الترا تونس - فريق التحرير
صادق مجلس نواب الشعب، خلال شهر فيفري/شباط 2019، على قانون السلامة الصحية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات الذي أحدث إطارًا قانونيًا خاصًا وموحدًا لـ"تأمين صحة الإنسان والحيوان والوقاية من المخاطر الصحية المرتبطة باستهلاك المواد الغذائية"، وفق ما أوردته اللجنة البرلمانية المختصة في تقريرها.
يرسي قانون السلامة الصحية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات منظومة جديدة على مستوى الهياكل والضوابط وسط تحذير من تبعاته على القطاع الفلاحي
وتأتي أهمية هذا القانون الجديد في إحداثه لهياكل رقابة جديدة، وهو الذي يهدف لملاءمة التشريع التونسي مع ما هو معمول به على المستوى الدولي وخاصة الأوروبي بالنظر لحجم المبادلات التجارية في هذا المجال مع الشريك الأوروبي. بيد أنه يثير مخاوف، في هذا السياق، من تأثيره على الفلاحة التونسية بفرض المعايير الأوروبية، خاصة في ظل المفاوضات الجارية لاتفاقية "الأليكا" التي يحذر فلاحون وباحثون اقتصاديون من آثارها السلبية على القطاع الفلاحي في تونس.
فيما يلي أهم محاور هذا القانون:
مجال التطبيق
تنطبق أحكام قانون السلامة الصحية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات على جميع مراحل الإنتاج الأولي وإنتاج وتحويل ونقل وخزن وتوزيع المواد الغذائية وأغذية الحيوانات بما في ذلك عمليات التوريد والتصدير والإشهار المتعلق بها. كما تنطبق أحكام هذا القانون على المواد الغذائية بالمطاعم والمشارب بجميع المؤسسات والهياكل العمومية والخاصة بما في ذلك المؤسسات الاستشفائية والصحية العمومية والخاصة.
تنطبق أحكام قانون السلامة الصحية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات على جميع مراحل الإنتاج الأولي وإنتاج وتحويل ونقل وخزن وتوزيع المواد الغذائية وأغذية الحيوانات
فيما لا تنطبق أحكام هذا القانون على الانتاج الأولي المعد للاستعمال العائلي الخاص ولا على تحضير ومعالجة وتخزين المواد الغذائية المعدة للاستهلاك العائلي الخاص أيضًا.
ويحدد هذا القانون 3 مبادئ أساسية يقوم عليها وهي مبدأ تحليل المخاطر، ومبدأ الاحتياط ومبدأ الشفافية.
هيئة خاصة ومهام متعددة
أحدث القانون مؤسسة عمومية جديدة باسم "الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية"، خاضعة لإشراف وزارة الصحة، تتولى عدة مهام أهمها تنفيذ سياسة الدولة في مجال حماية المستهلك والسلامة الصحية للنباتات والحيوانات وحسن معاملة الحيوانات، وأيضًا مجال المدخلات الفلاحية بدءًا من الانتاج الأولي وصولًا إلى المستهلك النهائي.
اقرأ/ي أيضًا: أي مصير للفلاحة التونسية بعد اتفاقية "الأليكا"؟
كما تتولى الهيئة تشخيص ومتابعة الحالة الصحية للنباتات والحيوانات، وأيضًا تحديد وتصور وضبط الاستراتيجيات والتوجهات والبرامج المتعلقة بمكافحة للآفات ومراقبة الأمراض الحيوانية والنباتية.
وأوكلت للهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية كذلك مهمة مراقبة جودة البذور والشتلات والأسمدة والمبيدات المستعملة في النشاط الفلاحي. كما تسهر على نزاهة المعاملات الاقتصادية وحماية مصالح المستهلك في مجال اختصاصها.
وتقوم الهيئة بالمراقبة الرسمية للسلسلة الغذائية بصفة منتظمة وحسب المخاطر، وتجري هذه المراقبة دون إعلام مسبق. وللهيئة اتخاذ تدابير خصوصية منها إخضاع منشأة إلى مراقبة مكثفة على نفقة صاحبها عند تكرر المخالفات أو الغش، ويمكنها اتخاذ قرار وقتي بالغلق لمدة لا تتجاوز 6 أشهر.
أحدث القانون مؤسسة عمومية جديدة باسم الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية
كما تتولى الهيئة تسيير شبكة وطنية للإنذار للمبكر عن المخاطر المباشرة أو غير المباشرة على صحة الإنسان أو الحيوان أو النباتات، وتقوم هذه الشبكة بتجميع وإبلاغ المعطيات والإنذارات المعلن عنها سواء على المستوى الوطني أو في بلدان أخرى.
ويلزم القانون الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بوضع خطط للتدخل قابلة للتحيين في حالة وجود أزمة.
كما قضى هذا القانون بحل الوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية للمنتجات مع إحالة جميع ممتلكاتها للوكالة الوطنية لتقييم المخاطر.
صلاحيات واسعة لمعاينة المخالفات
يخول القانون للأعوان المكلفين بمعاينة المخالفات في إطار قيامهم بمهامهم عدة صلاحيات منها الدخول خلال الساعات الاعتيادية للفتح أو العمل إلى المحلات المهنية والمستودعات والمخازن، كما يمكنهم القيام بمهامهم أثناء نقل المواد الغذائية وأغذية الحيوانات بل يمكن لهم في الحالات الاستعجالية، القيام بالتدخل خارج الساعات الاعتيادية للفتح أو العمل.
