رأي

صورة العيد: الفوتوغرافيا المقدسة تقولنا ولا نفهمها

14 يونيو 2018
GettyImages-537001513.jpg
لكل "مصوّر" حكمته ومفاجآته يوم العيد (صورة تقريبية/ Getty)
رمزي العياري
رمزي العياريصحفي من تونس

مشهد من العيد:

"صغار في أبهى زينتهم، أطفال في أبهى حللهم يعترضونك في المنعطفات وفي زوايا الأنهج والساحات الصغيرة للقرى والمدن محمولين على بهجة العيد السعيد: مرح ولعب وألوان بلا حدود، بنات كالفراشات وأولاد كالطيور، أمّهات وآباء يرون العيد وتجلياته في بهاء أبنائهم.

الكل في اتجاه "المصوّر"، ولكل "مصوّر" حكمته ومفاجآته يوم العيد. إنهم لا يكفون على التّنافس من أجل أن تكون صورهم أحلى وأجذب.

تمتلئ الساحات باكرًا ويتزاحم الناس أمام المصورين لالتقاط "صورة العيد".

لا يكون العيد عيدًا دون هذه الصورة الذهبية".

السؤال هنا هو، لماذا ننجذب لصورة العيد بهذه الطريقة؟ لماذا هي بهذا الإغراء وبهذا الغموض؟

لماذا ننجذب لصورة العيد بهذه الطريقة؟ لماذا هي بهذا الإغراء وبهذا الغموض؟

اقرأ/ي أيضًا: مدفع رمضان.. دوي بطعم الحنين

تعالوا نفك بعض الأقفال.

عندما أعود لصور العيد العائلية أطيل النظر إليها دون غيرها من الصور فتتزاحم ذكريات بعيدة بعضها بالأسود والأبيض وبعضها ملوّن، أنشدّ إلى تلك الحياة التي كنتها. أكاد أسمع هرجنا أمام حانوت المصور وأكاد أسمع صوت المصورين الأخوين "عم الناصر الجويني" و"عم علي الجويني" وهما بهدوئهما الغريب ورائحة الحذاء الجديد عادت مجددًا إلى خياشيمي وظفائر بنات الحي يكاد زيتها يضيء. إنها حياة ثابتة في صورة. هل هي حياتي القديمة تعود إلي؟

قد يبدو الأمر بسيطًا وشبيهًا بالنوستالجيا أن نفكر في صورة العيد لكن لا تخلو المسألة من عمق ما. نحن نريد أن نسائل هذه الصورة دون غيرها من الصور مساءلة أنطولوجية، حول وجودها وماهيتها. ولماذا هي بهذه الهيبة؟

هذه الصورة، صورة العيد، لا ننقاد إليها بالعقل لأننا في زمن "الطوفان البصري" كما يقول رجيس دوبريه. وقد ننجزها بمفردنا بأجود آلات التصوير الفوتغرافي، المسألة ليست مرتبطة بالتكنولوجيا بل هناك إلحاح آخر، هناك أفق ميتافيزيقي يتلبس بالعائلة يوم عيد الفطر، إننا ننقاد إليها بأصوات أخرى تسكننا قد تكون أصوات الأجداد ونداءاتهم الداخلية هي التي تدفعنا نحو ذاك الفعل القديم المستعاد. إنه المقدس يطفو على فكرة تصوير أنفسنا يوم العيد.

صورة العيد لها جماليتها التي تخلقها، ففيها لا نميز بين المتعة والفرحة، بين الخشوع والترفيه. الطفل في هذه الصورة مأخوذ على أجنحة العيد بصخبه ومتعه الطفولية وقيمه المجتمعية ومغمور بما بقي من روائح رمضان، يقف بين لحظتين، لحظة قرص المصور على آلته الفوتوغرافية وانبعاث بهرة ضوء عجيبة (الفلاش) تدوّخ الطفل وترفعه من الواقع إلى اللاّواقع، ولحظة إعجاب الوالدين بطفلهما وهو فوق منصة التصوير.

