09-ديسمبر-2020

لا يبدو أن مبادرات الحوار على اختلافها تروق لرئيس الجمهورية (Florian Gaertner/Photothek)

 

الفصل 80 من الدستور التونسي هو الفصل الأكثر تداولاً لا ريب بين التونسيين أو على الأقل المتابعين منهم باهتمام للمشهد السياسي في البلاد خلال الأيام الأخيرة، إذ تتعدد الدعوات لتفعيله أو "الاستنجاد به" كما يحلو للبعض القول، على اعتبار أنه قد يمثل حلاً، وفقهم، لترتيب المشهد السياسي الراهن، الذي يخيّم عليه العنف المتبادل والاحتجاجات والإضرابات  وتعطّل مصالح عدة في مؤسسات الدولة.

لكن ما مضمون هذا الفصل وما هي انعكاساته؟ هل يسمح نصه فعلاً بإحداث تغيير على المشهد السياسي الحالي؟ هذا التقرير محاولة للتقصي في أمر "الفصل الشهير" واستتباعاته مع الربط بالراهن السياسي وبالاستناد إلى ما رجحه مختصون في القانون الدستوري في تونس.


  • الفصل 80: حالة الخطر الداهم المهدد لكيان الوطن أو أمنه 

ينص الفصل 80 من الدستور التونسي على التالي: "لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب.

ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويُعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة.

وبعد مُضيّ ثلاثين يومًا على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يُعهَد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه البتُّ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه. وتصرح المحكمة بقرارها علانية في أجل أقصاه خمسة عشر يومًا.

ويُنهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها. ويوجه رئيس الجمهورية بيانًا في ذلك إلى الشعب".

إعلان حالة الاستثناء يخوّل للرئيس اتخاذ "التدابير" وهي عبارة جاءت على إطلاقها في الفصل 80 مما قد يعني تعليق العمل لفترة بمبدأ الفصل بين السلط

في تأويل الفصل 80، هناك البعض من الثوابت فيما تتعدد القراءات في عدة نقاط منه لكن المتداول عند معظم أساتذة القانون الدستوري الذين تطرقوا لفصل هو أنه: 

ـ ينظم حالة الاستثناء وهي مختلفة عن حالة الطوارئ وحالة الاستثناء هي حالة "فريدة من نوعها"

ـ لرئيس الجمهورية هامش مهم من السلطة التقديرية وله إمكانية الاستناد إلى هذا الفصل أو تجنب ذلك خاصة في ظل غياب المحكمة الدستورية

ـ إعلان حالة الاستثناء يخوّل للرئيس اتخاذ "التدابير" وهي عبارة جاءت على إطلاقها في الفصل 80 وبالتالي بإمكانه اتخاذ تدابير من اختصاص المشرّع، أو رئيس الحكومة بما معناه أن تفعيل هذا الفصل يمكن أن يُعلّق العمل لفترة بمبدأ الفصل بين السلط وتركيز السلط بالتالي عند الرئيس ومن هنا تأتي "خطورته"

ـ هناك حدود لهذا الفصل من ذلك أن يتعلق الأمر بحالة مؤقتة لا يمكن أن تكون دائمة، أيضًا لابد أن تصب التدابير الاستثنائية ضرورة في عودة تأمين السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال وأن لا تكون خارجة عن الدستور

ـ في حال تفعيل هذا الفصل، لا يمكن لرئيس الجمهورية حل البرلمان، والمجلس يكون في حالة انعقاد دائم أي لا يمكن أن يدخل في عطلة برلمانية ولا يمكن توجيه لائحة لوم تجاه الحكومة.

في حال تفعيل هذا الفصل، لا يمكن لرئيس الجمهورية حل البرلمان، والمجلس يكون في حالة انعقاد دائم ولا يمكن توجيه لائحة لوم تجاه الحكومة

  • تفعيل الفصل 80.. تحذيرات سعيّد ودعوات البعض وتخوفات من "انقلاب رئاسي"

منذ المصادقة على دستور الجمهورية الثانية أو دستور جانفي/ يناير 2014 كما يُطلق عليه البعض، لم يتم تفعيل الفصل 80 أبدًا لكن الدعوة لذلك ليست حديثة إذ سبق أن كان "الفصل الشهير" محل نقاش واسع بين المختصين والمتابعين للشأن السياسي في شهر جويلية/ يوليو الماضي وذلك إبان تصريحات لرئيس الجمهورية قيس سعيّد حينها، فُهمت كأنها تمهيد للتوجه نحو تفعيل هذا الفصل.