اقرأ/ي أيضًا: تونس.. أين تهدّد كلفة الإنتاج والاستيراد الأمن الغذائي
كما يمكن لهؤلاء الأعوان، عند الاقتضاء، دخول محلات السكنى بعد الحصول على إذن وكيل الجمهورية، مع إمكانية القيام بالمعاينات والحصول عند أول طلب وبدون تنقل على المستندات والمحامل الالكترونية والوثائق والسجلات اللازمة لإجراء أبحاثهم ومعايناتهم وأخذ نسخ منها.
كما يحق للأعوان حجز ما هو ضروري من هذه المستندات، واقتطاع عينات مع الاطلاع على كل وثيقة لازمة لأداء مهامهم لدى الإدارات العمومية والمؤسسات والمنظمات الخاضعة لرقابة الدولة. ويمكن القيام بالحجز الوقتي للمواد الغذائية أو أغذية الحيوانات المشتبه في كونها مدلسة أو خطرة أو غير آمنة.
ولا يكون إجراء التحاليل إجباريًا إذا كان المستغل متلبسًا بالغش، أو إذا أثبتت معاينات أعوان المراقبة أو تصريحات المستغل أو نتائج تقييم المخاطر أو المعلومات المجمعة عن طريق شبكة الإنذار المبكر أن المواد الغذائية أو أغذية الحيوانات مدلسة أو خطرة أو تشكل خطرًا على صحة الإنسان أو الحيوان.
عقوبات صارمة.. سجن وخطايا ثقيلة
حدد قانون السلامة الصحية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات جملة من العقوبات تتراوج بين السجن والخطية لردع المخالفين.
إذ يعاقب بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات وبخطية من 50 إلى 100 آلف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يخدع أو يحاول أن يخدع بأية وسيلة أو طريقة في طبيعة أو نوع أو منشأ أو العناصر الجوهرية أو كمية العناصر النافعة لكلّ منتج، وأيضًا الخداع في قابلية الاستعمال أو المخاطر الناجمة عن استعمال المنتج. وترفع العقوبة إلى السجن بـ7 سنوات مع خطية بقيمة 200 ألف دينار إذ ترتب عن هذه المخالفات ضرر بصحة الإنسان أو الحيوانات أو كانت المخالفات من قبيل الجريمة المنظمة.
حدد قانون السلامة الصحية وجودة المواد الغذائية وأغذية الحيوانات جملة من العقوبات تتراوح بين السجن والخطية لردع المخالفين
كما يعاقب بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات وبخطية من 50 إلى 100 آلف دينار أو بإحدى هاتين كل من أنتج أو عرض مواد غذائية أو أغذية حيوانات مدلسة أو منتجات تمكن من التدليس والغش أو التحريض على استعمالها بواسطة نشريات أو إعلانات. وتنسحب نفس هذه العقوبة على كل إخلال بالتزام العام للسلامة الصحية أو كل عرض في السوق لمادة غذائية أو غذاء حيوانات دون التأكد من كونه آمن ومطابق، وأيضًا كل عرض في السوق لمادة غذائية دون الحصول على شهادة السلامة الصحية.
ويرتفع سلم العقوبات ليبلغ 20 سنة إذا تسبب الطرف المسؤول عن عرض المنتج في السوق في حصول وفاة أو عجز مستمر.
هل القانون من شروط اتفاقية "الأليكا"؟
يمثل قانون السلامة الصحية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات أحد التزامات الدولة التونسية تجاه الاتحاد الأوروبي، وفق ما أكده الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية في جلسة الاستماع إليه حول هذا القانون، الذي يهدف بالخصوص، وفق الاتحاد أيضًا، إلى الاعتراف المتبادل بالشهائد المطابقة وتسهيل دخول السلع التونسية إلى البلدان الأوروبية.
وأعلن، في هذا الإطار، الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري موقفًا صارمًا بتأكيده أن هذا القانون "لا يخدم بأي حال من الأحوال الواقع الفلاحي التونسي المهمش والهش"، مؤكدًا أنه يهدف لتعزيز الموقف التونسي في إطار مناقشة اتفاقية التبادل الحر والمعمق والشامل مع الاتحاد الأوروبي "الأليكا".
اتحاد الفلاحة: القانون لا يخدم بأي حال من الأحوال الواقع الفلاحي التونسي المهمش والهش
وتحدث اتحاد الفلاحة عن عديد الإخلالات منها غياب هيكلة القطاع الفلاحي الذي لا يقوم على منشآت فلاحية كبرى على اعتبار أن كبار الفلاحين لا يمثلون إلا 10 في المائة فقط بكمية إنتاج تقدر بحوالي 20 في المائة، وذلك إضافة لغياب ما يسمى بالمنظومات الفلاحية القائمة على علاقات تضامنية وهيمنة العلاقات النفعية والربحية على مختلف حلقات الإنتاج.
وأشار الاتحاد إلى أن تنزيل هذا القانون على أرض الواقع يتطلب وضع استراتيجيات واضحة لتأهيل القطاع بصفة شاملة وتوفير آليات مساندة وإمكانيات مالية كبرى، وأن تنفيذ هذه الاستراتيجية يتجاوز بكثير مدة السنتين المنصوص عليها كفترة انتقالية.
اقرأ/ي أيضًا: