08-أكتوبر-2024
أحواض طبلبة المنستير تجميع المياه

ضعف الموارد المائية بالمنستير دفع عديد الفلاحين إلى ابتكار طرق جديدة منها اعتماد أحواض لتجميع مياه سطوح البيوت المكيفة (أسماء البكوش/ الترا تونس)

 

تعتبر ولاية المنستير المنتج الأول للباكورات في تونس بمعدل يفوق 46 ألف طن أي بنسبة 40% من الإنتاج الوطني حيث تضم الولاية حوالي 6250 هكتارًا من المناطق السقوية مقسمة على ستّ مناطق وهي طبلبة وبنبلة والوردانين والساحلين والبقالطة وبني حسان ويبلغ عدد الفلاحين بالولاية حوالي 20 ألف فلاح، وفق دراسة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحت عنوان "أزمة المياه في تونس وانعكاساتها على توفر الماء بولاية المنستير" صادرة في أفريل/نيسان 2024.

في المقابل، تعاني الجهة من ضعف مواردها المائية إذ تقدر نسبة المياه الجوفية العميقة بـ7 ملايين متر مكعب مستغَلَّة بنسبة 120%،  فيما تقدر المياه الجوفية السطحية بـ10ملايين متر مكعب مستغلة بنسبة 84%، وفق الدراسة ذاتها. أما المياه المتأتية من خارج الولاية فتقدر بـ7.5 ملايين متر مكعب قادمة من سد نبهانة والذي يرتبط أساسًا بالتساقطات ونسبة امتلاء السدود.

تعتبر المنستير المنتج الأول للباكورات في تونس بنسبة 40% من الإنتاج الوطني لكنها تعاني من ضعف مواردها المائية الأمر الذي دفع عديد الفلاحين لابتكار طرق جديدة منها اعتماد أحواض لتجميع مياه سطوح البيوت المكيفة

أمام هذا العجز المائي يبحث الفلاحون عن طرق مبتكرة محليًا لتجميع المياه لاستغلالها، ومن بينها ما أعلنت عنه الشركة التعاونية للفلاحين السعادة بطبلبة والمتمثلة في أحواض لتجميع مياه سطوح البيوت المكيفة.

"هو مشروع نموذجي"، يقول مدير الشركة التعاونية قيس تقية لـ"الترا تونس"، ويضيف: "نحن نملك بيوتًا مكيفة متعددة الهياكل، وبين كل بيت وآخر هناك ساقية تجمع مياه الأمطار التي تنحدر من الغلاف الذي يغطي البيت المكيف".

وتابع: "قمنا بتوجيه هذه السواقي في اتجاه معين بعد أن ركزنا مزرابًا تحت كل واحدة منها ثم قمنا بربطهم في منطقتين الأولى تمسح 2800 متر مربع والثانية  1600 متر مربع، وبعد ذلك تجمع كل المياه في حوض بسعة 700 متر مكعب من مياه الأمطار بصفة دورية".

صورة
اعتماد أحواض لتجميع مياه سطوح البيوت المكيفة في طبلبة لاستغلالها في ظل النقص المائي بالمنطقة (أسماء البكوش/ الترا تونس)

 

وبيّن مدير الشركة التعاونية للفلاحين السعادة بطبلبة، التي تعتبر الأقدم في تونس إذ تم تأسيسها منذ سنة 1947 وكانت تعرف بالتعاضدية للخدمات الفلاحية السعادة وواصلت عملها على مدى سنوات، أنّ الجهة تعاني شحًا مائيًا كبيرًا خاصةً في غياب السدود، مؤكدًا أنه "لابد من الاحتفاظ بكل قطرة ماء واستغلالها، لهذا بحثنا عن طرق مبتكرة للاحتفاظ بمياه الأمطار التي لا تقدر بثمن ولا يمكن تعويضها".

مدير الشركة التعاونية للفلاحين السعادة بطبلبة لـ"الترا تونس": نملك بيوتًا مكيفة متعددة الهياكل وبين كل بيت وآخر هناك ساقية تجمع مياه الأمطار التي تنحدر من الغلاف، فقمنا بتجميع كل المياه في حوض بسعة 700 متر مكعب بصفة دورية

وأكد محدثنا أنّ "هذا المشروع النموذجي في الجهة  يسعى لاستغلال مياه الأمطار التي تتساقط على البيوت المكيفة"، مشيرًا إلى أنّ "كلفته تقدر بـ25 ألف دينار، وهو مبلغ زهيد"، على حد تقديره، مردفًا أنّ "مياه الأمطار لا تقدّر بثمن وبهذه الطريقة التي تم اعتمادها كلّ قطرة مياه يمكن استغلالها"، حسب قوله.

وأشار مدير الشركة التعاونية الفلاحية السعادة بطبلبة إلى أنّ التغيرات المناخية تسببت في الجفاف، ناهيك عن تغيّر المناطق الجغرافية التي تشهد تساقطات الأمطار، مشيرًا إلى أن الأمطار الاخيرة التي تم تسجيلها تهاطلت في جهات الساحل والوسط والجنوب الشرقي  مهمة جدًا، لكن لا يمكن تخزينها باعتبار أنّ هذه الجهات بلا سدود، وفقه.

