أثار مشكل الإفلات من العقاب الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني في تونس خاصة في الآونة الأخيرة بعد ما شهدته محكمة بن عروس من احتجاج الأمنيين على إيقاف زملائهم في قضية شبهة تعذيب. وقد أكدت أغلب المنظمات المهتمة بقضايا التعذيب أن الإفلات من العقاب لا يزال متواصلًا وأنه لم يتم الحكم إلى حد الآن في أي قضية متعلقة بالتعذيب. ولم يتم الحكم على أي شخص حكمًا نهائيًا بتهمة التعذيب.
وقد عقدت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان ندوة صحفية يوم الجمعة 23 مارس/ آذار 2018، لعرض تقريرها بعنوان "القضاة التونسيون منخرطون في مناهضة الإفلات من العقاب"، سلطت فيه الضوء على أسباب تواصل الإفلات من العقاب في جرائم التعذيب.
نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان: التعذيب متواصل في السجون التونسية وحتى بعد استكمال البحث
واقع جرائم التعذيب في تونس
وفق تقرير الرابطة فإن مأموري الضابطة العدلية يرفضون قبول شكايات مباشرة بمراكز الأمن من المتضررين من اعتداءات أو من تعرضوا إلى تعذيب وسوء معاملة ويطلب منهم إيداع شكايات لدى وكيل الجمهورية. وبعد قرار وكيل الجمهورية بفتح بحث في الشكاية، تحال غالبًا الشكايات في شبهة التعذيب على مأموري الضابطة العدلية المنصوص عليهم بالفصل 10 من مجلة الإجراءات الجزائية ويكونون عادة من سلك الشرطة أو الحرس الوطني لسماع المشتكى به في مرحلة أولى. وما تم رصده، وفق المحامين وناشطي حقوق الإنسان المهتمين بموضوع التعذيب، أن البت في الشكايات من قبل النيابة العمومية وإحالتها للجهة التي ستتعهد بالبحث يستغرق وقتًا طويلًا.
في هذا السياق، يشير نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي إلى تواصل ظاهرة الإفلات من العقاب بسبب عدم تنفيذ البطاقات القضائية من قبل مأموري الضابطة العدلية، وخصوصًا بطاقات الجلب. ويضيف أنه "للتصدي لهذه الظاهرة، يجب تجريم عدم تنفيذ البطاقات القضائية".
اقرأ/ي أيضًا: تعذيب وعنف متواصل.. أرق تونس الثورة
كما أكد بسام الطريفي تواصل التعذيب في السجون وحتى بعد استكمال البحث. و"الجلادون اليوم يتمتعون بحماية بحكم مهنتهم والسلطة التي يمارسونها، ولا يخضعون لأوامر السلطة القضائية بل وصل الأمر إلى حد التهديد بالتصفية من قبل بعض المتهمين"، وفق تصريحاته.
كما يعتبر 53 في المائة من القضاة المستجوبين أن تنفيذ المأموريات القضائية يطرح إشكالًا ويمثل سببًا مؤثرًا في تواصل ظاهرة الإفلات من العقاب في جرائم التعذيب، خاصة مع غياب قائمة محيّنة للخبراء المختصين في معاينة جرائم التعذيب وتحرير الاختبارات والمأموريات. إضافة إلى الإقرار بالإشكال الكبير بالنسبة لعرض ضحايا التعذيب الذين يكونون بحالة إيقاف. ففي أغلب الأحيان لا يتم إخراجهم من السجن للعرض على الفحص الطبي والاختبارات. وفي بعض الأحيان، يتم إخراجهم بعد الموعد المحدد من الحكيم المنتدب.
وقد تم خلال إعداد التقرير، عقد سلسلة من الاجتماعات بمقر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لوضع استراتيجية تنفيذ المشروع بمختلف مراحله، واستجواب 30 قاضيًا، 20 في تونس الكبرى و10 قضاة موزعين على مختلف الجهات. مع ذلك تم التعرض إلى جملة من الصعوبات خلال إنجاز المشروع تتعلق بتعذر الاتصال بـ11 قاضيًا من بين الموافقين على إجراء المحادثة، رفض أحد القضاة القيام بالإفادة بحجة عدم إمكانية تقديم الإفادة حول الموضوع. إضافة إلى عدم التزام عدد آخر من القضاة بالموعد المحدد نظرًا لضغط العمل والتزاماتهم القضائية.
