18-أغسطس-2017

تشهد تونس أول انتخابات بلدية منذ الثورة في أيلول/سبتمبر القادم (فاضل سينا/ أ.ف.ب)

17 كانون الأول/ديسمبر المقبل ليس فقط تاريخ الذكرى السابعة لاندلاع الثورة التونسية، بل كذلك تاريخ تنظيم أول انتخابات بلدية بعد الثورة، حيث ستتنافس الأحزاب على زهاء 7100 مقعد موزّعة على 350 بلدية، تغطّي جميع مناطق البلاد. وتكتسي هذه الانتخابات أهمية بالغة لسببين أساسيْن، أولًا لأنها مناسبة لتقييم أداء الأحزاب الفائزة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية سنة 2014 من جهة، وقدرة المعارضة على اقناع الناخبين من جهة ثانية، وثانيًا لأنها معنيّة لأوّل مرّة في تاريخ البلاد، بسلطات محليّة ذات صلاحيات واسعة غير خاضعة نسبيًا للسلطات المركزية وفق دستور البلاد.

تكشف استطلاعات الرأي عن احتمالية تصدر حزب نداء تونس في الانتخابات البلدية القادمة، ويليه حركة النهضة

وانطلقت، في الأثناء، الأحزاب في إعداد العدّة للموعد الانتخابي القادم، فيما تؤكد الهيئة المستقلّة للانتخابات على التزامها بالتاريخ المحدّد رغم استقالة رئيسها وعضويْن منها قبل أسابيع لخلافات داخلية، ورغم دعوة أحزاب لتأجيل الانتخابات بما فيها أحزاب مشاركة في الائتلاف الحكومي، على غرار الحزب الجمهوري، إضافة لأحزاب معارضة على رأسها أكبرها تمثيلًا في البرلمان، حزب مشروع تونس.

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. شباب الثورة هذا زمانكم!

في المقابل، انطلقت مراكز سبر الآراء في نشر استطلاعات نوايا التصويت، إذ أصدرت بداية شهر آب/أغسطس الجاري مؤسسة "سيغما كونساي" بالتعاون مع جريدة المغرب، أرقامًا تفيد بتصدّر حزب نداء تونس لنوايا التصويت بنسبة 37.3%، وتليه حركة النهضة بنسبة 26.4%، ثمّ الجبهة الشعبية بنسبة 7.6%، فيما يحلّ التيار الديمقراطي رابعًا بـ6.7%.

ثنائي النداء والنهضة ومؤشرات الفوز في البلديات

بغضّ النظر عن صحّة أرقام مراكز استطلاع الأراء، واتهام أصحابها بموالاة حزب نداء تونس، وهو اتهام له سنده، خاصة بالنسبة لمؤسسة "سيغما كونساي"، إلا أنّ التوقعات والمزاج العام الشعبي في البلاد غير بعيد عمّا قدّمته الأرقام الأخيرة، فرغم استمرار الاحتقان الاجتماعي على ضوء استمرار الأزمة الاقتصادية الخانقة، بالإضافة لضعف المردودية السياسية لأحزاب السلطة مع تصاعد خلافاتها الداخلية وعلى رأسها حزب نداء تونس الذي خسر أكثر من ثلث نوابه في البرلمان؛ لكن لايزال الحزبان الرئيسيان، أي نداء تونس وحركة النهضة، مُرجّحان للفوز بأغلبية مقاعد البلديات، وهو ما تفسره عدة عوامل، لعل من أهمها:

  • استمرار الشعبية رغم الانشقاقات والخلافات

رغم الخلافات الحادّة التي شقّت حزب نداء تونس طيلة السنوات الأخيرة، وهو ما جعله يفقد ثلث نوابه على الأقل، لايزال يحافظ الحزب على تصدّره لاستطلاعات الرأي وفق ما تم ذكره. ويستفيد الحزب من حفاظ رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي على شعبيته بدرجة كبيرة، إضافة للاستفادة من الصعود الصاروخي في شعبية رئيس الحكومة يوسف الشاهد بعد حملته المزعومة على الفساد. كما لايزال يتمتع الحزب بآلة حزبية وانتخابية قويّة موزّعة على مختلف مناطق البلاد، قد ورث جزء منها من حزب التجمّع المُنحل، وذلك إضافة لاستمرار دعم أكبر رجال الأعمال في البلاد له.

من جهتها، تتمتّع حركة النهضة بجهاز حزبي قويّ في مختلف البلديات، وهو جهاز تقوّى بعد إنشاء المؤتمر الأخير للحركة، مجلس شورى خاص بكل جهة، إضافة لتدعيم الصلاحيات التنفيذية للمكاتب الجهوية والمحليّة. كما تحافظ الحركة على خزان انتخابي قوي من منخرطيها وأنصارها، بما يسمح لها بالحصول على مراتب متقدّمة، خاصة في بلديات الجنوب التونسي.

كما أن ما قد يساعد في حصول النداء والنهضة على أكبر عدد من المقاعد، هي توقعات المشاركة المتدنيّة في الانتخابات، والتي عكستها أولى المؤشرات بتسجيل زهاء 500 ألف ناخب فقط خلال الفترة الماضية، ليبلغ إجمالي الناخبين 5.7 مليون من أصل قرابة ثمانية ملايين يتمتعون بحق الاقتراع، ودائمًا ما تستفيد الأحزاب الكبيرة من ضعف المشاركة الانتخابية.

يُرجّح استفادة نداء تونس وحركة النهضة من غياب أحزاب أُخرى منافسة بحجمهما، ليتكرر نموذج انتخابات 2014 مرة اُخرى

إضافة لذلك، ورغم اعتماد نظام القوائم وليس الأفراد، فالانتخابات البلدية هي انتخابات الوجهاء المحلّيين الذين يفضلون غالبًا العمل لحساب الأحزاب الكبيرة خاصة في البلديات غير الحضرية.

  • غياب بدائل قويّة

يستفيد حزبا النداء والنهضة من غياب أحزاب معارضة منافسة بحجمهما، حيث تتوزّع تشكيلات المعارضة إلى أحزاب يسار الوسط مشتّتة، وتتنازع القيادة فيما بينها، وأحزاب منشقّة من نداء تونس لازالت متأخرة في استطلاعات الرأي، إضافة للجبهة الشعبية التي لايزال انتشارها محدودًا، ليظلّ مشهد تشتّت الأحزاب من نفس العائلة السياسية في انتخابات 2014، هو على حاله في انتخابات 2017 القادمة، بل ربّما زاد تشتّتها أكثر، وإن كانت تعمل بضعها حاليًا على التنسيق لتقديم قوائم ائتلافية في عديد الدوائر البلدية.

  • نظام انتخابي مساعد

يفترض النظام الانتخابي تشكيل قوائم تغطي جميع المقاعد في الدائرة الانتخابية، إضافة لقائمة تكميلية، حيث تبلغ عدد المقاعد مثلًا في البلديات الكبرى على غرار تونس العاصمة 60 مقعدًا، وحاليًا لا يقدر تقريبًا إلا الحزبين الرئيسيين، نداء تونس وحركة النهضة، على تقديم قوائم خاصّة بمرشحيها في جميع البلديات. إضافة لذلك، يفرض النظام الانتخابي شروط أخرى في القائمة على غرار التناصف الأفقي والعمودي بين النساء والرجال، واحترام تمثيلية الشباب وذوي الاحتياجات الخاصة، وهي شروط تعسّر من وجود قوائم خاصّة للأحزاب غير الكبيرة.

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. تعددية بدائل التغيير وتكثيفها

 ولعلّ أكثر الشروط عسرًا هو عدم وجود تمويل عمومي مسبق، وهو ما يعني ضرورة تعويل الأحزاب على إمكانياتها الخاصّة في الحملات الانتخابية، في حين يتمتّع حزبا النداء والنهضة بتمويلات هامّة مقارنة ببقية الأحزاب، ليبدو بالتالي أن هذين الحزبين، هما الأكثر قابلية للتكيّف مع الشروط الصارمة للقانون الانتخابي.

أي خيار للأحزاب المعارضة؟

تمثل الانتخابات البلدية اختبارًا عسيرًا لأحزاب المعارضة، وذلك لإثبات ثقلها السياسي وقدرتها على أن تكون بديلًا للأحزاب الحاكمة، إذ انهزمت الأحزاب المعارضة وتحديدًا أحزاب يسار الوسط في انتخابات 2014، بسبب تقدمها بقوائم حزبية خاصّة، وهو ما شتّت أصوات أنصارها وأضعف من حضورها في البرلمان، وبالتالي تسعى هذه الأحزاب لعدم تكرار خطأ الانتخابات الأخيرة، وتقديم قوائم مشتركة.

ولا يقتصر الحال على أحزاب المعارضة فقط، بل كذلك الأحزاب الصغيرة المشاركة في الائتلاف الحكومي على غرار أحزاب آفاق تونس، والجمهوري، والمسار الاجتماعي، والتي لا تستحوذ مجتمعة إلا على تسع مقاعد في البرلمان.

وتواجه الأحزاب المتوسطة والصغيرة تحديّ تشكيل قوائم في 350 دائرة بلدية، وتقديم زهاء 7100 مرشحًا، وهو عدد كبير لا تستطيع توفيره، إضافة لصعوبة الحصول على مقاعد بقوائمها الخاصة، وهو ما يجعل هذه الأحزاب أمام خيارين رئيسيين، إمّا تقديم قوائم مشتركة مع أحزاب حليفة ومستقلين، أو دعم قوائم حزبية أو مستقلّة دون المشاركة فيها في بعض الدوائر البلدية.

أمام الأحزاب التونسية  الصغيرة خياران، إما تقديم قوائم مشتركة مع أحزاب حليفة أو دعم قوائم حزبية أُخرى أو مستقلة في بعض الدوائر

وبالفعل، عدا النداء والنهضة، أعلنت بقية الأحزاب عن نيتها الدخول في قوائم ائتلافية كصيغة أساسية للمشاركة في الانتخابات، إضافة لصيغة دعم قوائم مستقلّة أو حزبية حليفة في بعض الدوائر، إضافة لصيغة تقديم قوائم خاصّة في البلديات الكبرى وتحديدا بلديات المركز في المحافظات. وبدأت هذه الأحزاب في نقاشات لتشكيل جبهات انتخابية أهمها:

  • جبهة اليساريين والقوميين

أعلنت كل من الجبهة الشعبية (وهي جبهة لأحزاب يسارية وقومية) وحركة الشعب والحزب الجمهوري، أنهم في حوار متقدّم لتشكيل قوائم ائتلافية، وذلك رغم تباين تموقعهم السياسي، إذ تمثل الجبهة الشعبية ثاني الكتل البرلمانية المعارضة، فيما تنشط حركة الشعب القومية بثلاث نواب في كتلة معارضة أخرى، في المقابل يشارك الحزب الجمهوري في الائتلاف الحكومي.

اقرأ/ي أيضًا: حزب المرزوقي الجديد.. بين "الجواد" و"الديك المصري"

  • جبهة تقدّمية ليمين الوسط

كما أعلن حزب آفاق تونس، المشارك في الائتلاف الحكومي، عن انطلاق المشاورات لتكوين ما أسماها "جبهة تقدّمية" لم يُعلن بعد الأحزاب الأخرى المشاركة فيها. ومن المتوقّع أن تشمل المشاورات حزب البديل التونسي، الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة، وكذلك حزب مشروع تونس للأمين العام السابق لحركة نداء تونس محسن مرزوق.

