قالت إنها "إجابة قمعية لمظلمة إنسانية"، هكذا وصفت منظمة حقوقية تونسية قرار الحكومة التونسية ترحيل مهاجرين وطالبي لجوء من إفريقيا جنوب الصحراء إلى وجهة غير معلومة.
- مجلس وزاري يقر ترحيل مهاجرين وطالبي لجوء
يتعلق الأمر ببيان أصدرته رئاسة الحكومة التونسية، بتاريخ 23 ديسمبر/كانون الأول 2022، ورد فيه أن مجلسًا وزاريًا مضيقًا قد انعقد بحضور رئيسة الحكومة نجلاء بودن ونظر في وضعية مهاجرين غير نظاميين مقيمين بالمركب الشبابي بالمرسى.
رئاسة الحكومة التونسية: "ضرورة الشروع في ترحيل مهاجرين غير نظاميين على أن تبدأ الإجراءات في أقرب وقت"
وجاء في نص البيان الحكومي أن "وزير الشباب والرياضة كمال دقيش قد عرض بسطة حول عدد من المهاجرين المقيمين بالمركب الشبابي بالمرسى منذ أكثر من 5 سنوات بصفة غير قانونية مما تسبب في تعطيل نسق عمل المركب بسبب رفضهم التام مغادرة المكان".
وأنه "بعد التداول بحضور وزراء العدل والخارجية والداخلية، تم الاتفاق على ضرورة الشروع في ترحيلهم نظرًا لوضعيتهم غير القانونية على أن تبدأ الإجراءات في أقرب وقت"، وفق ذات البيان. ولم يصدر إثر ذلك أي جديد حول وضعيتهم أو تطورات تخص بدء ترحيلهم.
- منظمة تونسية: سياسات تمييزية وقمعية للحكومة التونسية إزاء المهاجرين
إبان بيان رئاسة الحكومة التونسية، أصدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو منظمة غير حكومية تأسست عام 2011 بهدف الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهي تعمل على قوانين العمل، حقوق المرأة، الحقوق البيئية وأيضًا حقوق المهاجرين ومجالات أخرى، بيانًا استنكارًا لما وصفه بـ"قرار قمعي" و"مظلمة إنسانية".
مجموعة من المهاجرين وطالبي اللجوء لم يتم التوصل لتسوية لوضعياتهم وقد كانوا في مخيّم الشوشة وانتقلوا لما تم إخلاء المخيّم بالقوة في 2017 إلى العاصمة أين تم إيواؤهم في دار الشباب بالمرسى
وبالعودة للمعطيات المتوفرة لدى المنظمة المذكورة، تبيّن أن مجموعة من المهاجرين وطالبي اللجوء لم يتم التوصل لتسوية لوضعياتهم وقد كانوا ضمن مخيّم الشوشة (المخيّم الذي افتتحته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لاستقبال الفارين من الحرب الليبية وقررت غلقه في جوان/يونيو 2013 دون تسوية جميع الوضعيات).
بقي هؤلاء في المخيّم، حتى بعد غلقه الرسمي، في ظروف إنسانية قاسية إلى حدود إخلائه بالقوة في جوان/يونيو 2017 ويمكن متابعة تفاصيل عن مطالبهم وتجربتهم القاسية خلال أيامهم الأخيرة في المخيّم في التحقيق التالي: مخيم "الشوشة".. قصص منسيين في سجن مفتوح.
إثر إخلاء المخيّم بالقوة، انتقلت المجموعة المتبقية نحو العاصمة وبعد تدخل ودعم من منظمات المجتمع المدني تم إيواؤهم في دار الشباب بالمرسى. وقد ذكر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن منظمات المجتمع المدني التونسي التجأت إلى جميع الأطراف المتداخلة في الموضوع (الحكومة التونسية، منظمات أممية، الاتحاد الأوروبي وكل الدول التي كانت طرفًا في الأزمة الليبية) في محاولة لإيجاد حل ولو استثنائيًا للمجموعة المتبقية من المهاجرين "لكن دون جدوى"، وفق هذه المنظمة الحقوقية.
حذر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية "من أي محاولة لفرض حل بالقوة على فئة مستضعفة استمرت معاناتها أكثر من 10 سنوات دون حل وفي تنصل للجميع من مسؤولياته"
وحذر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية "من أي محاولة لفرض حل بالقوة على فئة مستضعفة استمرت معاناتها أكثر من 10 سنوات دون حل وفي تنصل للجميع من مسؤولياته"، مجددًا الدعوة "لحل استثنائي لهذه الوضعية الاستثنائية بما يستجيب لانتظارات طالبي اللجوء المتواجدين بدار الشباب بالمرسى"، وفق بيان للمنظمة.
حمّلت منظمة تونسية المسؤولية السياسية والأخلاقية لمعاناة طالبي اللجوء النفسية والصحية والتي أدت سابقًا إلى وفاة اثنين منهم بدار الشباب بالمرسى إلى الدول التي تورطت في الحرب الليبية ومفوضية شؤون اللاجئين والحكومة التونسية
وحمل المنتدى المسؤولية السياسية والأخلاقية لمعاناة طالبي اللجوء النفسية والصحية والتي أدت سابقًا إلى وفاة اثنين منهم بدار الشباب بالمرسى إلى الدول التي تورطت في الحرب الليبية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين والحكومة التونسية، داعيًا منظمات المجتمع المدني للتعبئة ضد السياسات التمييزية والقمعية للحكومة التونسية إزاء المهاجرين، وفق ذات البيان.
- مسار من التجاهل والمواجهة..
من المهم التذكير أن قرار ترحيل هؤلاء المهاجرين ليس الحادثة الأولى لحكومة نجلاء بودن ضدهم، إذ سبق أن قامت قوات من الشرطة التونسية، السبت 18 جوان/ يونيو 2022، بفك اعتصام ما تبقى منهم وكانوا محتجين أمام مقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في العاصمة التونسية بعد صدور تحيين عنها اعتبرهم "من غير المشمولين بالولاية واتهمهم مباشرة بتعطيل العمل في المفوضية".
سبق أن قامت قوات من الشرطة، منتصف جوان الماضي، بفك اعتصام عدد من المهاجرين المحتجين واستنكرت منظمات ما رافق فك الاعتصام بالقوّة من إيقافات واعتداءات لفظية ومادية وتشتيت نحو وجهات غير معلومة
وسبق أن أصدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بيانًا استنكر فيه "ما رافق عملية الإخلاء وفك الاعتصام بالقوّة من إيقافات واعتداءات لفظية ومادية وتشتيت نحو وجهات غير معلومة وكان من ضمن المجموعة التي وقع تشتيتها قصّر ونساء"، وفق المنتدى.
وقبل فك اعتصامهم، أصدرت وزارة الخارجية التونسية بيانًا وصفته منظمات حقوقية بـ"المخجل"، وكان ذلك بتاريخ 28 أفريل/نيسان 2022، وقال المنتدى إنه "يعزّز انعدام مقومات البلد الآمن للاجئين والمهاجرين".
استنكرت الخارجية التونسية "ما يروج له عدد من المعتصمين من طالبي اللجوء أمام مقر مفوضية شؤون اللاجئين، من معلومات مضللة وادعاءات باطلة بتعرضهم لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان رافضة رفضًا قاطعًا الإساءة إلى تونس"
وورد عن الخارجية التونسية أنها "تستنكر ما يروج له عدد من المعتصمين من طالبي اللجوء أمام مقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، من معلومات مضللة وادعاءات باطلة بتعرضهم لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وترفض رفضًا قاطعًا الإساءة إلى تونس والزج بها من أجل الضغط على مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتونس باتجاه إجلائهم أو إعادة توطينهم في دولة أخرى".
وأضافت أنه "لا يمكن القبول بتوظيف مناخ الحرية الممنوح للاجئين وطالبي اللجوء ليعمد البعض منهم إلى تشويه صورة تونس بأي شكل من الأشكال في الوقت الذي استقبلتهم فيه بعد أن تم إنقاذ حياتهم إثر غرق مراكبهم في البحر ووفرت لهم بالتعاون مع مكتب المفوضية جميع الإمكانيات المتاحة من سكن وإعاشة وحماية؛ تنفيذًا لالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي للجوء والقانون الدولي الإنساني رغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي تواجهها بلادنا"، وفقها.
ودعت الخارجية التونسية المعتصمين إلى التوجه نحو مراكز الإيواء الموضوعة على ذمتهم من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى حين البت النهائي في وضعيتهم، ويبدو أن القرار المتخذ كان ما صدر عن المجلس الوزاري في 23 ديسمبر/كانون الأول 2022 والقاضي بترحيلهم.
- تصدير المسؤولية بين الحكومة ومفوضية اللاجئين
يقول منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو من المنظمات الأكثر متابعة لوضعية هؤلاء المهاجرين، إن الأزمة ليست جديدة إذ انتهجت مختلف الحكومات في تونس إبان الثورة والمنظمات الأممية ذات الصلة بمواضيع الهجرة واللجوء "سياسة تصدير المسؤوليات بتعلات وتصنيفات مختلفة".
منظمة حقوقية: الأزمة ليست جديدة إذ انتهجت مختلف الحكومات التونسية والمنظمات الأممية ذات الصلة "سياسة تصدير المسؤوليات بتعلات وتصنيفات مختلفة"
ويٌذكر أن الاعتصام أمام مقر المفوضية السامية للاجئين في العاصمة التونسية قد سبقه اعتصام لأكثر من شهرين أمام مقر الوكالة في الجنوب التونسي وتحديدًا في جرجيس.
وجاء الاعتصام على خلفية توجه المفوضية حديثًا إلى إغلاق العديد من مراكز الإيواء التي تأوي اللاجئين وطالبي اللجوء والتخفيف من عددهم، ودفع العديد منهم إلى المغادرة مقابل بدائل لا ترتقي إلى الحد الأدنى من مستويات المعيشة وانتظارات اللاجئين "بسبب نقص الدعم المالي"، وهو ما أكدته منظمات تونسية.
قام عديد المهاجرين وطالبي اللجوء في تونس باحتجاجات متعددة سنة 2022 على خلفية توجه المفوضية حديثًا إلى إغلاق العديد من مراكز الإيواء "بسبب نقص الدعم المالي" وفقها
ونذكر من هذه المنظمات: الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية، اللجنة من أجل الحريات واحترام حقوق الإنسان بتونس، دمج، الجمعية التونسية من أجل الحقوق والحريات، المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب وجمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات وغيرها.
gلمزيد عن اعتصامات ومطالب هذه المجموعة من المهاجرين وطالبي اللجوء المهددين بالترحيل عن تونس في التحقيق التالي: عن "سياسة إغلاق الأبواب" في وجه اللاجئين وطالبي اللجوء في تونس.