30-يونيو-2021

"الترا تونس" كان لها لقاء مع المدير الفني لمهرجان قرطاج الدولي

 

في ظلّ الوضع الوبائي الذي يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم وما يفرضه من إجراءات وقائية مشددة، تقرر تأجيل أو إلغاء كافة التظاهرات الجماهيرية المفتوحة لمشاركة أو حضور العموم وذلك سواء في الفضاءات المفتوحة أو المغلقة بما في ذلك مهرجان قرطاج الدولي. 

وقد أعلنت الهيئة المديرة لمهرجان قرطاج الدولي، الثلاثاء 29 جوان/يونيو 2021، تأجيل موعد انطلاق دورته السادسة والخمسين إلى شهر أوت/أغسطس القادم، وذلك ''تفاعلًا مع الإجراءات الصحية المتخذة من قبل رئاسة الحكومة واللجنة الوطنية لمجابهة فيروس كورونا، وتماشيًا مع قرارات وزارة الشؤون الثقافية في تفاعلها مع الارتفاع الكبير لعدد الإصابات بفيروس كورونا في تونس وخارجها، وحفاظاً على السلامة الصحية للجمهور''. وحسب بلاغ لإدارة المهرجان ''تبقى هذه القرارات مرتبطة بتطورات الوضع الصحي في تونس''.

وبعد إلغاء دورة 2020، وهي المرّة الأولى التي تقع فيها هذه الحادثة منذ تأسيس المهرجان سنة 1964، يعود توجّس تكرار الإلغاء ليخيّم من جديد على أجواء الفريق القائم على هذا المهرجان. فريق يترأسه المؤلّف الموسيقي وعازف الإيقاع عماد العليبي الذي رغم ما خلفته جائحة كوفيدـ19، إلا أنه تمكن من إعداد فعاليات النسخة الـ56 والتي كان من المفروض أن تقام من 8 جويلية/يوليو إلى 17 أوت/أغسطس 2021 لولا الإجراءات الاخيرة للهيئة الوطنية لمجابهة انتشار فيروس كورونا.

"الترا تونس" كان لها لقاء مع المدير الفني لمهرجان قرطاج الدولي، تفاصيله في هذا الحوار.

  • تأجيل فإلغاء فتأجيل أو إلغاء... ما قصتك مع هذا المهرجان؟

رحلتي مع المهرجان انطلقت منذ جانفي/يناير 2020، بعد شهرين بدأت الجائحة في الانتشار في تونس ووقع تأجيل المهرجان. في الأثناء، عملنا على البرمجة ورقمنة الأرشيف والإنتاج والإنتاج المشترك مع عدد من الفنانين كنبيهة كراولي والهادي حبوبة. وهذا تقليد مهم نستطيع من خلاله التنسيق مع الفنانين بطريقة جديدة تواكب إنتاجهم الفني وتخفّف عنهم عبء الإنتاج.

عماد العليبي (مدير مهرجان قرطاج) لـ"الترا تونس": البلدان التي لها جدول عمل واضح بالنسبة للمهرجانات هي تلك التي لها الإمكانيات وتملك التلاقيح. لكن في تونس هناك مسائل تتجاوزنا. وأقولها بكلّ حزن "معجزة لو يقام المهرجان"

في جانفي/يناير 2021 وقعت عديد الإلغاءات من قبل عدد من الفنانين الكبار، فتوجّهنا لأن تكون البرمجة ثقافية، فيها حضور بارز للعروض التونسية بالإضافة إلى عروض أخرى عن طريق التعاون الدولي على أن يكون هناك توازن مع الخط التحريري للمهرجان. وهذا ما أسميه برمجة بأخف الأضرار.

  • هل وقع التنسيق مع وزارة الصحة في تحديد تاريخ المهرجان خاصة وأنّ هذه الفترة بالذات تشهد نسقًا متصاعدًا للإصابات بالفيروس؟

صدقًا، لا يوجد أيّ تنسيق مع وزارة الصحّة. نحن نستبق ونراسلهم لكن لا تصلنا إجابات. وأنا أعذرهم لأنّ هذا الفيروس لا يمكن التنبّؤ بطريقة تطوّره.

في شهر مارس/آذار الماضي، تحصّلنا على الموافقة على إقامة المهرجان على أن نعمل وفقًا للبروتوكول الصحّي بطاقة استيعاب قدرها 30%، ولأنّ المسرح في الهواء الطلق فإنّ نسبة إمكانية العدوى ضئيلة حسب المعطيات العلمية.  

البلدان التي لها جدول عمل واضح بالنسبة للمهرجانات هي تلك التي لها الإمكانيات وتملك التلاقيح. لكن في تونس هناك أشياء تتجاوزنا. للأسف فإن الدولة كانت تستطيع تجاوز هذه الأزمة منذ الربيع، بالإضافة إلى تهور المواطنين الذي جعل فترة الوباء تطول.  وأقولها بكلّ حزن "معجزة لو يقام المهرجان".

  • هل أنّ نجاحك في أيام قرطاج الموسيقية هو الذي جعلك اليوم مديرًا فنيًّا لمهرجان قرطاج الدولي؟

وزير الثقافة السابق محمد زين العابدين هو من أوكل لي هذه المهمة بعد أن توليت إدارة الدورة الأخيرة لأيام قرطاج الموسيقية. ولا أعرف إن كنت نجحت فيها أم لا. لكنه أعطاني ثقته بالإضافة إلى كلّ الوزراء الذين تلوه. كنت أتمنى مواصلة مشواري مع "JMC"  لعامين أو ثلاثة لأنه كانت لي رؤية لكن حتى مع مهرجان قرطاج فإنّ لي تصوّرًا واضحًا إلا أنّه يحتاج بعض الوقت لترسيخه.

العليبي لـ"الترا تونس": في شهر مارس الماضي، تحصلنا على الموافقة على إقامة المهرجان على أن نعمل وفقًا للبروتوكول الصحي بطاقة استيعاب قدرها 30%، ولأنّ المسرح في الهواء الطلق فإنّ نسبة إمكانية العدوى ضئيلة حسب المعطيات العلمية

لا أدّعي أني سأغيّر أو أرفع من الذوق العام  لكن أعرف أنه يجب احترام رؤية معينة لفترة من الزمن تكون مرتبطة عادة بالسياسات الثقافية للبلاد.

  • ألا تعتقد أنّ البرمجة الحالية للمهرجان أخرجته من حلّته الترفيهية ليكون مهرجانًا فئويًا ونخبويًّا بالأساس؟

نحن لسنا ضد أن يكون المهرجان ترفيهيًا فعند البحث في تفاصيل البرمجة نجد هذا البعد فيه.  لكنّ الترفيه هو دور قطاع متعهدي الحفلات، بينما المهرجان يجب أن يقدّم إضافة سواء باكتشافات فنية جديدة أو بأنماط موسيقية مختلفة يقدّمها لجمهوره.

اقرأ/ي أيضًا: المدير الفني لمسرح الربط: هدفنا إحياء المدينة العتيقة ولم نتلق دعمًا (حوار)

لقد قمنا بتقييم للمهرجان وعدنا للأرشيف منذ الستينات والسبعينات فوجدنا أن للمهرجان هوية ومنذ تأسيسه مع الشادلي القليبي كانت له سياسة ثقافية واضحة، إذ نجد فيه الفن التونسي (شعبي، حضري، بدوي)  وفيه أيضًا انفتاح على موسيقى العالم. لذلك أردنا البقاء في نفس الإطار وإرجاع تلك الهوية.

  • هناك تذمّر في علاقة بحضور الفنان التونسي في المهرجان، خاصة في ظل ما يعانيه من ظروف صعبة منذ انطلاق الجائحة، فكيف تقيمون ذلك؟

في البداية، لا يمكن أن نربط الظروف الاجتماعية بالبرمجة الثقافية فهذه من مهام وزارة الثقافة وليس المهرجان ومع ذلك أخذنا ذلك بعين الاعتبار.

وقد اعتمدنا نفس الرؤية المتعارف عليها إذ تقدم مشاريع للجنة المهرجان ويقع إثرها الاختيار.  

العليبي لـ"الترا تونس": نحن لسنا ضد أن يكون المهرجان ترفيهيًا، لكنّ الترفيه هو دور قطاع متعهدي الحفلات، بينما المهرجان يجب أن يقدّم إضافة سواء باكتشافات فنية جديدة أو بأنماط موسيقية مختلفة

وبالنسبة للموسيقيين التونسيين فهم موجودون بشكل كبير، فهناك من الفنانين الأجانب من فرضنا عليهم أن يكون الفريق العازف تونسيًا. لذلك لا يمكن أن نتحمل أكثر من طاقتنا.

  • كيف تعلّق على من انتقدك وانتقد خياراتك لهذه الدورة؟ وهل أن متعهدي الحفلات وراء هذه الحملة؟

أعتقد أنّ الآراء حول البرمجة لم تكن عقلانيّة ولم تأخذ بعين الاعتبار الوضع الوبائي للبلاد. وكنت أتوقّع مثل هذه الانتقادات عندما قررت أن أقطع مع نمط معيّن. في السابق لم تكن هناك بيداغوجيا للمهرجان وكانت الأمور سهلة للغاية إذ تسند مهمّة جلب الفنانين لمتعهدي الحفلات.

وهذا القطاع قديم وليس منظمًا، ولم أكن أتوقع كل ذلك العدد من المتعهدين لذلك أقول إنّ المهرجان لا يمكن أن يرضي الجميع وبإرضائهم تضيع هويته.

  • أبو الفنون هو النجم الأبرز في المهرجان بخمس مسرحيات تونسية أكان خيارًا أم اضطرارًا؟ وكيف وقع الاختيار؟

هذا خيار وليس اضطرارًا، ومن يعرفني يعلم أني أتحمل مسؤولية خياراتي وأنا فرح بأنّه موجود ضمن البرمجة. وحتى عند العودة للأرشيف فإنّ المسرح كان موجودًا في البرمجة منذ القدم. وفي مقارنة مع بعض الدول، فإنّ جلّ المسارح الأثرية في العالم  له برمجة فنية معينة تطابق الجانب التاريخي والأركيولوجي وهذا ما أردنا فعله.

وبالنسبة لاختيار المسرحيات، لم تصلنا ملفات، اجتهدنا في هذه الدورة في اختيار المسرحيات وفي الدورات القادمة ستتطوّر أكيدًا الآليات. وأعتقد أن هذه مبادرة جيدة.

العليبي لـ"الترا تونس": في تونس هناك خلط كبير في الأدوار خلق بسبب غياب الصناعة الثقافية وغياب البنية التحتية التي تجعل الفنان يتنفس. نحن نملك فقط عددًا محدودًا من المهرجانات الكبرى، لذلك فالكل في انتظارها والكلّ يريد المشاركة فيها

  • كيف تقيّم واقع المهرجانات في تونس؟

إنّ اختصاصي الأكاديمي هو الدبلوماسية الثقافية، وأمضيت أكثر من عشرين سنة في إدارة المهرجانات في عديد الدول في العالم، فقط نتّفق حول الخط التحريري للمهرجان ومن ثمّ أنطلق في العمل.

في تونس هناك خلط كبير في الأدوار خلق بسبب غياب الصناعة الثقافية وغياب البنية التحتية التي تجعل الفنان يتنفس. نحن نملك فقط عددًا محدودًا من المهرجانات الكبرى، لذلك فالكل في انتظارها والكلّ يريد المشاركة فيها. ومن هنا يأتي دور الدولة التي يجب أن تقوم بتوزيع عادل لقاعات العروض.

وأنا أتفهم هذا الواقع وأناضل بأن يكون هناك سياسة ثقافية واضحة وعادلة تعطي الفرصة للجميع. وعلى الدولة أن تفهم أنّ الصناعات الثقافية هي محرك اقتصادي أساسي في أغلب دول العالم.

مراسلة "الترا تونس" في لقاء مع مدير مهرجان قرطاج الدولي عماد العليبي

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار| المسرحي نور الدين الورغي: الكتابة المسرحية تكون أصعب زمن الحرية..

حوار| رياض حمدي (بطل "حرقة"): العمل الفني الحقيقي هو الذي يجعل الناس تنتفض