25-فبراير-2019

المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي محمد الصالح سويلم (إيمان السكوحي/ الترا تونس)

 

أعلن مجلس إدارة البنك المركزي التونسي منذ أيّام قليلة عن الترفيع في نسبة الفائدة المديرية بـ100 نقطة أساسية، لتصبح في مستوى 7,75 في المائة مقابل 5 في المائة نهاية 2018، وقد تمّ الترفيع في هذه النسبة في ثلاث مناسبات متتالية في أقل من اثني عشر شهرًا.

هذا الإجراء واجه عديد الانتقادات باعتبار انعكاساته على ارتفاع النسبة الوسطية للسوق النقدية  (TMM) وبالتالي على كلفة التمويل لكافة المتعاملين الاقتصاديين. كما أسال الكثير من الحبر وطرح عديد التساؤلات على غرار مدى تأثير هذا القرار على آفاق النمو الاقتصادي وشروط التراجع عنه، فضلًا عن ماهية الآليّات التّي تساعد على التخفيض من نسبة التضخّم وغيرها من الأسئلة، والتي يجيبنا عنها المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي محمد الصالح سويلم في هذا الحوار الذي خصّ به "ألترا تونس".

اقرأ/ي أيضًا: الترفيع في نسبة الفائدة المديرية.. هل يمثل حلًا؟

  • ما مدى تأثير قرار رفع نسبة الفائدة المديريّة على الاقتصاد التونسي؟

بداية أريد توضيح مسألة مهمّة وهي أن هناك خلطًا في المفاهيم، فالزيادة وقعت فقط في نسبة الفائدة المديريّة وليس في النسبة الوسطية للسوق النقدية (TMM). ومن جانب ثان، فإن الزيادات أثرت وستؤثر مستقبلًا على كلفة التمويل لكافة المتعاملين الاقتصاديين دون استثناء وهو ما يهدّد ديمومة المؤسسات الاقتصادية وكذلك قدرة الأشخاص على الإيفاء بالتزاماتهم المالية تجاه البنوك، وهو ما يمكن أن يؤثر على كلفة الاستثمار ويؤدي بالتالي إلى التأثير سلبًا على آفاق النمو التي لا تزال هشة.

  • ماهي الأسباب التي دفعت البنك المركزي إلى اتخاذ هذا القرار؟

نسبة الفائدة الحقيقيّة إيجابيّة ممّا سيشجع على الادخار ويقلل من استهلاك القروض وهذا سيساعد ضرورة على الحدّ من التضخم ومن عجز الميزان التجاري.

والأهداف الأساسيّة للبنك المركزي من خلال هذه الزيادات أولًا هي التأثير على التوقّعات وبعث إشارة جادّة للبنوك الدولية عن نيّته مقاومة التضخّم، ثانيًا التحكّم في الطلب على القروض، إذ أن نسق تطوّر النقود يرتفع من إجمالي الناتج المحلّي PIB ودور البنك المركزي هو تعديل التناسق بين تطور النقود ونسبة الإنتاجيّة وهذا ما يؤدي ضرورة إلى استقرار أسعار السوق.

محمد الصالح سويلم (مسؤول سابق بالبنك المركزي) لـ"ألترا تونس": من أهداف البنك المركزي من هذه الزيادة بعث إشارة جادّة للبنوك الدولية عن نيّته مقاومة التضخّم

ثالثًا التأثير على تقنيات المضاربة على العملة الوطنيّة والقادمة أساسًا من السوق الموازية ومن بعض المصدرين حيث أنّ الربح الحاصل في الصرف سيقع خسارته في الفائدة.

ويجب الإشارة إلى أن هذه الإجراءات تبقى وقتية ويمكن للبنك المركزي مراجعتها نحو التخفيض في صورة تراجع نسبة التضخم.