صورة العيد العجيبة التي تمتد إليها مهجنا قبل أبصارنا هي قبض على المطلق

اقرأ/ي أيضًا: المهن الموسمية في رمضان.. باب رزق

من هنا تتأتى الصورة وتتشكل مضامينها الآنية اللحظوية المباشرة لكنها سرعان ما تتحول إلى خزّان علامات، علامات اجتماعية وأخرى نفسيّة وتاريخية فتتجاوز الزائف الواقعي إلى الفلسفي، فنستنطقها كيفما نشاء. أحيانًا عندما نمسك "صورة العيد " ونتأملها نضحك ملء شدقينا من وقفة أو حركة أو لباس أو مشطة شعر أو شكل حذاء. في تلك اللحظة المفارقة هي تردّ إلينا الزمن، تردّنا إلى أنفسنا، فنختبئ وراء تلك الضحكة المجلجلة.

الفيلسوف الفرنسي "جاك ديردا" عندما قرأ أعمال الرسام الهولندي "فان غوغ" خلص إلى أن تلك الاعمال ليس لها من مرجعيات إلا نفسها. وهذا تقريبًا ما يحدث مع صورة العيد إذ ليس لها من مرجعية إلا نفسها لذلك نحن ننقاد إليها مدهوشين ونعود إليها بعد زمن بنفس تلك الدهشة الطفولية.

هذه الصورة العجيبة التي تمتد إليها مهجنا قبل أبصارنا هي قبض على المطلق. فالزمن هو سيّد المطلق والطفولة هي تجسيد لهذا المطلق. فمن هذا اللقاء بين الزمن والطفولة تنبثق قوى الصورة الخالدة، ناصعة رغم الأبيض والأسود، أبديّة رغم تقليبنا إياها آلاف المرات ورغم إخفائنا لها نعود إلى مكامنها ملهوفين. العقل يعجز أحيانًا عن فك شيفراتها المتجددة،  بالعاطفة وحدها نسائل توهجها الدائم.

في صورة عيد الفطر وحدها ينتصر الجمالي على اللّاجمالي، لا مجال للقبح فيها فكل صورة لها أسرارها التي تخفيها وتخبئ البعض منها للأيام وللأجيال

في صورة عيد الفطر وحدها ينتصر الجمالي على اللّاجمالي، لا مجال للقبح فيها. فكل صورة لها أسرارها التي تخفيها وتخبئ البعض منها للأيام وللأجيال، حتى تبقى حية ومؤثرة كقصيدة شعر خالدة. "أعيش مرة واحدة... لكن إلى الأبد "(قصيد فرعوني).  إنها شعر لا تقرأه الأعين بل تتهجاه الروح.

صورة العيد لها غواياتها الدلالية فنحن لا نكف عن التقاطها والعودة إليها كلما اشتهت العين ذلك من أجل البحث فيها ومذاكرتها ومراجعة الوجوه التي رحلت أو تلك التي فعل فيها الزمن فعله، مدفوعين بلعبة المدّ والجزر اللامتناهية بين الماضي والحاضر...

صورة العيد، إنها لذة الفوتوغرافيا المقدسة تبقى من أغرب الأفعال البسيطة التي نأتيها يوم عيد الفطر. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

وإذا "بوطبيلة" سئل.. بأي ذنب وئد؟

الأعمال الفنية التاريخية: تحريف للتاريخ أو وسيلة لتعميمه؟

الكلمات المفتاحية

التآمر فتحي بلعيد أ ف ب Getty

الظّلم ظلمات.. ماذا بعد؟

لا يُمكن تجاوز السّياق الّذي يتنزّل فيه الإضراب الجماعيّ عن الطّعام، إذ تتلقّى منظّمات المجتمع المدنيّ الضّربة تلو الأخرى، عبر آلية تعليق النّشاط، في انتظار ما يمكن أن يكون أعظم


أحمد صواب الشاذلي بن إبراهيم NurPhoto Getty

أمّا التّسلّطيّة فليست مجازًا!

