19-أكتوبر-2019

الإعلاميّ والكاتب الروائيّ والسجين السياسيّ كمال الشارني

 

أصبح الإعلام التونسيّ بعد الثورة حديث الناس بعد أن كان متحدّثًا عنهم ولهم ومعهم، فقد بات من أكثر المجالات إخضاعًا للنقد والتقييم تعديلًا وثناء وذمًّا، فما إن نجا هذا القطاع من لوثة مساندة نظام بن علي ومن ويلات "الكتاب الأسود"، حتّى وقع في وحل أعمق وأخطر، فقد رماه خصومه بنبال سياسيّة وقانونيّة وأخلاقيّة وذوقيّة، فالتصقت به خلال السنوات الأخيرة مطاعن كثيرة وهنات عديدة عبّرت عنها نعوت وألفاظ أقرب إلى معجم الشتيمة والسباب وسجلّ التأثيم والاتّهام، منها الرداءة و"الشوليقة" والعمالة والمحاباة و"التلحيس" والسخافة والسطحيّة والابتذال والتحريض والمغالطة والتحريف والتلفيق والتزييف.

غير أنّ "إعلام العار" بدت أشدّ العبارات علوقًا في أذهان الناس وأكثرها سريانًا على الألسن. ولئن عُدّت هذه العبارة وجيهة موضوعيّة بالنسبة إلى جمهور واسع من القراء والمستمعين والمشاهدين فقد عدّها جلّ الإعلاميين متعسّفة متهافتة تنطوي على عداء لحريّة الفكر والتعبير.

هذه القضيّة تعدّ مثيرة خطيرة مفزعة بالنسبة إلى الغيورين على الصحافة، وتتخذ هذه الخطورة بعدًا إشكاليًّا عند التساؤل عن الجهة الأولى بتقييم المشهد الإعلاميّ، الجمهور أم الأحزاب أم القضاء أم الإعلاميّون أنفسهم..

كمال الشارني لـ"ألترا تونس": "إعلام العار" فيه تعميم خاطئ لأن خدمة النظام بتلميعه ومهاجمة خصومه كانت حكرًا على عدد قليل من المنتسبين إلى الإعلام

لئن كان الكلام على الكلام صعبًا، فإنّ معالجة شأن من الشؤون الإعلاميّة من منبر إعلاميّ يعدّ أخطر وأشدّ إحراجًا، هذا ما جعل "ألترا تونس" يستأنس بآراء كمال الشارني الإعلاميّ والكاتب الروائيّ والسجين السياسيّ، لقد عاين الشارني الميدان الإعلاميّ وعانى منه منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود، ولئن بدا زاهدًا في الشأن المادّي فقد أظهر حرصًا لافتًا في الدفاع عن القطاع والتطلّع إلى تنقيته من الشوائب المهنيّة والنقائص المعرفيّة والانحرافات السلوكيّة.

بدأ تجربته الإعلاميّة مغرمًا هاويًا عصاميًّا بجريدتي "الصحافة" و"الشروق" ثمّ أتمّ تكوينه الأكاديميّ في هذا الميدان، فاتّسعت تجربته، فأثمر ذلك إنتاجًا غزيرًا في مؤسّسات إعلاميّة محليّة وأجنبيّة، توّج تجربته المهنيّة والحياتيّة بعملين يندرجان ضمن أدب السيرة الذاتيّة، الأوّل عنوانه "أحباب الله" تحدّث فيه عن محنة السجن والثاني "كاليتيم على آخر بيت مُضاء" وفيه تعرّض إلى ملابسات نشوء خلايا الإرهاب بولاية الكاف الواقعة في الشمال الغربيّ.

صحفيّ في منزلة الخبير والمبدع والمناضل، كان لنا معه الحوار التالي حول بعض المخاطر التي تتهدّد القطاع الإعلاميّ بسبب التجاوزات المهنيّة من جهة وبعض المواقف العدائيّة من جهة أخرى، وقد بلغت هذه الانحرافات والنزعات العدائيّة ذروتها تزامنًا مع الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة في سبتمر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأوّل 2019.  