إلى جانب صعوبات متعلقة بالنفاذ إلى المعلومة، منها تقديم طلب كتابي إلى مصالح وزارة العدل بخصوص عدد الشكايات المنشورة بالمحاكم والأحكام الصادرة في قضايا التعذيب والقضايا المنشورة أمام الدوائر القضائية. كما تم إيداع سبع مطالب نفاذ للمعلومة بالمحاكم المشمولة بالمحادثة.
وقد ذكر القائمون على إعداد التقرير أنهم تلقوا مراسلة من وزارة العدل أشارت فيها إلى أنّ عدد الشكايات المحفوظة بعنوان سنة 2015/2016، بلغ 112 ألف شكاية. في المقابل، لم يصدر سوى حكم يتيم كامل السنة القضائية يتعلق بجريمة التعذيب. وأضاف التقرير أن المراسلة لم تجب على مطالبهم وهو عدد الشكايات المتعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة. بل تم مدهم بالعدد الجملي للشكايات ذات المواضيع المختلفة.
كما أجابت المحكمة الابتدائية بالكاف بعدم وجود قضايا منشورة بالمحكمة حول شبهات تعذيب، في حين أن للرابطة معلومات حول وجود قضية موضوعها التعذيب منشورة أمام المحكمة الابتدائية بالكاف. وبالنسبة للمحكمة الابتدائية بجندوبة تمت الإجابة بوجود ست قضايا مآلها بين الحفظ والحكم الغيابي والاستئناف أمام دائرة الاتهام. في حين أن المحكمة الابتدائية بنابل لم ترد على فريق العمل على التقرير بجواب محدد وقد عبرت المحكمة عن موافقتها المبدئية وعملها على حصر عدد الشكايات والأحكام في هذا الخصوص ولكن لم تتلق الرابطة أي إجابة. أما بالنسبة للمحكمة الابتدائية بباجة فكان جوابها وجود أربع قضايا منشورة أمام المحكمة.
يعتبر 53 في المائة من القضاة المستجوبين أن تنفيذ المأموريات القضائية يطرح إشكالًا ويساهم في تواصل الإفلات من العقاب في جرائم التعذيب
نقص عدد القضاة
يرجع أغلب القضاة المستجوبين أن النقص في عدد القضاة مقارنة بالملفات المعروضة عليهم، سواء قضاة النيابة أو قضاة التحقيق وقضاة المجلس، يحول دون تخصيص الوقت الكافي لهذه النوعية من الملفات والقضايا التي تتطلب أكثر جهدًا ووقتًا وتمحيصًا في الأدلة والبراهين للبحث في الحقيقة وتتبع مرتكبي الجرائم.
وأكد القضاة وفق التقرير محدودية إمكانيات العمل ووسائل تنظيم العمل القضائي وذلك بالاعتماد على منظومة معلوماتية لا تسمح بالإسراع في معالجة القضايا بشكل عام وقضايا التعذيب بشكل خاص واتخاذ القرارات في أسرع الأوقات لتحقيق النجاعة المطلوبة في مثل هذه الحالات. كما يسجل القضاة، وفق شهاداتهم، نقصًا في الإمكانيات اللوجستية والبشرية للقيام بأعمالهم على أكمل وجه. فيما يسجلون عدم تعاون وتجاوب مأموري الضابطة العدلية في القيام بالأبحاث اللازمة في جرائم التعذيب وهو ما يصل حد التقاعس المتعمد، حسبهم.
من جهته، أشار عضو الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب لطفي عز الدين أنه يختلف مع مصطلح الإفلات من العقاب، بل "وجب التأكيد على مسألة الإفلات من المحاسبة. فالمسألة لا تتعلق بالسجن أو العقاب أو التشفي بقدر ما تتعلق بتحقيق العدالة والمحاسبة"، حسب تعبيره.
اقرأ/ي أيضًا: