20-يناير-2023
الجفاف في تونس

تونس تصنّف تحت خط الشح المائي بنسبة 420 متر مكعب/سنة (ياسين القايدي/الأناضول)

 

يشغل موضوع أزمة المياه ونقصها الخبراء والمختصين سواء على المستوى الوطني أو العالمي وذلك تزامنًا مع التغيّرات المناخيّة التي أصبحت تمثّل تهديدًا خطيرًا على حياة البشرية.

ولم تكن تونس بمنأى عن هذه الأزمة، إذ تعيش منذ 3 سنوات تراجعًا ملحوظًا في نسب امتلاء السدود واضطرابًا دوريًّا في توزيع المياه الصالحة للشرب في عديد المناطق. كما تشهد في هذه الفترة دعوات متتالية لإعلان حالة الطوارئ المائية خاصّة مع توقعات بتفاقم الوضع في حال لم تتكثّف التساقطات في الفترة القادمة. "ألترا تونس" يفتح ملف أزمة المياه في تونس في هذا التقرير.

 

 


  • فلاّح: "سد سيدي البرّاق أصبح ملعبًا للأطفال بسبب الجفاف"

يستفيق شريف الدلاعي، فلاح، يوميًا على مشاهد صادمة لسدّ سيدي البراق بمدينة نفزة الواقعة في ولاية باجة، والذي يعتبر واحدًا من أكبر السدود في تونس. فصور تشقّق الأرض والموت البطيء للأشجار المحاذية أصبحت تشغل باله خاصّة وأنّه يقطن منذ سنوات على مشارف السدّ ولم يشهد هذا المشهد من قبل، وفق حديثه لـ"ألترا تونس".

شريف الدلاعي، فلاح، لـ"الترا تونس": أكثر الزراعات المتضرّرة في هذه الفترة هي الفراولة وإذا لم تمطر بشكل كاف إلى حدود شهر مارس فستتضرّر زراعة الفلفل والبطيخ أيضًا

يؤكّد هذا الفلّاح أنّ الوضع أصبح كارثيًّا بعد أن أصبح السدّ مرعى للحيوانات وملعبًا للأطفال، بعد أن كان في سنوات ماضية مصدرًا للحياة في منطقة نفزة المعروفة منذ عقود بالزراعات السقوية. ويشير محدّثنا إلى أنّ أكثر الزراعات المتضرّرة في هذه الفترة هي الفراولة وأنه إذا لم تمطر بشكل كاف إلى حدود شهر مارس/آذار فستتضرّر زراعة الفلفل والبطيخ أيضًا، على حدّ تعبيره.

ومنذ أسابيع شهدت منطقة نفزة جملة من التحرّكات من عدد من الفلّاحين خاصّة الذين قاموا بغرس الفراولة، بعد رفض المنطقة السقويّة تزويدهم بالمياه منذ شهر سبتمبر/أيلول الماضي. وبعد ضغط منهم عاد التزوّد ولكن بشكل شحيح ومتقطع.

ويقول الدلاّعي لـ"الترا تونس" إنّ الفلاح سيخسر مئات الملايين بسبب هذا النسق وأنّ هناك حالة استنفار داخل المجمع التنموي والمنطقة السقوية واتحاد الفلاحين بسبب ضبابية الوضع حول مصير الزراعات السقوية.

شريف الدلاعي، فلاح، لـ"الترا تونس": سدّ سيدي البراق أصبح مرعى للحيوانات وملعبًا للأطفال في ظل نقص الأمطار

ويختم حديثه قائلًا: "أنا متردّد في زراعة الفلفل هذه السنة خوفًا من الخسارة وفي المقابل إذا لم يجازف الفلاح فسيكون هناك تأثير كبير على أسعار الخضر والغلال".                       

من جهته، دعا رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بباجة شكري دجبي الحكومة التونسية إلى ضرورة إعلان حالة تأهب مائية على خلفية الوضعية التي آلت إليها السدود بسبب الجفاف وهو ما أصبح يمثل تهديدًا جديّا للمواطن والقطاع الفلاحي على حد السواء.

كما أكّد رئيس اتحاد الفلاحة، في تصريحات إعلاميّة، ضرورة تهيئة السدود للحفاظ على كامل التساقطات المحتملة في الفترة القادمة.

رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بباجة يدعو الحكومة إلى إعلان حالة تأهب مائية على خلفية الوضعية التي آلت إليها السدود بسبب الجفاف

وطالب  رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بباجة بتفعيل خطة استباقية لترشيد استهلاك المياه المتبقية بالسدود وبرفع وعي المواطن بالخطر ودعوته لتجنّب بعض الأنشطة التي تتسبب في إهدار المياه الصالحة للشرب.

 

 

 

  • باحث: "سوء تصرف تشريعي وسياسي واستراتيجي فاقم أزمة المياه في تونس"

وللوقوف على النقائص والإشكالات المغذيّة لأزمة المياه في تونس تواصل "ألترا تونس" مع الباحث محمد أكرم هويمل، الذي اعتبر أنّ الوضعية المائية مرتبطة أساسًَا بالمناخ البيمداري لتونس وهو من المناخات غير المستقرة لذلك من الطبيعي أن تشهد البلاد اضطرابات مناخية تتأرجح بين سنوات ممطرة أو سنوات جفاف.

الباحث محمد أكرم هويمل لـ"الترا تونس": رغم المجهودات منذ الستينيات من خلال شبكة السدود،  إلاّ أنّها تشهد سوء تعبئةوذلك بسبب تراخي الدولة في صيانتها لكي لا تقل طاقة استيعابها

كما فسّر هويمل أنّ المياه في تونس هي إمّا مياه تساقطات أو مياه سطحية وجوفية وأنّ الدولة تعتمد أساسًا على المياه الجوفية، مضيفًا أنّه ورغم المجهودات منذ الستينيات من خلال شبكة السدود،  إلاّ أنّها تشهد سوء تعبئة وتبلغ 10% من جملة التساقطات وذلك بسبب تراخي الدولة في حلّ مشاكل السدود التي دائمًا ما تحتاج صيانة لكي لا تقل طاقة استيعابها.

وأشار هويمل إلى سوء تصرف تشريعي وسياسي واستراتيجي متمثّل في تعطّل تنقيح مجلة المياه لأنها تضم عديد النواقص ونية مبيتة نحو خوصصة المياه، وفقه. وفسّر محدّثنا أن البلاد لا تشكو من العطش لأنّ خارطة المياه موزّعة كالآتي:

  • 1.2 % من الإمكانيات المائية للاستهلاك البشري
  • 84 % للاستهلاك الفلاحي
  •  10%  للقطاع الصناعي والسياحي

الباحث محمد أكرم هويمل لـ"الترا تونس": سوء تصرف تشريعي وسياسي واستراتيجي متمثّل في تعطّل تنقيح مجلة المياه لأنها تضم عديد النواقص ونية مبيتة نحو خوصصة المياه

ونبّه الباحث أنّ 80% من المياه موجّهة لقطاع الفلاحة والذي يعتبر قطاعًا استراتيجيًا إلّا أنّ تونس لم تحقق اكتفاءها الذاتي وأمنها الغذائي وفسّر ذلك بأنّ الدولة لم تتوجّه نحو الزراعات الاستراتيجية التي تهم قوت الشعب التونسي،وفق قوله، بل تتجه نحو فلاحة ثانوية موجهة للتصدير ولا تمثّل أي قيمة مضافة. كما تخلّت على زراعة الحبوب والأعلاف والبقول واختارت زراعات مجهدة مائيًا كالمياه الموجّهة لزراعة القوارص والتي تكفي لسدّ حاجيات الدولة في خمس الحبوب.

ومن جهة أخرى، تحدّث هويمل عن مشاكل الصيانة في شبكات المياه الصالحة للشرب والتي تتسبّب في إضاعة نسب مهمّة تصل إلى 32 %  من المياه قبل وصولها للحنفيّات، بالإضافة إلى حفر الآبار العشوائية (100 ألف بئر عشوائي) الذي يعرّض المائدة المائية للإجهاد إذ تستغل بنسبة 127% وهذا ما يمثل تهديدًا للأجيال القادمة في حقها في الماء، على حدّ تعبيره.

الباحث محمد أكرم هويمل لـ"الترا تونس": الدولة تخلّت على زراعة الحبوب والأعلاف والبقول واختارت زراعات مجهدة مائيًا كالمياه الموجّهة لزراعة القوارص والتي تكفي لسدّ حاجيات الدولة في خمس الحبوب

وطالب محدّثنا الدولة بتغيير استراتيجياتها الكبرى من أجل خدمة التونسي وليس في صالح المضاربين الذين يصدّرون المياه في شكل منتوجات تخلت عنها حتى الدول الأوروبية.

وفي ختام حديثه يضيف: "من المفارقات العجيبة اليوم أنّ المدن التي تعيش أزمة المياه الصالح للشرب هي المناطق التي تحتوي على منابع المياه الموجّهة للتّعليب وذلك بسبب التشريعات المتساهلة في منح تراخيص للوبي المياه الذي تبلغ مداخيله الألف مليار"، وفقه.

باحث لـ"الترا تونس": "من المفارقات أنّ المدن التي تعيش أزمة المياه الصالح للشرب هي التي تحتوي على منابع المياه الموجّهة للتّعليب وذلك بسبب التشريعات المتساهلة في منح التراخيص"

 

 

  • دكتورة في علم المياه: "على وزارة الفلاحة التجنّد لتجديد شبكات توزيع المياه وسد ثغرات التّسربات"

ومن جهتها، تؤكّد راضية السمين، منسقة مشاريع بالمرصد الوطني المياه، أنّ أزمة المياه عالمية وهي انعكاس مباشر للتغيرات المناخية واختلال التوازن العالمي ما بين شحّ مائي وفيضانات بالإضافة إلى السياسات المتقاربة للدول والتي تعتمد أساسًا على مخزون السدود ولم تعمل على تعبئة الموارد الباطنية.

راضية السمين، منسقة مشاريع بالمرصد الوطني المياه لـ"الترا تونس": كلّ المؤشرات تؤكد أن البلاد تعيش أزمة مائية حادة نتيجة لغياب النظرة الاستراتيجية في إدارة الموارد المائية

أمّا في علاقة بالوضع في تونس، تقول الدكتورة راضية السمين لـ"ألترا تونس" إنّ كلّ المؤشرات تؤكد أن البلاد تعيش أزمة مائية حادة نتيجة لغياب النظرة الاستراتيجية في إدارة الموارد، بالإضافة إلى  المستجدات المناخية المتمثلة في تراجع نسب التساقطات وارتفاع الحرارة وهذا ما أثر على مواردها السطحية أو الجوفية.

وتتابع السمين أنّ تونس تصنّف تحت خطّ الفقر المائي والذي يقدر بألف متر مكعب/سنة وتحت خط الشح المائي 500متر مكعب/ سنة ، وذلك بنسبة 420 متر مكعب/ سنة ولذلك تأثير مباشر على الحياة اليومية للمواطن.

منسقة مشاريع بالمرصد الوطني المياه لـ"الترا تونس": تونس تصنّف تحت خط الشح المائي 500متر مكعب/ سنة، وذلك بنسبة 420 متر مكعب/سنة ولذلك تأثير مباشر على الحياة اليومية للمواطن

وتضيف محدّثتنا أن نسبة امتلاء السدود تراجعت في 3 سنوات الماضية من  43% سنة 2020 إلى 33% سنة 2021 لتصل إلى حدود 27% في هذه الفترة، مرجّحة أنّه إذا لم تصل النسبة إلى المعدّل في حدود شهر مارس/آذار فهناك إمكانية تقسيم الكمية بين القطاع الفلاحي ومياه الشرب وبين المناطق وسيكون الصيف صعبًا وسيشهد انقطاعات متكررة في الماء الصالح للشرب، وفق قولها.

وعن الحلول، ترى راضية السمين أنه من الضروري إيلاء الأولويّة القصوى لمياه الشرب على مياه الري الفلاحي بالإضافة إلى ترشيد النشاط اليومي للمواطن، كما دعت وزارة الفلاحة للتجنّد لتجديد شبكات توزيع المياه وسد ثغرات التّسربات والتّشجيع على تغذية الموارد الباطنية ومراقبة حفر الآبار.