  • جبهة الإنقاذ والتقدم

من المنتظر أن تقدم جبهة "الإنقاذ والتقدم" قائمة انتخابية مشتركة لكن دون مشاركة أكبر الأحزاب المكوّنة لها، وهو حزب "مشروع تونس" الذي أعلن انسحابه منه. وتتكوّن الجبهة حاليًا من الاتحاد الوطني الحرّ الممثّل بـ12 نائبًا، وأحزاب يسارية صغيرة غير ممثّلة في البرلمان، أهمها الحزب الاشتراكي. وأعلنت حركة "تونس أولًا" المنشقة حديثًا من حزب نداء تونس، عن عزمها تقديم قوائم ائتلافية في إطار جبهة الإنقاذ، إضافة لقوائم خاصّة بها.

  • جبهة محدودة ليسار الوسط

لازالت أحزاب يسار الوسط، وعلى رأسها حراك تونس الإرادة الذي يقوده الرئيس السابق المنصف المرزوقي، لم تُحسم بعد صيغة مشاركتها في الانتخابات البلدية، غير أنه من المرجح تشكيلها قوائم مع أحزاب قريبة على غرار حركة وفاء، إضافة لدعمها قوائم مستقّلة.

وفي المقابل، أعلن حزب التيار الديمقراطي، الذي يحتلّ المرتبة الرابعة وفق آخر استطلاعات الرّأي، عن اعتماده آليات متعددة للمشاركة، وهي قوائم خاصة على الأرجح في الدوائر الكبرى، مع الدخول في قوائم حزبية ائتلافية، وانفتاحه لدعم قوائم مستقلّة في الدوائر التي تضعف فيها حظوظه. فيما لازالت من جهة أخرى، المشاورات مستمرّة بالنسبة لحزبي التكتل الديمقراطي الذي يقوده رئيس المجلس التأسيسي السابق مصطفى بن جعفر، والتحالف الديمقراطي، حول آليات مشاركتهما.

الخشية من الانتكاسة

تطغى الخشية ألا تكون الانتخابات البلدية المقبلة التي ينتظرها التونسيون منذ سنوات، محطة بالحجم المأمول لتغيير موازين القوى من جهة، ولانطلاق مسار تأسيس اللامركزية في البلاد، إذ لازالت عديد الأحزاب متحفظة على إجرائها نهاية السنة الجارية، كما لم تحسم بعد أحزاب في طور ترتيب بيتها الداخلي، طرق مشاركتها مع محدودية استعدادها اللوجيستي لخوض انتخابات في 350 بلدية في البلاد.

ثمّة مخاوف من تدني نسبة المشاركة في انتخابات البلدية التونسية، وهو ما قد يعني انتكاسة عن مسار الانتقال الديمقراطي 

إلا أنّ أهم المحاذير تتعلّق بعدم مصادقة البرلمان بعد على مجلة الجماعات المحليّة التي من المفترض أن تحدد صلاحيات البلديات التي سيقع انتخاب مجالسها. وتخشى قوى سياسية ومدنية تنظيم الانتخابات بدون المجلة الجديدة، ما يعني تنظيمها وفق القانون القديم الذي يكرّس المركزية من جهة ويخالف أحكام السلطة المحلية في الدستور من أُخرى، ليقع المصادقة على القانون الجديد بعد الانتخابات.

اقرأ/ي أيضًا: عائلة الديمقراطية الاجتماعية.. مفككة تونسيًا

وهذا السيناريو المحتمل مع تواصل العطلة البرلمانية وعدم ممانعة حزبا النداء والنهضة في حصوله، يُخشى أن يُمثّل نكسة في مسار تركيز اللامركزية في البلاد، حيث ستحدّد الأحزاب مواقفها بحسب نتائجها في الانتخابات، فقد تحاول أحزاب السلطة التقليص من صلاحيات البلديات في حالة قدرة المعارضة على فرض نفسها في المجالس المنتخبة الجديدة.

من جانب آخر، تمثل المشاركة المتدنية المتوقّعة، إحدى هواجس المراقبين، فقد كشفت آخر استطلاعات الرأي، أن نسبة المقاطعة قد تبلغ قرابة 64%، وهو ما يعني بشكل أو بآخر انتكاسة لمسار الانتقال الديمقراطي في البلاد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا تعرف عن أحداث الخميس الأسود في تونس؟

عزمي بشارة: "الإجابة لا تزال تونس"