29-أكتوبر-2018

الفيلم يعود للقاعات إثر رقمنته بعد أكثر من 3 عقود منذ إصداره لأول مرة (سينما باريس)

يعود الشريط السينمائي "الهائمون" للمخرج الناصر خمير إلى القاعات التونسية بعد أربع وثلاثين سنة، إثر رقمنته بمواصفات تقنية عالمية. وقُدم الفيلم مساء السبت 27 أكتوبر/تشرين الأول 2018 ضمن عرض خاص حضره المخرج في قاعة الفن الرابع بالمسرح الوطني التونسي ضمن "سينما باريس".

تابع "الترا تونس" هذه الأمسية السينمائية التي حضرها جمهور أغلبه من الشباب يبدو أنه جاء ليكتشف إحدى كلاسيكيات السينما التونسية. إذ أعادنا عرض "الهائمون" إلى الانبلاجة التي حدثت في السينما التونسية إبان الدورة العاشرة لأيام قرطاج السينمائية سنة 1984، حينما كان نيل الشاب الناصر خمير جائزة العمل الأول بمثابة المفاجأة خاصة وأن التنافس تلك الفترة كان على أشدّه بين سينمائيين عتاة في الوطن العربي وإفريقيا على غرار محمود بن محمود، ورضا الباهي، والنوري بوزيد، وعبد اللطيف بن عمار، وخيري بشارة، ويوسف شاهين، وتوفيق صالح وجان ميشال شمعون.

 يعود فيلم "الهائمون" للقاعات بعد 34 سنة من إصداره لأول مرة وهو فيلم صنفه مهرجان فينيسيا سنة 2017 كواحد من أهم الكلاسيكيات في العالم

مثّل الشريط السينمائي فتحًا جديدًا، وثمرة من ثمرات أيام قرطاج السينمائية التي بدأت تتسامق عالميًا وباتت محجة أهم السينمائيين المفكرين. فـ"الهائمون" هو الشريط الطويل الأول للناصر خمير، ومثل الوتد الرئيسي لثلاثية خمير المعروفة بثلاثية الصحراء والمتكونة من "الهائمون" (1984) و"طوق الحمامة المفقود" (1989) و"بابا عزيز" (2005).

اقرأ/ي أيضًا: السينما التونسية ما بعد الثورة: سرديات الواقع.. بجماليّات جديدة

 

الومضة الدعائية لفيلم "الهائمون"

اختارت سينما خمير نفس توجه السينما التونسية أي سينما المؤلف، المدافعة عن الفكر والقيم الإنسانية والانشغال بالفن، بعيدًا عن التجارة والاسفاف والتدني الجمالي. كما اختارت التيه في الصحراء بكل ما تحمله الصحراء من تيمات ورمزيات ومعاني متعلقة بالوجود.

وقد صنف مهرجان فينيسيا سنة 2017 فيلم "هائمون" كواحد من أهم الكلاسيكيات في العالم إلى جانب أعمال كل من سبيلبارغ، وقودار وأوزي. وعودة الشريط اليوم بعد رقمنته إلى قاعات السينما التونسية وربما إلى قاعات العالم هي عودة تشبه عودة الجدّ بعد غياب، هذا الجدّ المثقل بالسفر والحكي والصمت والتأمل. هو شريط سينمائي ليس ككل الأشرطة، فهو مساحة فلسفية للتأمل والتفكير، تنتفي فيها الأمكنة والأزمنة. إنه المطلق الذي تمنحه إيانًا الصحراء كرمز للثقافة العربية الاسلامية، وهو الرمز الذي تنهل منه الثروات الباطنية رغم إهمالنا إياه فنّيًا وإبداعيًا.

اختارت سينما الناصر خمير نفس توجه السينما التونسية أي سينما المؤلف المدافعة عن الفكر والقيم الانسانية والانشغال بالفن بعيدًا عن التجارة واإاسفاف والتدني الجمالي

 قلة هم من كانت الصحراء ملاذهم الإبداعي، وذلك باستثناء السينمائي التونسي الناصر خمير من خلال ثلاثيته، والكاتب الليبي المعروف إبراهيم الكوني الذي أحالنا إلى حياة لامرئية في الصحراء وحملنا إلى دلالات لم نكن نعرفها من قبل عن مكان كنا نعتقد جازمين أنه الخلاء يحذوه الخلاء والحال أنه مصدر لإنعاش الروح والعقل، إذ كتب الكوني في رواية "التبر" قائلًا: "الصحراء هي الرديف الأكثر حميمية على الإطلاق لمفهوم الحرّية". ويقدّم "الهائمون" الصحراء كفضاء للحلم والبحث عن الذات بين الكثبان، حيث يمنح خمير رديفًا لامرئيًا لحياة أخرى يمكن تأثيثها بقليل من الكلمات وكثير من الحلم.

"الهائمون" للناصر خمير هو كتاب فلسفي تأملي مكتوب بالكاميرا والمداخل إليه متعددة جدًا، وهو يستمد تجدده من بقاء السينما كفنّ يمجّد الحياة ويحتفي بالإنسان.

حركة الكاميرا في هذا الشريط معجونة بحركة الأسطورة ورموز حضارة البربر الرّحل المنسية والتي أهملها كتبة التاريخ قصدًا وتآمرًا. إذ تأتي صورة الناصر خمير مفعمة بتيمات الصحراويين وجمالياتهم ووشمهم وحنينهم الأبدي للألوان، لقد كان المخرج بديعًا في هذه النقطة، إذ امتلأت الأفئدة بتلك الألوان وذاك التناسق المشكّل لعالم الصحراء.

المخرج الناصر خمير (سينما باريس)

اقرأ/ي أيضًا: سيتم عرض أكثر من 200 فيلم: كامل تفاصيل الدورة 29 لأيام قرطاج السينمائية

حمل "الهائمون" ومن خلال هذه العودة وجوهًا طبعت السينما والدراما التلفزية والإذاعية التونسية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي مثل النجمة جميلة العرابي، والمسرحي القدير نورالدين القصباوي، وحسن الخلصي، والهادي داود. كان هؤلاء وغيرهم من ممثلي الفيلم في مواجهة مناخ آخر مستجد في السينما التونسية، وذلك عبر الاشتغال مع مخرج شاب متلبس بتفاصيل الثقافة الصحراوية. واستطاعت هذه الزمرة من الممثلين النجوم في التماهي مع ما يدور في عين المخرج وعقله، وهو ما أعطى للشريط روحًا بقيت مرفرفة إلى اليوم.

العرض الذي احتضنته قاعة الفن الرابع بشارع باريس شفع بنقاش مع المخرج الناصر خمير الذي تفاعل بكل حيوية مع الأفكار التي باحت بها المشاهدة لشريط يبدو أنه لم يفعل فيه الزمن فعله. حيث طُرحت مسألة الصحراء والافتتان بهذا المجال الطبيعي الذي يوحي بالموت والفناء والانتهاء والعطش، وأشار المخرج، بهذا الخصوص، أن الصحراء هي أرض الفلسفة والشعر والتصوف والهيام والتيه وبالتالي علينا اقتحامها والاهتداء بمناراتها اللامرئية، وهو تقريبًا ما فعله بكاميراه، حسب تقديره.

الناصر خمير: الحقيقة لا يملكها أحد بعينه بل لكل واحد منا حقيقته وبالتالي توجب كسر المرآة في الشريط وجعل كل جزء بيد أحدهم لأن الحقيقة مبثوثة لدى الجميع

كما تطرق الحضور إلى نقطة جمالية تتعلق بالألوان وتقنية الإضاءة التي ساعدت على اخراج الفيلم بحلة فاخرة. وأجاب المخرج قائلًا: "دراسة أنثروبولوجية سبقت الدراسة الجمالية، فالصحراء جمالها متخفي تمامًا كالمرأة الصحراوية. سكان الصحراء لهم فنونهم وذائقتهم الجمالية التي نجدها في الوشم والملابس وزخرفة الأواني والأغطية وهندسة المنازل، كل هذا تم التقاطه والاشتغال عليه في الفيلم".

وفي سؤال بخصوص رمزية المرايا في الشريط أو لعبة المرايا كما وصفها أحد المتفرجين، أجاب المخرج بأنه قصد بالمرأة الحقيقة، وأضاف قائلًا: "هذه الحقيقة لا يملكها أحد بعينه بل لكل واحد منا حقيقته، وبالتالي توجب كسر هذه المرآة في الشريط وجعل كل جزء بيد أحدهم لأن الحقيقة مبثوثة لدى الجميع".

[[{"fid":"102070","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":215,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

المشاركون في العرض الخاص لفيلم "الهائمون"

اقرأ/ي أيضًا:

انبعاث أيّام قرطاج للإبداع المهجري.. نبل الفكرة وغياب التصوّر

"أوسّو نحّيلي الداء الي نحسّو": مهرجان"أوسّو" شاهد على المخيال الشعبي