اقرأ/ي أيضًا: فوزية الشرفي: نعيش إسلام المظاهر.. والإسلام دين تونس وليس دين الدولة (حوار)

  • تواترت بعد ثورة الحريّة والكرامة في تونس عبارة "إعلام العار"، ما هي المعاني والدلالات التي يحملها هذا التجاور بين كلمتي إعلام و"عار"؟

جاءت هذه العبارة لتصوير ما شعرت به فئات كثيرة من الناس من فشل الإعلام أو عجزه عن القيام بدوره في التعبير عن قيم الثورة ومرافقة الانتقال الديمقراطي، التسمية انطلقت من استمرار وجوه محسوبة على النظام المخلوع في ترذيل الثورة وقيمها، لكن العبارة اتسعت لتشمل كل الإعلام بصفة عامّة، وأصبحت عنوانًا يفضح دور هذا القطاع في عهود الاستبداد، ويذكّر بتملّق عدد من الصحفيين للسلطة ومدحهم النظام السابق ومساندتهم للوبيّات الفساد وانخراطهم المفضوح في ثلب المعارضين والملاحقين والمهجّرين والمساجين السياسيين والشرفاء عامّة.

  • هل ينطبق هذا التوصيف على جزء من الإعلام التونسيّ؟

طبعًا، الإعلام التونسي هو المستهدف من هذا التوصيف، لكن فيه تعميم خاطئ، لأن خدمة النظام بتلميعه ومهاجمة خصومه كانت حكرًا على عدد قليل من المنتسبين إلى الإعلام، الأغلبية المطلقة من الصحفيين العاملين لا علاقة لهم بالنظام السابق، وهو نفس الوضع الآن، أي أن عددًا قليلًا من المحسوبين على الإعلام هم الذين يستفزون الناس بنشر أخبار زائفة واعتمادها لإطلاق تحاليل ومقولات غير سليمة وغير موضوعية.  

  • إلى أيّ مدى ساهم " الكرونيكور" في هذا التردّي؟

الكرونيكور ظاهرة جديدة في الإعلام التونسي، وثمّة غموض كبير في تعريفه خصوصًا حين يكون بلا صفة أو كفاءة أو اختصاص، كثير منهم يتم الاعتماد عليه فقط لخدمة أهداف معينة وبطريقة مفضوحة مخالفة لقواعد الصحافة، نحن نعتبر الكثير منهم دخلاء ومكلفين بمهام مريبة يترفع عنها الصحفيون من باب الموضوعية والأخلاق المهنية.

كمال الشارني لـ"ألترا تونس": الهيئة التعديلية المكلفة بحراسة القانون وقواعد المهنة "الهايكا" يتم إضعافها ومنعها من تطبيق القانون

اقرأ/ي أيضًا: فوزية الشرفي: الدولة ليست "السيستام" والإسلام السياسي يهدد المجتمع (حوار)

  • ما الذي أوقع عددًا من الصحف والقنوات الإذاعيّة والتلفزيّة في هذا المستنقع؟

مشكلة الإعلام أنه مكلف في تمويله وغير مربح تجاريًا خصوصًا في بلد صغير مثل تونس، وعليه، خضعت بعض المؤسسات لإغراء التمويل مقابل خدمة أجندة سياسية معينة، كما أن تسيير المؤسسات الإعلامية في تونس يخضع للتأثير السياسي، ولا يعتمد مجالس التحرير التي من شأنها تعديل المحتوى نحو احترام القانون والتزام الموضوعية.

  • ما دور التشريعات والمؤسّسات المتاحة حاليًّا لإنقاذ الصحافة التونسيّة من مزيد الانحدار؟

التشريعات لا تطبق للأسف، وحتى الهيئة التعديلية المكلفة بحراسة القانون وقواعد المهنة "الهايكا" يتم إضعافها ومنعها من تطبيق القانون، وبعض المؤسسات تستقوي على الهايكا والقانون ببعض السياسيين، وهذا سمح بتفشي أعمال مخالفة للمرسومين 115 و116 المنظمين للإعلام في تونس.

