30-أكتوبر-2022
أيام قرطاج السينمائية jcc

"أيام قرطاج السينمائية تظاهرة ثقافية ثابتة وباقية كالركن الحجري في البيت العتيق" (صفحة فيسبوك المهرجان)

 

"تبقى الثقافة وتبقى الفنون بعد أن يفنى كل شيء.." مقولة يؤكدها علم التاريخ في كل مرة يتناول فيها زوال الحقبات الحضارية ونهاية الأزمات وتناول التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وتأكدت هذه المقولة مساء السبت 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 عندما انطلقت فعاليات الدورة 33 لمهرجان أيام قرطاج السينمائية والتي تتواصل إلى غاية 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022. فالـ"جي سي سي" كما يحلو لعموم التونسيين تسميته، تظاهرة ثقافية ثابتة وباقية كالركن الحجري في البيت العتيق وذلك رغم كل المتغيرات التي عرفتها تونس خلال العشرية الأخيرة.

تقدم مختلف أقسام ومسابقات الدورة 33 لأيام قرطاج السينمائية، حوالي 599 شريطًا من 72 دولة مشاركة، تحضر تونس بـ 109 أشرطة منها

مع انطلاق الدورة، سرت روح السينما في المدينة وحنت على المارة والجالسين على ناصيات المقاهي ودعتهم لحضرتها في القاعات التي هجرها الفن وهجرها الروّاد. كانت الحركة في شوارع العاصمة تونس على غير العادة: موسيقى وإشهار للمهرجان ونجوم يمرّون كالشهب رغم التفاف الناس من حولهم والتحدث إليهم، والتقاط صور للذكرى، إنها أمارات بداية الاحتفال بأحد أعرق المهرجانات السينمائية في تونس والعالم العربي وإفريقيا. إنها "أيام قرطاج السينمائية" التي تأسست سنة 1966 بإرادة من نخبة قوية في المجتمع التونسي أرادت التحليق عاليًا بنشر الوعي بواسطة الفن. لقد تبين مرّة أخرى أن الثقافة هي شفاء للمجتمع من كل الأمراض التي قد تصيبه في الأثناء، وأنها الباقية بعد أن يفنى كل شيء.

الافتتاح الرّسمي للأيام كانت قد احتضنته قاعة الأوبرا بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي بالعاصمة تونس وسط حضور الرسميين والمدعويين من صناع السينما ونجومها والمثقفين من كتاب وشعراء وصحفيين ورسامين وجامعيين.. وغيرهم.

 

الافتتاح الرّسمي للأيام كانت قد احتضنته قاعة الأوبرا بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي بالعاصمة تونس

 

في ماهية السجاد الأحمر وما جاوره

ضمن تقليد جديد مخالف لفلسفة المهرجان المرتبطة بالالتزام بقضايا الشعوب والدفاع عن سينما الجنوب وحقها في الحضور والانتصار للمنجز السينمائي الذي يدافع عن قيم الحرية والحقوق الكونية للإنسان، نحا مهرجان أيام قرطاج السينمائية منحى احتفاليًا كان الغرض منه إضفاء بعض بهارات الابتهاج على الحدث حتى لا يبدو شديد الرسمية وحتى لا يُتهم بالكآبة، فكان ركن المشي على السجاد الأحمر على غرار المهرجانات السينمائية العالمية الكبرى ليمر فوقه نجوم السينما ونخب المجتمع.

لكن يبدو أن المهرجان انزاح تمامًا بفكرة السجاد الأحمر ليتحول هذا الهامش إلى مركز مسّ من هيبة التظاهرة، إذ يبدو أن منظمي المهرجان وطيلة الدورات الأخيرة لم يحسنوا تنظيم هذا الركن، فكان المرور على السجاد الأحمر مفتوحًا أمام عموم المدعوين الذين تبين أن بعضهم يتعمد الحضور قصد الإثارة والإساءة وهو ما جعل المهرجان تحت قصف مستعملي منصات التواصل الاجتماعي.

 

"يبدو أن منظمي المهرجان وطيلة الدورات الأخيرة لم يحسنوا تنظيم ركن المشي على السجاد الأحمر"

 

الدورة 33 تحتوي على 15 قسمًا ومشاركة 109 أفلام تونسية

تسجل الدورة 33 من أيام قرطاج السينمائية بعث قسم جديد هو "سينما الأطفال بالجهات" وذلك إلى جانب الأقسام القديمة على غرار "أيام قرطاج للصناعة السينمائية" و"سينما العالم" و"آفاق السينما التونسية" و "أيام قرطاج السينمائية في السجون" و"أيام قرطاج السينمائية في الثكنات" و"قرطاج أسبوع النقاد" و"قرطاج السينما الواعدة"...

وتقدم مختلف أقسام ومسابقات الدورة حوالي 599 شريطًا من 72 دولة مشاركة، منها 480 فيلمًا عربيًا وإفريقيًا بين روائي ووثائقي. وتحضر تونس بـ 109 أشرطة، أما مختلف دول القارة الإفريقية فتشارك بـ137 شريطًا.

