24-مارس-2022

"الترا تونس" غاصت في تجربة "ش.س" المرحّل قسريًا إلى تونس (Lorenzo Palizzolo/Getty)

 

"وقع ترحيلي من ألمانيا منذ شهرين في ظروف سيّئة وسأتجاوز الحدود خلسة في أقرب فرصة" كانت هذه كلمات الشاب التونسي "ش.س" ذي 34 ربيعًا في حديث مع "الترا تونس" عن تجربة الهجرة والترحيل. 

ورغم ما تعرّض له من مضايقات من السلطات الألمانية والتونسية إلّا أنّه لا يزال مصرًا على العودة للتراب الأوروبي متناسيًا كلّ الأحداث التي مرّت به منذ أولى محاولاته للهجرة بطريقة غير نظاميّة إبّان الثورة التونسيّة.

صُنّف "ش.س" مجرمًا خطيرًا في السجون الألمانيّة وترحيله كان إجراءً عاديًّا نظرًا لوضعيّته الاستثنائيّة، إلّا لأنّ طائرة ترحيله ضمّت سبعين تونسيًّا فرضت عليهم المغادرة دون أن يتمتّعوا بأدنى الضمانات التي تنصّ عليها المواثيق الدوليّة.

"الترا تونس" غاصت في تجربة "ش.س" وفتحت ملفّ الترحيل القسري الذي تجدون تفاصيله في هذا التقرير.

تونسي مرحّل: "رُحّلت قسريًّا وسأعود سريًّا" 

غادر "ش.س" البلاد التونسية بطريقة غير نظاميّة في مناسبتين أولاهما كانت لإيطاليا سنة 2011 حيث أمضى فيها ثلاث سنوات لم يستطع خلالها تسوية وضعيّته القانونيّة ووقع تريحله قسريًّا سنة 2014. 

لم يتوقّف هذا الشاب التونسي عن محاولة الكرّة مرات متعددة إلى أن نجح مرّة أخرى في اجتياز الحدود خلسة سنة 2015، لكنّ هذه المرّة كانت مختلفة عن تجربته السابقة، إذ انطلق في مسار غيّر حياته إلى الأبد.

تونسي مرحّل قسريًا لـ"الترا تونس": السلطات الألمانيّة تعتمد وسائل عدّة لإجبار المهاجر على مغادرة أراضيها منها التكبيل بالقيود أو حقن التنويم أو حتى وضع مخدّر في قارورة الماء، ليستيقظ الرافض للترحيل فيجد نفسه في بلاده

"كنت رافضًا إعادة تجربة التشرّد والجوع وليالي البرد التي أمضيتها تحت الجسور، أطمح لحياة أفضل لكنّي اخترت الطريق الأسهل والأكثر خطورة وهو تجارة المخدّرات، إذ قابلت البعض من أبناء حيّي الذين فتحوا لي  باب الجحيم ودخلته مرغمًا"، هكذا تحدّث "ش.س" لـ"الترا تونس" عن تجربته في إيطاليا، مضيفًا أنّه "سُجن عديد المرّات لأسباب مختلفة لذلك قرّر الذهاب لسويسرا بحثًا عن حياة أفضل إلّا أنّ سوابقه جعلته عالقًا في عالم الترويج"، على حدّ تعبيره.

غادر "ش.س" البلاد التونسية بطريقة غير نظاميّة في مناسبتين أولاهما كانت لإيطاليا سنة 2011 (أ.ف.ب)

انتقل محدّثنا من سويسرا لألمانيا التي كانت آخر محطّاته في التراب الأوروبي. وبعد سنتين من الإقامة غير النظاميّة، سجن لمدّة ثلاث سنوات من أجل محاولة القتل وكان ذا سيرة سيئة في السّجن لذلك صُنّف "مجرمًا خطيرًا". 