كمال الشارني: الكرونيكور ظاهرة جديدة في الإعلام التونسي ونحن نعتبر الكثير منهم دخلاء ومكلفين بمهام مريبة يترفع عنها الصحفيون من باب الموضوعية والأخلاق المهنية

  • ما هي السبل التي يمكن استحداثها لمعالجة الوضع؟

لا بد من إعادة سلطة القانون وهيبة الدولة في تطبيقه على الجميع بنفس الطريقة، الحل سهل في دفع المؤسسات الإعلامية إلى اعتماد مجالس التحرير والفصل بين الإدارة والتحرير حتى لا تصبح وسيلة الإعلام مجرد مطيّة لتحقيق أهداف سياسية.

  • لماذا لم يهيمن في الصحافة التونسيّة بديل إعلاميّ يتناغم مع الخطّ الثوريّ؟

عندما وقعت الثورة وهرب رأس النظام، كان الإعلام الخاصّ والعموميّ خاضعًا في تمويله وتأسيسه للنظام المنهار الذي ربط إنتاج المحتوى الإعلامي بسلطة المسؤول الأول في المؤسسة، بعد الثورة مباشرة وقعت محاولات كثيرة لبعث إعلام بديل، لكن المشكلة أن أغلب أصحاب هذه المشاريع ليسوا صحفيين، ووقعوا في تكرار الخطأ الكبير بالوصاية على الصحافة وانتداب الصحفيين على الولاء دون تركيز على الكفاءة والحرفية والاختصاص، في المقابل، استمر إعلام مرتبط برأس المال ومصالحه لضمان التمويل الضخم الضروري لاستمرار المؤسسة.

كمال الشارني لـ"ألترا تونس": لا أتوقع أن تحد الاحتجاجات من حرية التعبير

  • تشهد موجات السخط على بعض الإعلاميين مواقف تصعيديّة نحت منحى عنيفًا تدرّجت من الحثّ على المقاطعة، إلى التهديد، إلى العزم على تنظيم تحركّات احتجاجيّة، ما رأيك في هذا المسار؟

الدعوة إلى المقاطعة حق مواطني إذا لم تتجاوز ذلك إلى العنف اللفظي أو المادي أو التهديد به، التحركات الاحتجاجية مسار خاطئ لأن الحل يأتي في التظلّم لدى الهايكا أو القضاء، ليس من حق أحد التدخل في محتوى أية مؤسسة إعلامية، لكن من حق الهايكا التي تمثل سلطة الدولة أن تتدخل عندما تخل المؤسسة الإعلامية بالتزاماتها المهنية وباحترام القانون، ويمكنها سحب تأشيرة البث منها إن لزم الأمر، لأن ذبذبات البث للعموم هي ملك الشعب ويجب احترام هذا الشعب ودولته وقوانينه.

  • هل تَحدُّ هذه الاحتجاجات من حريّة التّعبير؟

لا أتوقع أن تحد من حرية التعبير، أحس أن الدولة جاهزة ومتحفزة لمحاسبة أي شخص يتجاوز القانون بتهديد الآخرين أو ثلبهم وإحالته إلى القضاء، وقد تم إيقاف الشخص الذي هدّد قناة خاصة بالحرق فور نشر تدوينته، وثمة أيضًا دور المجتمع المدني والأحزاب في الدعوة إلى التهدئة وتأطير الغضب لكي يبقى في إطار ما يسمح به القانون ولتوضيح حدود حرية التعبير وحق الغضب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عدنان منصر: لهذا انسحبت من الحراك ويجب التفكير من الآن في انتخابات 2024 (حوار)

أمين عام الاتحاد الدولي للصحفيين: نحو تبني ميثاق جديد لأخلاقيات المهنة (حوار)