في تلك الفترة، كان سعيّد قد قدم "تصريحات مثيرة" تحديدًا بتاريخ 20 جويلية/ يوليو 2020، إذ صرح أنه "لن يقف مكتوف الأيدي أمام تعطل البرلمان"، مضيفًا "الدولة فوق كل الاعتبارات ومؤسساتها يجب أن تعمل بصفة طبيعية.. يحصل أن تكون هناك مناكفات في بعض المجالس قد تصل حد العنف لكن أن تصل إلى مرحلة تعطيل مؤسسة دستورية فهذا غير مقبول بأي مقياس من المقاييس".

وقال سعيّد في ذات التصريح "الوسائل القانونية المتاحة بالدستور موجودة لدي اليوم بل هي كالصواريخ على منصات إطلاقها ولكن لم أرد اللجوء إليها في هذا الظرف بالذات، لكن لن أترك الدولة التونسية بهذا الشكل الذي تسير إليه. أرجو أن نجد حلاً لهذا الوضع الذي لا يجب أن يستمر. النص الدستوري يمكنني من التصرف ونحن نعيش أخطر وأدق اللحظات في تاريخ تونس منذ الاستقلال وعلى الجميع التحلي بروح المسؤولية".

تزامنت هذه التصريحات مع تعطّل على مستوى عمل البرلمان نتيجة احتجاجات واعتصامات متتالية لكتلة الحزب الدستوري الحر وما تلى ذلك من عنف لفظي ولوائح برلمانية وغير ذلك. وكان حديث رئيس الجمهورية عن "الوسائل القانونية المتاحة له بالدستور" مشيرًا بوضوح، وفق المختصين في القانون والمحللين السياسيين، للفصل 80 إذ يعطي هذا الفصل الرئيس صلاحيات واسعة لا يُمكنه منها أي فصل آخر، لكن لم يتم تفعيل الفصل حينها وتواصل الجدل في إمكانية اعتبار المشاحنات داخل البرلمان مبررًا للإحالة إلى "حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة" كما ينص الفصل 80 وبالتالي المرور لتفعيله أم أن في الأمر تعسفًا على الفصل وتأويله، وهو جدل وخلاف لم يقتصر على النشطاء والمتابعين والسياسيين بل سيطر حتى على نقاشات مختصي القانون في البلاد.

بتاريخ 7 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، لوّح سعيّد من جديد بتفعيل الفصل 80 إذ قال، في كلمة أمام عدد من النواب الذين استقبلهم في قصر قرطاج إثر حوادث العنف اللفظي والمادي التي عرفها البرلمان مؤخرًا، إنه "يوجه الإنذار تلو الإنذار والتحذير تلو التحذير بأنه يحترم الشرعية والقانون ولكن لن يترك تونس تتهاوى ولن يترك مؤسساتها تسقط، ومن يعتقد أننا لا نتابع ما يحصل فهو واهم''.

وبلهجة تحذير حادة، واصل كلمته "نعرف كل شيء، وستأتي اللحظة التي سأحمّل فيها الجميع المسؤولية أمام الله والشعب والتاريخ، لن نقبل بأن تسيل الدماء وأن يمهّد البعض لإسقاط الدولة.."، مؤكدًا "ستستقط كل المؤامرات''.

وشدد سعيّد، خلال ذات الكلمة، "سأردّ بأكثر مما يتصورون لإنقاذ الدولة التونسية.. ومن يتوهم أنه يمكنه أن يستعين ببعض الخونة والمجرمين فهو واهم''، متابعًا "هذا إنذار.. هناك قوى مضادة للثورة تعمل منذ 2011 على إسقاط مطالب الشعب وهناك من تحالف معها ويريد إسقاط الدولة ومؤسساتها، ولكن ليعلموا أن كل ترتيباتهم معلومة وأنه لا حوار أبدًا مع المجرمين والمطلوبين لدى العدالة''.

جدل واسع حول إمكانية اعتبار المشاحنات والعنف داخل المجلس والإضرابات والاحتجاجات القائمة كـ"خطر داهم مهدد للوطن" ويستوجب تفعيل حالة الاستثناء وبالتالي الفصل 80 أم أن التأويل غير سليم 

في حقيقة الأمر، لا يقتصر التلويح بتفعيل الفصل 80 على رئيس الجمهورية، إذ تتعالى أصوات من حين إلى آخر تدعوه لذلك. من ذلك دعوة النائب بالبرلمان عن حركة الشعب (قومية) هيكل المكي، في إذاعة شمس أف أم، الرئيس لتفعيل الفصل على اعتبار أن "الدولة أمام خطر داهم اليوم نتيجة عجز الحكومة عن تسيير الشأن العام وتحكم قوى سياسية وأشخاص فيها"، وفق تعبيره. 

في ذات السياق، دوّن الأميرال كمال العكروت، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس الأسبق الباجي قائد السبسي، "معركتنا اليوم معركة إنقاذ وطن من إرهابيين وسفهاء وجهلة ومرضى، يلعبون بأمن بلادنا وبمستقبل أولادنا. الحياد والوقوف فوق الربوة تخاذل وجبن..". وفُهم كلامه كدعوة للرئيس ومن خلفه المؤسسة العسكرية للتحرك. 

وفي سياق متصل أيضًا، دعا الوزير السابق والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي (وسط يسار) محمد عبو، في إذاعة شمس أف أم الخاصة، رئيس الجمهورية "للتحرك" من خلال ما أسماه نشر الجيش في كل المدن بإذن من الرئيس ووضع قيادات سياسية اعتبرها من الفاسدين في الإقامة الجبرية بالتنسيق بين الرئيس ووزير الداخلية. 

تحوم هذه التصريحات والتدوينات وغيرها حول الفصل 80 من الدستور عبر اعتبار الوضع الراهن في تونس كـ"حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة" وهو ما يمكن من تفعيل الفصل المذكور واتخاذ عدد من "التدابير"، كما يسميها الفصل، من قبل رئيس الجمهورية، لإدارة الوضع حينها. 

ويحيل مساندو هذا الرأي إلى تعدد الاحتجاجات والإضرابات في ولايات مختلفة، وتوسع دائرة العنف اللفظي والمادي داخل مجلس نواب الشعب وإضراب القضاة الذي طال لفترة تناهز الشهر من أجل مطالب بعضها مادي والآخر يخص المهنة وظروفها. 

يعرف المشهد التونسي دعوات لاتخاذ الرئيس قرارات خاصة كنشر الجيش في المدن ووضع قيادات سياسية في الإقامة الجبرية، على معنى الفصل 80، وتحذيرات من جانب آخر من "انقلاب دستوري/ رئاسي/عسكري"

لكن أصواتاً أخرى تنفي توفر ظروف "حالة الخطر الداهم" وترى أن التوترات الحاصلة غير جديدة ويجب حلها عبر طرق أخرى منها الحوار ومن ذلك تعدد مبادرات الحوار الوطني المقترحة. ترى هذه الأصوات أيضًا أن تفعيل الفصل 80 هو أشبه بـ"الانقلاب الرئاسي"، كما يطلقون عليه، من بينهم عضو حركة النهضة ورئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية رضوان المصمودي، الذي دوّن على فيسبوك "هناك انقلاب عسكري/أمني/ رئاسي يطبخ على نار حارّة، وليست بهادئة، بتخطيط ودعم مادي ومعنوي من الإمارات لوضع حدّ للتجربة الديمقراطيّة في بلادنا. استعدّوا للدفاع عن ثورتكم وحرّياتكم وكرامتكم وديمقراطيتكم الناشئة..". 