وعن حيثيّات ترحيله يقول "ش.س": "في جانفي/يناير 2022، وقع ترحيلي لتونس، وحالتي تعتبر إجراءً  منتظرًا خاصّة وأن السلطات التونسيّة تتعاون في ترحيل من تورّطوا في جرائم كبرى. لكنّ رفاقي في رحلة العودة لتونس وضعيّاتهم لا تتطلّب هذا الإجراء التعسّفي".

ويؤكّد محدّثنا أنّ "ظروف الترحيل كانت قاسية"، وأنّ "السلطات الألمانيّة تعتمد وسائل عدّة لإجبار المهاجر على مغادرة أراضيها منها التكبيل بالقيود أو حقن التنويم أو حتّى وضع مخدّر في قارورة الماء، ليستيقظ الرافض للترحيل فيجد نفسه في بلاده"، حسب ما رواه "ش.س".

انطلقت الطائرة المقلّة ل"ش.س" من مطار في ألمانيا الشرقية وصولًا لمطار النفيضة. وكانت تقل سبعين شخصًا تختلف وضعياتهم، فمنهم من كان مقيمًا بطريقة نظامية، لكنّه لم يتمكن من تجديد إقامته، وفيهم من تورط في بعض جرائم الحق العام كعدم خلاص تذكرة حافلة وغيرها من المخالفات البسيطة، وجميعهم يرفضون العودة بيد أنهم لم يتمكّنوا من الاعتراض على هذا القرار، حسب ما قصّه محدث "الترا تونس".

تونسي مرحّل قسريًا لـ"الترا تونس": "يتحصل كل شخص مغادر للتراب الألماني قسريًا على مبلغ يناهز 3000 يورو لمساعدته على البدء من جديد في موطنه، إلا أن أغلبها تعود للدولة التونسية"

يتحصل كل شخص مغادر للتراب الألماني قسريًا على مبلغ يناهز 3000 يورو لمساعدته على البدء من جديد في موطنه، حسب ما رواه "ش.س"، إلا أن أغلبها تعود للدولة التونسية لأن الجميع يتخلّى عن حقوقه بعد أن يتعرض لكل أشكال الاضطهاد والهرسلة عند الوصول لتونس. فيصبح الأمل الوحيد للمرحل هو مغادرة أسوار المطار نحو أحضان العائلة، وفقه.

 وعن لحظة مقابلة عائلته، يؤكد محدثنا أن والدته صدمت عند رؤيته خاصة أن أخباره منقطعة منذ ثلاث سنوات خالت العائلة خلالها أن ابنها لن يعود أبدًا.

ويختم حديثه متحيرًا: "بعد رجوعي، فكرت في بداية جديدة والاستقرار والبحث عن مورد رزق إلا أنّ الأوضاع أصبحت سيئة جدًا في تونس لذلك أفكر جديًّا في "حرقة" أخرى"، على حد قوله.

مجدي الكرباعي: "وتيرة الترحيل تتصاعد سنويًّا وظروفها غير إنسانيّة"

يؤكد النائب التونسي عن دائرة إيطاليا، بالبرلمان المعلقة أعماله، مجدي الكرباعي أن "وتيرة الترحيل من دول أوروبيّة إلى تونس في تصاعد، وذلك جراء اتفاقيات غامضة تبرم بين الدول التي تمنح حق الترحيل".

ويضيف الكرباعي أنه "وقع فتح مطار طبرقة الدولي أمام الرحلات الجوية للمرحلين"، لافتًا إلى أنّ "هناك مبالغ مالية ترصد للدولة التونسية مقابل قبول المرحلين قسريًا".

الكرباعي: سنة 2021 تم ترحيل 1200 تونسي من فرنسا ( أ.ف.ب)

وعن ظروف الترحيل، يفيد محدثنا بأنه "حسب بعض الشهادات، يقع اقتياد هؤلاء الأشخاص من مراكز الحجز والترحيل إلى المطارات مقيدين ومصطحبين بأعوان أمن. وفي تونس يقع التعامل معهم بصفة عدوانية وغير إنسانية، دون أن يكون هناك أي أدنى رقابة على هذه الإجراءات أو شفافية بشأنها، على حدّ تعبيره.