مدير الشركة التعاونية للفلاحين السعادة بطبلبة: هذا المشروع استراتيجي وكلفته التي تناهز 25 ألف دينار تعدّ زهيدة نظرًا للكميات الهامة من المياه التي يقع تجميعها واستغلالها في مواجهة النقص المائي بالجهة

في المقابل، بلغت نسبة امتلاء السدود، الموجودة أساسًا في ولايات الشمال،  إلى حدود تاريخ 3 أكتوبر/تشرين 2024، حوالي 21.6% وهذه نسبة مخيفة خاصة أنّ التساقطات الأخيرة لم تشمل تلك الجهات.

وشدد محدثنا على أن كل مليمتر واحد من الأمطار على مساحة ألف متر مربع  يمكّننا من تجميع 1 متر مكعب من المياه، فالقطرات عند تجمعها تتحول إلى غدير، وهذا ما يجب التفكير فيه والعمل عليه خاصة وأن الآلاف من الأمتار المكعبة تذهب هباءً ولا يتم استغلالها، حسب قوله.

وتابع قيس تقية لـ"الترا تونس": "نحن نتوجه للدولة بنداء لتدعيم هذه المشاريع حتى يستطيع كل فلاح إرساء مثل هذا النموذج من أجل الحفاظ على الثروة المائية وتدعيم عمل الدولة واستراتيجياتها، فالفلاح يحتاج إلى التشجيع لأن الأرض مورد رزقه وهي أيضًا مصدر الاكتفاء الغذائي للبلاد كلها، فمنطقة مثل طبلبة تعتبر عاصمة الباكورات في البلاد التونسية وتحتاج  للدعم وفتح الأبواب أمام كل الفلاحين لتقديم تصوراتهم واقتراحاتهم ودعم حلولهم".

مدير الشركة التعاونية للفلاحين السعادة بطبلبة لـ"الترا تونس": نتوجه للدولة بنداء لتدعيم هذه المشاريع حتى يستطيع كل فلاح إرساء مثل هذا النموذج من أجل الحفاظ على الثروة المائية وتدعيم عمل الدولة واستراتيجياتها

ويرى  تقية أن الشركة التعاونية تحاول جاهدة من خلال هذا التجمع للفلاحين البحث عن الحلول وإنجازها لكن الفلاح لا يستطيع لوحده تحمل كلفة احتياجاته ولا بدّ أن تدعمه الدولة، حسب تقديره، منتقدًا تواصل ما وصفها بـ"البيروقراطية المقيتة" بما تطلبه من وثائق وما تستغرقه من وقت طويل لتلبية خدمات بسيطة.

من جانبه، أبرز محمد تقية، وهو فلاح  من طبلبة لـ"الترا تونس"، أنّ "المنطقة تعتبر كنزًا نظرًا لخصوبة تربتها"، على حد قوله، معتبرًا أنّ "مشروع تجميع مياه الأمطار من أسطح البيوت المكيفة ممتاز جدًا لأنه سيحافظ على خصوصية تربة الجهة"، حسب تصوره.

محمد تقية (فلاح بطبلبة) لـ"الترا تونس": مياه الآبار في طبلبة شديدة الملوحة وبالتالي فإنّ مشروع تجميع مياه الأمطار ممتاز ويمكّن من الحفاظ على جودة وخصوبة التربة لذلك أدعو لدعم الفلاحين من أجل بعث مثل هذا المشروع

وأردف أن جهة طبلبة حافظت على جودة تربتها لأكثر من 100 عام والسبب هو اعتمادها في عملية السقي على سُدّ "نبهانة" الذي يتميز بكون مخزونه المائي من مياه أمطار خالصة، لا تمرّ عبر السباخ وهو ما جعلها ممتازة للأرض، وفقه.

 

صورة

 

وأشار إلى أن مياه الآبار في الجهة بها نسبة عالية من الملوحة، لذلك فإن التوجه نحو هذا المشروع يعتبر مكسبًا هامًا للفلاحين، حسب رأيه.

كما لفت إلى أنّ "الفلاحين المنضوين تحت تعاونية السعادة وحدهم يتمتعون بهذا المشروع لأنّ هذا النوع من البيوت المكيفة لا يمتلكها بقية فلاحي الجهة نظرًا لغلاء كلفتها"، داعيًا إلى ضرورة دعم الفلاحين الصغار حتى يتمكنوا من إرساء هذا النوع من البيوت المكيفة وبالتالي القيام بالمشروع وتجميع المياه في أحواض لاستغلالها.

في السياق نفسه، دعا عدد من فلاحي الجهة إلى ضرورة أن تقوم وزارة الفلاحة بدراسات من أجل إحداث طرق لاستغلال مياه الأمطار، خاصّة وأنّ مياه سد نبهانة لم تعد تسقي أراضيهم منذ سنة 2019، مستغربين ما اعتبروه لامبالاة تجاه منطقتهم على الرغم من أنها تعتبر الأولى في إنتاج الباكورات بالبلاد التونسية.