في سياق متصل، علّق القيادي بحركة النهضة رفيق عبد السلام، على صفحته الرسمية بموقع التواصل فيسبوك "هناك محاولات منسقة ومتدرجة لإرباك الأوضاع، تبدأ باستخدام المطلبية الاجتماعية ومحاولة تهييج الناس في الجهات عبر قطع الغاز والموارد الحيوية، ثم تحريك الشباب العاطلين والفئات الضعيفة، ويكون ذلك مصحوبًا بإدخال حالة من الفوضى والهرج والمرج في البرلمان لتوليد الشعور بفشل الطبقة السياسية وكل منظومة الحكم، وبموازاة ذلك تتحرك جوقة الإعلام لصنع رأي عام مساند لانقلاب ناعم، مع توظيف بعض فقهاء القانون لإعطاء فتوى باستخدام الفصل 80. ليعلم هؤلاء أن الشعب، ومهما كان مستوى الإرهاق الذي لحقه بسبب عسر التحول وحجم الدسائس، أنه سيدافع عن مكتسباته وثورته وستجدونه أقوى مما تتوقعون، ولن يترك ثورته نهبًا للانقلابات الدستورية أو السياسية الناعمة" .

وكان قد دوّن بالأمس، في ذات الإطار، "الدور الطبيعي لرئيس الجمهورية هو تهدئة الأجواء السياسية وتخفيض منسوب التوتر عند حصوله وليس مسايرة الموجة وتغذيتها لأنه في الأصل حكم بين الأطراف المتنازعة. عليه أن يدرك أنه رئيس لكل التونسيين والتونسيات وليس رئيسًا للكتلة الديمقراطية (في إشارة للقائه نوابًا عن هذه الكتلة مساء الاثنين). كما عليه أن يختار بين أن يكون رئيسًا جامعًا أو مجرد عضو في كتلة من الكتل البرلمانية لا غير".

اقرأ/ي أيضًا: أزمة النظام السياسي أم أزمة القوى الديمقراطيّة؟

  • إشكالات تطبيق الفصل 80

يجمع أساتذة القانون الدستوري في تونس على عدد من الإشكالات في الفصل 80 وفرضية تفعيله، فيما يختلفون في تفاصيل أخرى تخص ذات الفصل. نحاول هنا تقديم بعض الآراء والقراءات.

الرأي الأول يذهب إلى أن تطبيق الفصل 80 ليس سهلاً وقد لا يكون منطقيًا بل وتحيط به معوقات دستورية عدة منها أهمية دور المحكمة الدستورية في هذا الفصل والعودة إليها في مناسبات عدة بينما لم يتم تركيز هذه المؤسسة بعد. من أصحاب هذا الرأي أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد، الذي يعتبر أن نص هذا الفصل غامض وشروط اعتبار "حالة الخطر الداهم" غير محددة بوضوح، يقول في هذا السياق "ما يمكن أن يعتبره البعض خطرًا داهمًا، قد يراه آخرون أمرًا قابلاً للاشتغال عليه"، كما لا يرجح بلعيد اللجوء إلى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين ولا يرى أنها تعوض المحكمة الدستورية. 

دور المحكمة الدستورية في الفصل 80 وضرورة العودة إليها من عدمها تمثل نقطة خلاف بين أساتذة القانون الدستوري 

الرأي الثاني يقول إنه من الممكن تطبيق مقتضيات الفصل 80 من الدستور على أمل أن تساهم التدابير التي سيتخذها الرئيس في حل الأزمة سياسيًا واجتماعيًا وهو حل من داخل الدستور بدل اللجوء لحلول من خارجه. يعتبر أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ من مناصري هذا الرأي إذ يقول، في مداخلة على قناة الحوار التونسي الخاصة، إن الجزء الأول من الفصل لا يطرح إشكالات بما هو إعلان حالة الاستثناء واتخاذ التدابير الاستثنائية أما الجزء الذي يطرح مشكلاً فهو البت في استمرار حالة الاستثناء.