  • هل يرتبط توقيت الترفيع بضغوطات من صندوق النقد الدولي أو ردّة فعل على الزيادة في الأجور؟

يعيش الاقتصاد الوطني اليوم، تفاقمًا حادًا في نسب التضخم، لذلك فإن البنك المركزي أمام وضعية صعبة جدًا فهو مطالب بالأساس، طبقًا لمقتضيات قانونه الأساسي، بالمحافظة على استقرار الأسعار ولا يملك حلولًا كثيرة لتحقيق ذلك سوى الترفيع في نسب الفائدة المديرية، ففي السياسة النقديّة العالميّة ومن أهم النظريات الاقتصادية هي " one target one instrument " بمعنى الهدف استقرار الأسعار والأداة هي نسبة الفائدة.

ومن جهة أخرى، فإن استقرار الأسعار داعم أساسي لنمو الاقتصاد الوطني لذلك فإنّ استقرار نسب الفائدة سواء على المدى القريب أو البعيد، يعطينا رؤية واضحة لكل المتعاملين الاقتصاديين من مستثمرين أو مدخرين.

محمد الصالح سويلم لـ"ألترا تونس": الترفيع في نسبة الفائدة المديرية غير نهائي فهو إجراء وقائي لمجابهة التضخم

  • هل هناك إمكانيّة للتراجع عن هذا الترفيع؟ وماهي الشروط اللّازمة ليتمّ ذلك؟

هذا الترفيع غير نهائي، فهو إجراء وقائي لمجابهة التضخم. وعندما ينخفض التضخّم تنخفض بالضرورة نسبة الفائدة. كما أن البنك المركزي غيّر نسبة الفائدة المديريّة أكثر من 12 مرّة في السابق، منها ثلاث مرّات في جوان/ حزيران وسبتمبر/ أيلول 2011 وبعد العمليات الإرهابية سنة 2015.

وهذا الأمر يؤكّد استقلاليّة هذه المؤسسّة وأن تسييرها للسياسة النقديّة يقع بكل استقلاليّة ويجاري وضع البلاد العام.

علاوة على ذلك، وأمام هذا الوضع المعقّد، لا بد للبنك المركزي أن يختار بين أولويتين، فإما تحقيق استقرار الأسعار الذي يتطلّب تكثيف التدخلات على سوق الصرف والقبول بمستوى أقل من تسعين يوم توريد على مستوى الاحتياطي من العملة الأجنبية وذلك حتى يحد من الانهيار المتواصل للعملة الوطنية، وهو ما سيؤدي حتمًا إلى التحكم في التضخم المستورد وبالتالي في مستوى الأسعار، أو أن يبقي الأمور على ما هي عليه الآن و يقبل بتفاقم المخاطر التضخمية واللجوء مجددًا إلى الترفيع في نسب الفائدة المديرية وما سينتج عن ذلك من تأثيرات سلبية على الاقتصاد ككل.

اقرأ/ي أيضًا: بالأرقام: محافظ البنك المركزي يوضح أسباب الترفيع في نسبة الفائدة المديرية

  • هل يكفي هذا الإجراء للحد من التضخّم؟

نظريًّا لا يملك البنك المركزي سوى آليّة التحكّم في نسبة الفائدة المديريّة للحدّ من التضخم ولكنّ رفع هذه النسبة غير قادر لوحده على تحقيق استقرار الأسعار. ففي ظل تواصل انهيار سعر صرف العملة الوطنيّة والانعكاسات المرتقبة للزيادة في الأجور التي تم إقرارها مؤخرًا، وكذلك إمكانية الزيادة في أسعار المحروقات خاصة اذا ارتفعت أسعار البترول في الأسواق العالمية، كلّ هذه المؤشرات تجعل البنك المركزي في وضعيّة غير مريحة.

فمصدر التضخم في بلادنا ليس نقديًّا بالأساس، باعتبار أن الكتلة النقديّة تنمو بنسق يقارب إجمالي الناتج المحلّي بالأسعار الجارية. كما أن المصدر الوحيد الذي يؤثر بصفة مباشرة وحينيّة على التضخّم هو سعر صرف الدينار وذلك يظهر في السلع التي نستوردها ونستهلكها مباشرة، لذلك إن عملنا على التحكّم في سعر الصرف فإننا سنسيطر على نسب التضخّم المتأتية من التضخم المستورد "inflation importée".

