوليو 2012 سمح بتغيير 633 اسمًا، وكذلك أمر شبيه بتاريخ 3 أكتوبر/تشرين الأول 2014 سمح بتغيير أسماء 517 شخصًا، وبعدها جاء أمر بتاريخ بتاريخ 25 مارس/آذار 2016 لتغيير أسماء 465 تونسيًا.

يوفر القانون التونسي إمكانية تغيير الاسم إن كان محل التباس أو سخرية

ويلاحظ المطلع على الأسماء المنشورة وجود عشرات الأسماء الغريبة من قبيل "دعبس"، و"عانس"، و"عبشية"، و"فجرة" التي غيّرها أصحابها بأسماء جديدة تتماشى مع الأسماء المعاصرة وبالخصوص لا تثير الاستغراب أو السخرية.

يذكر أنّ القانون عدد 20 لسنة 1964 الصادر في 28 ماي 1964 المتعلق بالسماح لبعض التونسيين بتغيير اللقب أو الاسم يستوجب تقديم طلب رسمي لوزارة العدل للنظر في الإذن بإبدال اسمه أو لقبه بأمر.

وينصّ الفصل الثاني من هذا القانون على أنه " يمكن لكلّ تونسي ليس له اسم عربي أو مغربي أو له اسم يكون من أجل معناه أو عند النطق به محلّ التباس أو سخرية أو له نفس الاسم الذي أطلق على أحد اخوته الإذن بإبدال اسمه بأمر".

و يقع نشر الأوامر الصادرة في الإذن بإبدال اللقب أو الاسم بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ويقع ترسيمها بدفاتر الحالة المدنية لمدينة تونس، كما يقع التنصيص عليها بطرة رسوم ولادة المعنيين بالأمر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

شلل النوم أو "بوتلّيس".. بين المعتقدات الشعبية والتفسير العلمي

"النعوشة" أو "أم الذراري".. طائر الموت في الموروث الشعبي التونسي