مجدي الكرباعي لـ"الترا تونس": وتيرة الترحيل من دول أوروبيّة إلى تونس في تصاعد، وذلك جراء اتفاقيات غامضة تبرم بين الدول التي تمنح حق الترحيل، وهناك مبالغ مالية ترصد للدولة التونسية مقابل قبول المرحلين قسريًا

ويشير النائب التونسي إلى أن الأرقام وحيثيات الاتفاقيات تأتي من الجانب الأوروبي وأن السلطات التونسية تتكتم بخصوص هذه الاتفاقيات السريّة  مقابل قبول مبالغ زهيدة، على حد قوله.

الترحيل القسري

رمضان بن عمر:"تونس رضخت للابتزاز الأوروبي ووفّرت الغطاء القانونيّ لانتهاكات الترحيل"

شبّه الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمكلف بالهجرة، رمضان بن عمر، عمليات الترحيل بـ"الطرد الجماعي" بسبب ضغوطات السلطات الفرنسية، دون التثبت في المعطيات الخاصة بهم مثلما كانت تتعهد به المصالح القنصلية التونسية سابقًا، حسب تقديره.

ويشير رمضان بن عمر إلى أن "الجانب التونسي متكتم بشكل كبير على إحصائيات المرحلين رغم مطالب النفاذ للمعلومة التي تقدم بها المنتدى لوزارة الداخلية"، مضيفًا أن "تونس أعطت فرصة للدول الأوروبية التي أصبحت تجبر السلطات على التعاون مستغلة هشاشة الوضع في البلاد". 

بن عمر: "الجانب التونسي متكتم بشكل كبير على إحصائيات المرحلين" (Lorenzo Palizzolo/Getty)

ورجح محدثنا أن "تونس رضخت للابتزاز الأوروبي، بمقابل سياسيّ يكون إما دعمًا للمسارات الجديدة أو في علاقة بالنقاشات مع صندوق النقد الدولي".

رمضان بن عمر لـ"الترا تونس": تونس رضخت للابتزاز الأوروبي بمقابل سياسي يكون إما دعمًا للمسارات الجديدة أو في علاقة بالنقاشات مع صندوق النقد الدولي

وعن أطر الترحيل، يؤكّد بن عمر أن "المرحلين لم تتوفر لديهم الضمانات القانونية الكافية للدفاع عن أنفسهم ضد قرار الترحيل، ولا يملكون المساعدة القانونية التي تخول لهم الطعن في القرار"، مضيفًا: "لقد فتحنا لهم مطارًا بعيدًا عن أعين الصحافة، مطار كان يفترض أن يخصص لتنمية المنطقة وتنشيطها، لكنه أصبح مطارًا سريًا تمارس فيه كل الانتهاكات لكرامة المهاجرين".

وفي علاقة بالقوانين الدولية للهجرة ومدى احترام هذه الاتفاقيات، يفيد محدثنا بأنه "بسبب ضغوطات اليمين في هذه الدول، فقد وقع تعديل القوانين المتعلقة بالهجرة واللجوء والتي أصبحت في جزء كبير منها تنتهك حقوق المهاجرين رغم معارضة المنظمات الحقوقية على المستوى الداخلي والإقليمي، لذلك يقع استغلال تعاون الدول مثل تونس التي توفر لهم الغطاء القانوني لهذه الانتهاكات"، على حد تعبيره.

ويقول الناطق الرسمي باسم المنتدى: "لقد تحدث الرئيس التونسي قيس سعيّد في عديد المناسبات عن مقاربات جديدة في معالجة  قضايا الهجرة والتعاون العادل والمتوازن بين الدول ودائمًا ما يشدد على مبدأ السيادة في العلاقات الدولية، لكن للأسف لم نرَ شيئًا على أرض الواقع، فالممارسات تنسف كل هذه الشعارات"، حسب تقديره.