02-مايو-2018

رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي (صورة أرشيفية/ ياسين القايدي/ الأناضول)

يثير فيّ "سيدي الشيخ" أشياء كثيرة دائمًا. تصريحاته ومواقفه تستفزّني للتعليق بمقال أو تدوينة فايسبوكية. لكنّني كلّما وضعت أصابعي على لوحة مفاتيح الحاسوب لأكتب عن "سيدي الشيخ" يتراءى لي وجه أمّي فأتردّد كثيرًا قبل تحويل كلماتي عن "ابن بلدها" من وجود بالقوّة في ذهني إلى وجود بالفعل على ملفّ "الوورد".

اقرأ/ي أيضًا: القائمات المستقلّة: استخفاف مكشوف بوعي الناخب

ما نجا من كلماتي عن "سيدي الشيخ" نزر قليل أكاد أختصره في مقال قديم عام 2014 وفي تدوينة فايسبوكية بداية هذا العام. وما بين هذا وذاك كثير من الكلام كان يختمر في ذهني ويتردّد على عتبة لساني فتجهضه بطاقة حمراء قادمة من "الحامّة البيّة" تحمل تهديدًا صريحًا "ما نرضاش عليك راو". الجنّة تحت أقدام الأمّهات وكثير من البطاقات الحمراء وضربات "الشلاكة" أيضًا... حفظ الله أمّهاتنا.

هذا الصّباح، أثارني "سيدي الشيخ" مجدّدًا. أقصد أنّه أثار فيّ الرّغبة في الكتابة عنه وإليه. من عاداتي أن أفتح جهاز الجوّال لأتفقّد أحوال الفضاء الأزرق حالما أفتح عينيّ صباحًا. والأزرق لون يحبّه "سيدي الشيخ"، وما يحبّه "سيدي الشيخ" يحبّه الله. هكذا تقول الأسطورة النهضوية أو لا تقوله، ككثير من الأشياء التي تراها العين ولا تسمعها الأذن عن "آل بيت مونبليزير".

حديث "سيدي الشيخ" عن "الويفي" ملأني بالبهجة والغبطة والسرور كما لو أنّه أهداني قطعة حلوى في يوم عيد. دعكم من هذا التشبيه، إنّه يجعلني أبدو طفلة و"سيدي الشيخ" لا يحبّ الأطفال والغلمان حتّى وإن كان يحترم المثليّة الجنسيّة. لكنّ تعميم "الويفي" سيكون حدثًا سعيدًا في عمر "الجمهورية الثانية" وربّما يساهم في الحدّ من نزوع الشباب إلى "الحرقة" أو السفر إلى "بؤر التوتّر".

"الويفي" مطلب جماهيريّ... وبعيدًا عن السخرية، هو فعلًا حقّ من حقوق الإنسان التونسي "الغلبان" الّذي تعب من سرقة شبكات الإنترنت من عند الجار الأوّل حتّى سابع جار

فـ"الويفي" مطلب جماهيريّ... وبعيدًا عن السخرية، هو فعلًا حقّ من حقوق الإنسان التونسي "الغلبان" الّذي تعب من سرقة شبكات الإنترنت من عند الجار الأوّل حتّى سابع جار، ومن اقتناء عروض الإنترنت الرخيصة "بودينار" الّتي يقال زورًا وبهتانًا إنّها تدوم 24 ساعة، ومن الاضطرار إلى البقاء ساعات وساعات في مقهى مزوّد بالانترنت حول كوب قهوة واحد للعمل أو الدّراسة، ومن تمضية ساعات الليل في "بوبلينات" مظلمة تفوح منها رائحة التبغ والجوارب والعرق للتعرّف على "بنت الحلال" ومشتقّاتها...

التونسي يريد "الويفي" و"سيدي الشيخ" باعتبار فطنته وحنكته السياسية وتعمّقه في دراسة "الشخصية التونسية"، لأسباب براغماتية بالأساس، يدرك ذلك جيّدًا ويحسن الاستفادة منه. والتونسي النهضاوي خاصّة، يريد "الويفي" ولذلك خصّ "سيدي الشيخ" النهضويين دون غيرهم بتعميم "الويفي". "انتخبوا النهضة، نسيّبولكم الكونكسيون. ما تنتخبوش النهضة. نسكّروا عليكم الموديم".

فالتونسي النهضاوي بحاجة ماسّة إلى تدفّق سريع وكبير لشبكة الإنترنت ليواكب حجم التدفّقات السريعة والكبيرة للمراجعات التي تقوم بها الحركة. تخيّلوا معي حجم المصيبة. تنقطع الشبكة أو تضعف في بيت نهضاويّ واحد خلال ربع ساعة فقط. هناك ما يقارب المائة و23 مراجعة قد يفوت "الأخ" النهضاوي السّماع عنها من صفحات الحركة والاقتناع بها مباشرة ودون نقاش والتطوّع للدّفاع عنها في الصفحات "المعادية" وشتم المشكّكين في مصداقيّتها وصدقها.

اقرأ/ي أيضًا: سيدي بوزيد.. الانتخابات البلدية لم تمرّ من هنا؟

ربع ساعة دون "ويفي" بالنسبة للنهضة كألف سنة ممّا تعدّون أيّها التونسيوّن. ولكنّكم لا تعلمون. وإن علمتم فلا تعقلون ولا تتدبّرون. لم ينفع فيكم تعليم بورقيبة ولا 3000 سنة حضارة. النهضة "تأخونت" و"تطلّقت" و"تتونست" وأنتم مازلتم تلوكون لبانة "النهضة والنداء أعداء الشهداء". "دوّحي يا مباركة"...

و"الويفي" حسب "سيدي الشيخ" وبالتالي أتباعه كلّهم عن "اقتناع"، ليس ضروريًّا في المكتبات العمومية والجامعات، وإنّما في المساجد. ولغاية في نفس "نهضوب"... فعندما يعجز المؤمن النهضوي عن الخشوع في صلاته، يمكنه فتح جهاز الهاتف وتنزيل أحد فيديوهات الشيوخ المعروفين بتسامحهم وسماحتهم للاستعانة به على الخشوع والبكاء من خشية الله. وإذا افتقد أحد النهضويين مصلّيًا من معارفه، يفتح الـ"ميسنجر" ليترك له رسالة مفادها "ما الّذي يمنعك عن الصّلاة يا أخي؟" أمّا إذا رغب أحد المصلّين النهضويين في التقرّب أكثر من الله، وهو في "بيت الله"، فيمكنه تحويل الرسالة نفسها إلى 30 نهضويًا آخر كي لا يجعل الأجر يقف عنده.

"الويفي"، كشوكلاطة "غالكسي"، معه تحلو المشاركة... ومن الواضح أنّ "سيدي الشيخ" يعمل في هذا السياق بالحديث الشريف "لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه". ومادامت النهضة connectée  فربّما نسمع أختًا نهضوية تقول لأخ نهضوي قريبًا "أحبّك الويفي الّذي أحببتني فيه". حبّ عذريّ طاهر سريع التدفّق كـ"العجاجة"...

التونسي يريد "الويفي" و"سيدي الشيخ" باعتبار فطنته وحنكته السياسية وتعمّقه في دراسة "الشخصية التونسية" يدرك ذلك جيّدًا ويحسن الاستفادة منه

بقدر ما أبهجني حديث "سيدي الشّيخ" عن شبكة الإنترنت العامّة والمجّانية، أحزنني "حصره لتعميمها" على البلديات التي تفوز فيها النهضة دون غيرها. فهو وعد مخالف للدستور الّذي ينصّ على أنّ المواطنين والتونسيين متساوون في الحقوق والواجبات. أم أنّ "سيدي الشيخ" وجماعته لا يذكرون من الدستور غير الفصل الأوّل؟ أ فيؤمنون بببعض الدستور ويكفرون ببعض؟

من لا ينتخب النهضة فكأنه خرج من الإسلام، هكذا نشرت إحدى الصفحات المحسوبة على الحركة. ومن لا ينتخبها لا يتمتّع بشبكة الإنترنت المجّانية، هكذا صرّح "الشيخ" نفسه. هو "شرط العازب على الهجّالة" إذًا.. وبين الشّرط والشرط يجد التونسي غير النهضوي نفسه "معلّقًا لا متزوّجًا ولا مطلّقًا"، لا مسلمًا ولا كافرًا، لا متّصلًا بالشبكة ولا منفصلًا عنها.. منزلة وسطى ما بين الجنّة والنّار آخذة في التعاظم يومًا بعد يوم رغم تقهقر الطبقة الوسطى في تونس.

ما تقوله الحركة في رسائلها الاتّصالية، هو أنّ "النهضة connectée" فيما بقيّة الأحزاب خارج الشبكة. وهذا صحيح نوعًا ما. لكن يبقى السؤال: "ما هي هذه الشبكة؟" ليس الجواب بالتّأكيد "شبكة الإنترنت" وحدها.. (حسب مراقبين). أمّا ما لا تقوله الحركة في رسائلها الاتّصالية فهو "من سيدفع فاتورة الإنترنت المجّانية" في بلديّات النهضة خلال السنوات القادمة؟ هذا يدخل في علم الغيب المطلق ومن خاض فيه وادّعى به علمًا فقد كفر. اللّهم بلّغنا الانتخابات البلديّة وشهر رمضان مسلمين..

 

اقرأ/ي أيضًا:

النساء في الانتخابات البلدية.. "ما هي إلا امرأة"؟

الانتخابات البلدية.. ماذا وراء ضعف إقبال الأمنيين والعسكريين على الاقتراع؟