"الحكم ضدّ أحمد صواب يأتي كاشفًا لإمعان السّلطة في التّذكير بأنّ الخلفيّة المهنيّة للمتّهم أو مكانته الاجتماعيّة لا تحميه من بطشها، وهو تكتيك قديم قِدم الأنظمة التّسلّطيّة الّتي تعاقبت على حكم البلاد"


أحمد صواب غيتي Nur photo

قضية أحمد صواب.. ليست محاكمة حتى نسأل عن المحاكمة العادلة

"ستمرّ المحنة يومًا ما وسيغادر أحمد صواب السجن يومًا ما، بقرار من أدخله أو لسبب آخر، ولن نستذكره دائمًا إلا رمزًا لمحاماة منحازة لقيمها ومبادئها.."


التعليم في تونس القايدي.jpg

الإصلاح التربوي في تونس وعطالة الزمنيْن المدرسي والاجتماعي

ذهبت الدراسات إلى أن سوء التصرف في الزمن المدرسي يتسبب في استشراء العنف في الوسط المدرسي وهو فعلًا ما تعيشه المدرسة في تونس في السنوات الأخيرة

istockphoto طقس أمطار.jpg
منوعات

طقس تونس.. أمطار في عدة مناطق وانخفاض طفيف في درجات الحرارة

معهد الرصد الجوي: درجات الحرارة القصوى تتراوح بين 16 و21 درجة في الشمال والوسط، وتصل إلى 27 درجة في بقية المناطق

محتجون في قليبية يطالبون بغلق مصب وادي ليمام وفتح مركز تحويل النفايات
مجتمع

"مصدر انبعاث غازات مسرطنة".. وقفة احتجاجية في قليبية للمطالبة بغلق مصب

انتظمت يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025، أمام مقر معتمدية قليبية من ولاية نابل وقفة احتجاجية للمطالبة بالإسراع في غلق المصب العشوائي بوادي ليمام، وذلك بمبادرة من فرع قربة–قليبية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد المحلي للشغل قليبية–حمام الغزاز، وبمشاركة عدد من المواطنات والمواطنين المتضررين من الوضع البيئي المتدهور بالمنطقة


إقرار مبدأ الإضراب في القطاع الخاص
مجتمع

كاتب عام اتحاد الشغل بصفاقس لـ"الترا تونس": متمسكون بالإضراب وبحق العمال في الزيادات

أكد الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس، يوسف العوادني، لـ"الترا تونس"، يوم الاثنين 17 نوفمبر 2025 تمسّك الاتحاد بتنفيذ الإضراب العام يوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 في القطاع الخاص، احتجاجًا على تعطّل المفاوضات الاجتماعية الخاصة بالزيادة في أجور سنة 2025

الاتحاد الأوروبي يسلم تونس 47 سيارة إسعاف ضمن برنامج "الصحة عزيزة"
مجتمع

تونس تتسلم 47 سيارة إسعاف من الاتحاد الأوروبي

أعلن الاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، عن تسليم 47 سيارة إسعاف كاملة التجهير إلى تونس في إطار برنامج "الصحة عزيزة"، الذي يهدف إلى دعم القطاع الصحي وتعزيز الوصول إلى الخدمات الصحية في الخطوط الأمامية وجودتها

الأكثر قراءة

1
اقتصاد

حوار| مستشار جبائي: ضغط جبائي مرتفع وتشجيع الاستثمار غائب في مشروع قانون المالية 2026


2
سیاسة

تأجيل النظر في قضية "التآمر 1" إلى جلسة 27 نوفمبر 2025


3
سیاسة

تأجيل النظر في قضيتين ضدّ سهام بن سدرين إلى جلسة 5 جانفي 2026


4
مجتمع

نقابة متفقدي التعليم الثانوي: الوضع التربوي يتسم بالفوضى والوزارة عاجزة


5
مجتمع

تجدد الاحتجاجات جرّاء التلوث في قابس وأولياء يرفضون التحاق أبنائهم بالدراسة