  • ما هي الحلول لدعم الدينار التونسي أمام تراجعه المتواصل؟

 سعر صرف الدينار مصدر من مصادر التضخّم التي من الممكن التحكم فيها، فعندما يفقد الدينار أكثر من 45 في المائة من قيمته مقابل اليورو وأكثر من 50 في المائة من قيمته مقابل الدولار، يتحوّل الأمر آليًا إلى تضخّم لذلك إذا لم نحافظ على استقرار سعر الصرف فإنّ التضخّم سيزيد.

وهناك دراسات علمية بارزة تعرف بـ"pass throw"، تؤكد أن التغيرّ في أسعار الصرف ينتقل إلى الأسعار، حيث أنه إذا استقر سعر الصرف فإن نسبة التضخّم يمكن أن تنخفض حتى إلى أقل من 5 في المائة.

محمد الصالح سويلم لـ"ألترا تونس": قرار الرفع من نسبة الفائدة المديريّة يعتبر إيجابيًا ولكنه غير كاف إذا لم نحاول الحد من انخفاض قيمة الدينار

  • ماهو تأثير صرف العملة في السوق الموازية على الاقتصاد؟

عندما شغلت خطّة المدير العام للماليّة الخارجيّة وفي إطار اتفاقيّة الاتحاد المغاربي لتوحيد أنظمة الدفع، قيل لنا وقتها "نحيو علينا هلي ينشّو"، والمقصود هنا هو القضاء على باعة العملة الصعبة على قارعة الطريق، إذ تنقّلت مع فريق عمل لإنجاز تحقيق في معتمدية بن قردان من ولاية مدنين، فوجدنا أكثر من 420 محل متجاور، لصرف العملة في السوق السوداء، وأغلب سكّان المدينة يعيشون من هذه التجارة، لكن الدولة عاجزة، للأسف، على تنفيذ قوانين الصرف ومنع هذه الظاهرة من الانتشار.

وللحّد من هذه الظاهرة، اقترحت تكوين مجموعة متنقّلة تضمّ ممثلين عن وزارة المالية والديوانة ووزارة الداخليّة والبنك المركزي ومحاسبة كل من يثبت تورطه في بيع العملة الصعبة في السوق الموازية. ولكن لا توجد عزيمة لتطبيق القوانين، التي من شأنها أن تزيد السيولة البنكية بالدينار وتحدّ من المضاربة على الدينار.

  • من منطلق تجربتكم في السياسات الماليّة، ما هي الحلول لمجابهة هذا الوضع الاقتصادي في ظلّ سنة انتخابيّة تعتبر صعبة على المستثمرين وكل الفاعلين الاقتصاديين؟

قرار الرفع من نسبة الفائدة المديريّة يعتبر إيجابيًا ولكنه غير كاف إذا لم نحاول الحد من انخفاض الدينار.  ورغم أن الوضع العام بالبلاد صعب وضبابي، على المستويين الاجتماعي والسياسي، وخاصّة أننا نمرّ بسنة انتخابيّة، إلا أن البلاد قد تجاوزت الفترات الصعبة، واليوم على البنك المركزي أن يبعث رسائل واضحة وصريحة للفاعلين الماليين، ويكثف تدخلاته الإجرائية دون خوف.

من جانب آخر، يتطلّب الاقتصاد الوطني إجراءات عميقة للحد من أزماته، على غرار الدفاع عن العملة الوطنية والحدّ من انهيارها الذي يمكن أن يؤدي الى كارثة. وفي هذا الجانب، يمكن اعتماد إجراءات لتكثيف العرض على العملة الأجنبية من خلال حث المصدرين الذين يملكون حسابات بالعملة الأجنبيّة على بيعها في السوق من منطلق المساهمة الوطنية، إلى جانب العمل على الحدّ من التوريد من خلال التأثير على العرض والطلب. بالإضافة إلى هذا، على البنك المركزي استباق الأحداث وعدم الاقتصار على الإجراءات البعدية، لأن معالجة القطاع الاقتصادي يتطلب رؤى مشتركة وحلولًا استراتيجية وظرفية تتوزع حسب المتطلبات وحاجيات الأسواق العالمية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الدينار التونسي: تدهور مستمر وزلزال اقتصادي محتمل!

كيف تطورت مؤشرات الاقتصاد التونسي منذ 2010 وإلى اليوم؟