يضيف محفوظ أن غياب المحكمة الدستورية لا يمثل مشكلًا وأنه يمكن تجاوزها لأن الرئيس، وفق الفصل 80، مطالب بإعلامها فقط وليس بالاستشارة مثلاً، بل يستشير فقط رئيس البرلمان ورئيس الحكومة وبالتالي يؤكد محفوظ أنه لا إشكال دستوري خلال 30 يومًا الأولى من تفعيل الفصل، ما يلي ذلك قد يطرح مشكلًا بالنظر إلى أن الفصل ينص أنه "وبعد مُضيّ ثلاثين يومًا على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يُعهَد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه البتُّ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه. وتصرح المحكمة بقرارها علانية في أجل أقصاه خمسة عشر يومًا"، وهنا يطرح عدم انتخاب أعضاء هذه المحكمة وعدم تكوينها للآن مشكلًا.

  • ماذا عن فرضية حل البرلمان؟

على عكس المتداول حتى بين عديد السياسيين، لا يمكن لرئيس الجمهورية لو توجه نحو تفعيل الفصل 80 حل البرلمان إذ ينص الفصل المذكور على أنه "وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة".

وفق الدستور التونسي، يكون حل البرلمان عبر توفر شرط استقالة ثلثي أعضائه، وهذا مستبعد، أو باستخدام الفصل 89 من الدستور، الذي يعني عدم نيل الحكومة المقرحة ثقة البرلمان في مناسبتين بعد مرور أربعة أشهر عن التكليف الأول وهو أمر غير متوفر حاليًا. أما الحالة الثالثة التي تؤدي إلى حل البرلمان، فتتمثل في عرض رئيس الجمهورية الحكومة على تجديد ثقة البرلمان فيها ويرفضها الأخير مرتين.

اقرأ/ي أيضًا: تونس: تحوّلات السياسة وملامح تفكّك الدولة

  • هل يمكن استشراف موقف رئيس الجمهورية؟

يؤكد مقربون من الرئيس أن فرضية تفعيل الفصل 80 مطروحة من قبله لكن من غير الواضح إن كان سعيّد قد حسم في الأمر وأي موعد قد اختار. 

منطقيًا، لا يزال أمام الرئيس حلول أخرى، من خارج الدستور، إما عبر تبني مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل التي أطلقها مؤخرًا وقوامها إرساء هيئة حكماء/ وسطاء (من كافة الاختصاصات) من الشخصيات الوطنية المستقلّة تعمل تحت إشراف رئاسة الجمهورية. وتتولّى الهيئة، التي لا يمكن لأعضائها بأيّ حال من الأحوال تحمّل مسؤوليات سياسية أو الترشّح للانتخابات المقبلة، إدارة الحوار وتقريب وجهات النّظر والتّحكيم بين كلّ الأطراف المعنيين بالحوار وفق رزنامة معقولة ومسقّفة زمنيًا.

من الجلي أن كل مبادرات الحوار على اختلافها لا تروق لرئيس الجمهورية، فالرجل الذي طالما أكد تقيّده بالدستور لا يبدو مستعدًا لإيجاد حلول من خارج الأخير

كما أمام سعيّد إمكانية تقديم مبادرة مغايرة يكون هو مُطلقها ومحدد مكوناتها أو أن يتبنى مبادرات أخرى "محتشمة" أطلقها رئيس الحكومة مثلًا عند الدعوة أمام البرلمان، خلال تقديم قانون المالية الجديد، لحوار اقتصادي واجتماعي، أو دعوة رئيس البرلمان راشد الغنوشي إلى "حوار يجمع الجميع". 

هذا طبعًا حديث نظري، فمن الجلي أن كل هذه المبادرات لا تروق لرئيس الجمهورية، الذي أوضح في مناسبات عدة أنه يرفض الحوار مع "الفاسدين" (في إشارة لقلب تونس وربما مكونات سياسية أخرى)، كما أن الرجل الذي طالما أكد تقيّده بالدستور لا يبدو مستعدًا لإيجاد حلول من خارج الأخير. لا يرى الرئيس "الحل" كما يراه فاعلون آخرون في المشهد التونسي. هم بدورهم لا يرون الصورة بنفس التركيبة ووفق نفس الزاوية. والحال هكذا أشبه بالدوامة في بلد يتخبط منذ أشهر دون مخرج واضح.

اقرأ/ي أيضًا:

هل يضيع الحوار الوطني في ظل تعدد المبادرات؟

مقترح حوار وطني.. محاولة افتكاك المبادرة من جديد في تونس