 

مختلف دول القارة الإفريقية تشارك بـ137 شريطًا في أيام قرطاج السينمائية

 

أما مسابقة الأفلام الروائية الطويلة -وهي كبرى المسابقات- فيتنافس حول توانيتها (نسبة إلى تانيت) 12 شريطًا منها شريطين من تونس هما "تحت الشجرة" للمخرجة أريج السحيري و"وحلة" للمخرج نادر الرحموني. ويترأس لجنة تحكيم هذه المسابقة المخرج المغربي "محمد عبد الرحمان التازي" وبمشاركة كل من مي مصري من فلسطين، وعبد اللطيف بن عمار من تونس، وسالم إبراهيم من الجزائر وأبو لين تراوري من بوركينافاسو، وسيليا ريكو كلافلينو من إسبانيا، وبشرى روزة من مصر.

"فوكيس" فلسطين

منذ انبلاج أيام قرطاج السينمائية لأزيد من نصف قرن من الزمن، وشمس فلسطين بازغة على شاشات هذه التظاهرة، لا تغيب أبدًا وباتت ركنًا أساسيًا من أركان المهرجان على اعتبار أن المقاومة بالفن هي أعتى الأسلحة وأوجعها. وهذه المرة خصصت الدورة 33 قسمًا خاصًا عنوانه "فوكيس فلسطين" وتقترح من خلاله 10 أفلام بين روائية ووثائقية طويلة وقصيرة لمخرجين فلسطينيين وعرب تجمعهم فكرة الالتزام بنهج القضية الفلسطينية والحق الشرعي للفلسطينين في دولتهم الحرة والمستقلة وعاصمتها القدس.

يبدو أن المهرجان انزاح تمامًا بفكرة السجاد الأحمر ليتحول هذا الهامش إلى مركز مسّ من هيبة تظاهرة أيام قرطاج السينمائية

ومن هذه الأفلام التي يقدمها هذا القسم نذكر "كفر قاسم" لبرهان علوية و"عائد إلى حيفا" لقاسم حَول و"حتى إشعار آخر" لرشيد مشهراوي و"حكاية الجواهر الثلاث" لمشيل خلايفي" و"مملكة النمل" للمخرج التونسي الراحل شوقي الماجري و"نساء فلسطينيات" للمخرجة اللبنانية جوسلين صعب.

"فاطمة السلطانة التي لا تُنسى"

أما شريط الافتتاح فكان "فاطمة السلطانة التي لا تُنسى" للمخرج المغربي محمد عبد الرحمان التازي، وهو من النوع الروائي الطويل (116 دق) يقدم مسيرة عالمة الاجتماع والحقوقية والمثقفة المغربية "فاطمة المرنيسي" ويبرز نضالاتها ضمن المجتمع المدني المغربي دفاعًا عن قضايا المرأة وحقوقها.

 

غفل المهرجان عن ذكر اسم الممثل التونسي "توفيق البحري" ضمن قائمة تكريم الراحلين من صنّاع السينما التونسيين والعرب والأفارقة

 

حفل الافتتاح المتقشف

ما بعد ركن السجاد الأحمر الذي كان طويلًا ومملًا هذه المرة، انطلق الجزء الأهم في حفل الافتتاح فوق ركح قاعة الأوبرا، وعلى غير العادة، لم يتم التقديم باللغتين الفرنسية والأنقلزية، وإنما تم الاكتفاء بتقديم كامل الحفل باللهجة التونسية فقط. كما لم تكن هناك فواصل موسيقية بالقدر الكافي عدا خمس دقائق ارتجلتهم الفنانة والمطربة التونسية درصاف الحمداني من دون فرقة موسيقية وفاصل كوريغرافي قصير، وهو ما جعل الحفل منقوصًا من مادة فنية كانت دائمًا تقدم في مثل هذه التظاهرات وتبرز روح الثقافة والفنون التونسية أمام الضيوف.

حفل الافتتاح كان متقشفًا، واعتمد اللهجة التونسية فقط وسط غياب فواصل موسيقية بالقدر الكافي

كما غفل المهرجان عن ذكر اسم الممثل التونسي "توفيق البحري" ضمن قائمة تكريم الراحلين من صنّاع السينما التونسيين والعرب والأفارقة. وهو ما أثار موجة من الاستياء وسط الجمهور الحاضر في حفل الافتتاح حتى أن أحدهم قاطع مقدمة الحفل وصدح باسم توفيق البحري بأعلى صوته طالبًا التدارك. والممثل توفيق البحري الذي توفي في ديسمبر/ كانون الأول 2021 هو ممثل سينمائي ومسرحي رغم شهرته التلفزيونية.

هذا وسجل "الترا تونس" خلال حفل الافتتاح استياء المخرج السينمائي "أنيس الأسود" بعد سحب شريطه المتوج مؤخرًا بالولايات المتحدة الأمريكية "قدحة" من قسم سينما الأطفال بالجهات مشيرًا إلى أنه هو من اقترح هذا القسم الجديد وأثث برنامجه.

يبقى الذهاب إلى السينما هو ذهاب إلى الحياة.. وأيام قرطاج السينمائية كحدث ثقافي مؤسس، هي حث على هذا الفعل الخالد.